تعد جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
نلتقى اليوم مع الأديب «جوزويه كاردوتشي» وهو أحد ممن صنعوا تاريخ ومجد الشعر الإيطالي الحديث.
ولد الشاعر الإيطالي «جوزيه أليساندرو جوسيبي كاردوتشي» في مدينة بييتراسانتا في مقاطعة لوكا شمال غرب إقليم توسكانا في 27 يوليو 1835، وكان أبوه يعمل طبيبا بالريف، وعضوا في جمعية «كاربونيريا» السرية التي كان لها دورا مهما وكبيرا في توحيد إيطاليا، وشهد«كاردوتشي» تلك الأحداث بعد حصوله على شهادة الثانوية عام 1855 بمدينة فلورنسا.
يكتب الشعر ومدرسًا للغته
بدأ «كاردوتشي» يشتغل بمهنة التدريس، وفي تلك المرحلة انجذب إلى عالم الشعر وبدأ يكتبه، وفي عام 1860 عينه وزير التعليم الوطني مدرسًا للأدب الإيطالي في جامعة «بولونيا» والتي تعد أقدم جامعة في أوروبا، تأسست عام 1088، وهي ثاني أكبر جامعة في إيطاليا.
شاعر الحزب والبلاط
كان «كاردوتشي» يحلم ويفكر دائما بالذهاب إلى روما والبقاء فيها، وقد كان هناك التقى بزوجة لأمير الإيطالي أمبرتو الأول «مرجريت دوسافواي» التي كانت تقربة منها، ومن البلاط، حتى لقب بشاعر البلاط، وأصبح هو شاعر الحزب في عام 1890، وبعدها عيّن عضوا في البرلمان الإيطالي.
الأعمال الكاملة
قدم«كاردوتشي» أعماله الكاملة في عشرين«20» جزءًا ضمت دواونية المشهورة «أشعار جديدة» المنشور عام 1872، و«قصائد متوحشة» المنشور عام 1877، و كتابين من إبداعاته النثرية تحت عنوان «نثر جوزويه كاردوتشي» نشرت بعد وفاته بعام واحد، ونشرت مختارات من أعماله الشعرية والنثرية جمعها بعض تلاميذه.
ويعتبر«كاردوتشي» هو أحد الأدباء الثلاثة الذين صنعوا مجد الشعر الإيطالي الحديث، مع «جيوفاني باسكوالي» (1855 - 1912)، و«غابرييل دانونسيو» (1863 - 1938)، وهؤلاء الشعراء قد جمعتهم سمات مشتركة من بينها قربهم من السلطة السياسة في إيطاليا حينذاك وخطوا بسطورهم ومؤلفاتهم النثر، ولا سيما فن الرواية وحققوا تميزًا ونجاحًا كبيرًا خارج بلادهم.
وفي اتجاه هؤلاء من جانب مدرستهم الشعرية، اتسموا وعرف عنهم أنهم وحشيون، حيث حاولوا الخروج بأشعارهم من الاتجاه والمدرسة الكلاسيكية، التي انتهجها من سبقوهم في غالبية الإنتاج الشعري، الذي وكان منهم« جوزيبي براتي، وأليرد واليردي» أن النغمة السياسية واضحة للغاية في أشعارهم.
آلام وعذاب يقدمها الشعر
اتسمت أشعار «كاردوتشي» أنها كانت تعكس آلامه التي عاشها منذ بداية حياته، فقد مات أخوه «دانتي منتحرا» وهي في الرابعة والعشرين من عمره، وفي عام 1870 ماتت أمة وابنها «دانتي» لموهو في عمر الثالثة، وماتت حبيبته كارولينا في عام 188
النشيد القومي .. ورومانسية قوية
و شغف «كاردوتشي» بالتاريخ فجعله ملهما له حقلا لكتابة قصائده الوطنية، والتي أصبحت نشيدا قوميًا لإيطاليا لفترة من الزمن، وزاد اهتمامه بالتاريخ كثيرا في أشعاره، وخاصة المعاصر منه، كما كان يهتم أن يكتب شعره أيضا برومانسية قوية وواضحة.
بدأ الشاعر الإيطالي المتميز «كاردوتشي» مع عام 1871، يكتب أشعاره في صورة قصائد قصيرة، والتي كانت فيما قبل عبارة عن قصيدة واحدة كبيرة. وكانت هناك مصادر أساسية لهده القصائد منها المواقف السياسية، وفي هذه السمة كان يقلد الأديب الفرنسي والروائي العالمي فيكتور هوجو، ثم المصادر الاجتماعية، والعلاقات الخارجية، وكان معجبا بالتاريخ الروماني خاصة، وهي سمة مشتركة في الكثير من الحاصلين على جائزة نوبل.
فهذا التاريخ قد جاء للعالم بأبطال في مجالات متعددة، ولعل هذا كان سببت في أن ينضم إلى الجيش الثوري. وكان على اتصال مباشر بالعديد من مثقفي عصره مثل «فيكتور هوجو وجول ميشليه» في فرنسا، وتأثر كثيرا بكل من «هاينرش هاينه وجوته» في ألمانيا، وكل هؤلاء الشعراء كانوا يؤمنون بالديموقراطية.
الاتجاه الملحمي
وكانت لغة الشاعر تقترب أكثر إلى الاتجاه الملحمي، والتي عرف عنها أنها منسوخة من كلمات لاتينة قديمة في صياغة جديدة وخاصة القصائد التاريخية، واتضح هذا في قصائدة عن الشخصيات التاريخية «ميرامار» و«من أجل موت نابليون» و«عند المحطة» و«ذات صباح خريفي».
ونال«كاردوتشي» جائزة نوبل في الأدب عن ديوانه «أغنيات وإيقاعات» الذي كتبه في حوالي 12 سنة، ويضم ديوانه قصائد حول معاني «النبل ومظاهر وحكايات البطولات في حياته»، واختار أن ينشر فيه مجموعة قصائد لم تكتمل.
ومن أشهر أقواله «لم أحس بأي هوية بعيدا عن هويتي كشاعر».
رؤية فلسفية للعالم
وفي قول ورأي الناقد فرانسوا ليفي، كان يرى أن «كاردوتشي» قد خلق مدرسة من الشعراء والأساتذة ذوي الرؤية الفلسفية للعالم، و تخرج في هذه المدرسة كل من« كياريني، ونبنشوتي، وماتسوني، وسرفينو» ولكن هذه المدرسة لم يقدر لها أن تعيش طويلا فلقد ذهبت الكتابات النثرية لهؤلاء الشعراء أدراج الرياح.
مثلث إبداعي
وشكل الشعراء الإيطاليين الثلاثة «كاردوتشي، باسكولي، دانونتسيو» مثلثًا إبداعيا متقاربا، لكنهم مع دخول القرن العشرين، وإبداعاته المتنوعة والمتباينة بدأوا يخفتون، ويتراجع وجودهم ولم يبقى منهم سوى «كاردوتشي» االذي توجت رحلته بجائزة نوبل.
لعنة نوبل والرحيل
وفي عام 1899 نشر«كاردوتشي» ديوان «أغنيات وإيقاعات»، وفي عام 1904 ترك مهنة التدريس بعد أن اشترت الملكة «مرجريت» مكتبته، وقد أصابت الأديب والشاعر الإيطالي «لعنة نوبل» فمات بد حصوله عليها بأسابيع قليلة، حيث توفي في عام 1907 في مدينة بولونيا بإيطاليا عن عمر يناهز 71 عاما، وتم تحويل منزله إلى متحف.