ظهر الملاك ليوسف النجار في حلم وقال له: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْر»، هكذا بدأت رحلة مسار العائلة المقدسة، رحلة تمزج بين التاريخ والروحانية والثقافة، وسطرت هذه الرحلة أثرًا تاريخيًا وسياحيًا وثقافيًّا مهمًا، فهي ليست مجرد رحلة دينية، بل هي جزء من التراث المصري الاستثنائي الذي يحمل قيمًا عالمية.
تتجلى أهمية مسار رحلة العائلة المقدسة في الحضور الديني والثقافي، حيث يشكل هذا المسار نقطة تلاقٍ بين الديانات والثقافات المختلفة، فقد ارتبطت الكنيسة القبطية المصرية بشكل خاص بتلك الرحلة، مما منحها مكانة دينية بارزة بين الكنائس المسيحية في العالم، وتعد المواقع التي مرت عليها الرحلة من أبرز الوجهات الروحية والسياحية في مصر.
بدأت رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر من رفح بسيناء وانتهت إلى دير المحرق بأسيوط، ومن ثم عادت منه إلى فلسطين مرة أخرى، ويمتد المسار على مسافة 3500 كيلومتر ذهابًا وعودة من سيناء حتى أسيوط، ويتضمن 25 نقطة عبور، وشملت الرحلة مرورًا بمواقع عدة منها: تـل الفرمـا، تـل بسـطة، كنيسـة الشـهيد أبانـوب والعـذراء مريـم، شـجرة مريـم، كنيسة أبـي سـرجة، وأديـرة وادي النطـرون، وكنيسـة العـذراء مريـم بجبـل الطير، وديـر المحرق
المصادر المختلفة الموثقة
وتوجد هناك أدلة ومصادر متعددة تشير وتؤكد إلى دخول العائلة المقدسة مصر، مثل النبوءات الدينية في الكتاب المقدس، والمصادر التاريخية الكنسية مثل السنكسار والدفنار، ويحتفظ التقليد القبطي بأربعة ميامير تروي قصة رحيل العائلة المقدسة مصر، بالإضافة إلى المخطوطات الأثرية التاريخية التي تؤكد هذا الحدث، فضلا عن سجلات تاريخية للبطاركة والكنائس والأديرة، والأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة وتوافر العديد من الدراسات الأكاديمية ومصادر أخرى غيرها.
ومن بين المصادر الدينية، تأتي نبوات أشعياء النبي في التوراة، التي تشير لدخول السيد المسيح إلى أرض مصر، ومنها: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا" (سفر إشعياء 19: 19)، "هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ» (سفر إشعياء 19: 1)، «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ» (سفر إشعياء 19: 25)، وأيضًا الآية التي وردت في العهد الجديد «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ» (إنجيل متى 2: 13)، وغيرها..
ومن بين المخطوطات الأولى التي تناولت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، كما أشارت الدكتورة كرستينا عادل فتحي في دراستها التي حملت عنوان «التنمية السياحية المستدامة.. مسار رحلة العائلة المقدسة»، يُنسب إلى البابا ثاؤفيلس البطريرك الثالث والعشرين، حيث وردت رؤيا له ظهرت فيها السيدة العذراء وحدثته عن تفاصيل الرحلة، فطلبت منه أن يسجل ما رأى وما قالت له، ويتواجد هذا المخطوط في المكتبة الأهلية بباريس، بالإضافة إلى نسخة أخرى في الدير المحرق.
أما المخطوط الثاني فهو للأنبا زخريا، أسقف مدينة سخا في الدلتا، حيث يذكر فيه المحطات التي مرت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها، وعن المخطوط الثالث فهو للأنبا قرياقوس، أسقف البهنسا، الذي يسجل فيه تفاصيل أخرى حول الرحلة، وأخيرًا، يأتي المخطوط الرابع الذي تم إضافته حديثًا، وهو مخطوط "موعظة كنيسة الصخرة"، ويُنسب إلى البطريرك تيموثاوس السادس والعشرين، وقد كُتب باللغة القبطية وتم ترجمته إلى العربية والحبشية.
احتفالات الكنائس بعيد دخول العائلة المقدسة مصر
ويذكر كتاب السنكسار، "وهذا الكتاب يضم سير الأباء القديسين والشهداء، وتذكارات الأعياد وأيام الصوم، وجميع الأحداث المهمة في التقويم المسيحي الأرثوذكسي"، Top of Formأن دخول السيد المسيح إلى أرض مصر في يوم 24 بشنس بحسب التقويم القبطي، الموافق 1 يونيو بالتقويم الميلادي، وقد عينت الكنيسة القبطية هذا اليوم تذكارًا لهذا الحدث، ورفعته وجعلته جزءًا من الأعياد السيدية الصغرى التي تحتفل بها الكنيسة.
وفيما يتعلق بالاحتفالات في الكنائس الأخرى، أشار الشماس الأكليريكي ماجد صبحي رزق، في دراسته المنشورة ضمن ملف خاص حول هروب العائلة المقدسة إلى أرض مصر، ضمن أسبوع القبطيات التاسع عام 1999م، إلى الاحتفالات والمسميات في الكنائس الأخرى لهذه المناسبة.
وقال، تحتفل الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بهذه الذكرى في 26 ديسمبر، ويُعرف عندهم باسم "هروب والدة الإله إلى مصر"، أما الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية، فتحتفل بإقامته بتذكارين: في 17 فبراير بمناسبة هروب السيد المسيح إلى مصر، وفي 7 يناير بمناسبة عودة الطفل يسوع من مصر، وتحتفل الكنيسة الأرمنية بهذا اليوم في 13 يناير باسم "عيد اسم يسوع المسيح"، أما الكنيسة السريانية الأنطاكية، فتحتفل يوم 26 ديسمبر بعيد تهنئة السيدة العذراء بالميلاد الإلهي، وفي اليوم التالي 27 ديسمبر تذكر قتل أطفال بيت لحم.. ويُقام ضمن هذين اليومين ذكرى هروب العائلة المقدسة إلى مصر، لتكون مصر الأرض التي احتضنت السيد المسيح وعائلته.