الأحد 6 اكتوبر 2024

روسيا تبحث عن طرق جديدة لتصدير النفط والغاز

مقالات7-5-2024 | 13:11

يبدو أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تدفع بروسيا لابتكار طرق جديدة لتصدير النفط والغاز بعيداً عن مناطق مثل البحرالأسود  ، وبعيداً عن النقل البحري بصفة عامة،  وقد تلجأ إلى خطوط الأنابيب بعد تهديد واشنطن بفرض عقوبات على السفن التي تحمل النفط الروسي، وهذه المرة ليس في اتجاه أوروبا التي أدت التوترات السياسية إلى انخفاض تصدير النفط والغاز إليها إلى أقل درجاته، بل اتجهت روسيا إلى طريقين تحسباً لذلك ، وهما إنشاء مصانع تسييل غاز، ثم إنشاء خط أنابيب غاز "سيبيريان باور" للتصدير إلى الصين، لكنه لم يحقق الطموح الروسي المنشود.

فالصين رفضت إنشاء خط آخر لزيادة كمية الغاز الروسي المصدر إليها، ربما حتى لا تعتمد بشكل كامل على مصدر واحد للغاز الروسي فيحدث معها المأزق التي وقعت فيه دول أوروبية، فنجد أن بعضها وخاصة تلك الدول التي ليس لها إطلالة على البحر، إلى الاستمرار في استيراد الغاز الروسي خروجاً على الإجماع الأوروبي (سلوفاكيا والمجر وبلغاريا حتى وقت قريب).

الإبداع الروسي هذه المرة جاء من خلال تصدير غير تقليدي  عن طريق وهو أفغانستان، وهنا إذا تحقق لروسيا ما ترغب فيه تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد فهي من ناحية ستقوم بتصدير نفطها وغازها بطريق جديد مبتكر وفي اتجاه بعيد عن أوروبا، ويمكنها من خلال  ذلك ضرب أي محاولات للكسب من ذلك في الدول المصدرة الأخرى لأوروبا.

 أما العصفور الثاني الذي ضربته روسيا فهو بلا شك جذب النظام في أفغانستان لحظيرتها، فمن ناحية كابول، فهي في أمس الحاجة لأي استثمارات، ومما لاشك أن مد خط أنابيب عبر أراضيها مصدر دخل لها ومصدر طاقة في نفس الوقت.

كما أن اعتماد أفغانستان على النفط الروسي أو الغاز التركمنستاني،  سيجعل منها مركز طاقة كما سيجعلها دولة لها علاقات طيبة بحليفة روسيا طاجيكستان الملاصقة لها حدوديا، وكلنا على علم أن جميع المشاركين في الحادث الإرهابي الذى وقع في إحدى ضواحى موسكو مؤخراً كانوا من طاجيكستان الملاصقة لها حدودياً.

ومن المؤكد أن مد خط أنابيب نفط عبر أفغانستان سيرفع من نفوذ روسيا في منطقة وسط آسيا، في مواجهة منافسة شرسة مع الصين وتركيا ، وكما ذكرت الأنباء،  أن السلطات الأفغانية تريد إنشاء مركز للطاقة في مقاطعة "هيرات" وأنها اتفقت بالفعل مع كل من كازاخستان وتركمنستان ، كما أنها تسعى للاتفاق مع روسيا لنفس الغرض، وتقدر كميات النفط المبدئية التي ستصدر عن طريق أفغانستان بحوالي مليون طن سنوياً بما يعادل 7 مليون برميل .

ووفق بعض الخبراء فإن المشروع الأفغاني يعكس بالدرجة الأولى محاولة كابول استغلال ظروف العقوبات التي تعيشها روسيا وحالة التضييق عليها في تصدير النفط وإغلاق طرق التصدير للاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات على شاحنات النفط الروسي.

ومن ناحية أخرى فإنه في الوقت الذى تحاول فيه واشنطن تضييق الخناق على تصدير النفط الروسي باعتباره أحد مصادر الدخل التي تساعد روسيا على مواصلة عمليتها العسكرية في أوكرانيا، فإنها تسمح للبنوك الروسية ليس فقط بالتحويلات المرتبطة ببيع النفط أو الغاز، ولكن أيضاً بتصدير مصادر الطاقة بأي طريقة بما في ذلك الطاقة النووية (الوقود النووي) رغم أن العقوبات التي فرضت على البنوك الروسية عام 2022 مازالت مستمرة.

ومن المعلوم أن الولايات المتحدة لا تريد اختفاء النفط الروسي من الأسواق لأن هذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، مما سيؤثر سلبيا على الانتخابات الرئاسية على الأقل بالنسبة للرئيس بايدن، لدرجة أنها حذرت حليفتها أوكرانيا من قصف مصانع تكرير النفط في روسيا حتى لا يحدث نقص في البنزين والسولار وغيرها من المحروقات مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في عام الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر القادم ،لكن على ما يبدو أن روسيا لن تكتفي فقط بتصدير النفط عن طريق أفغانستان، لكها ستتطرق إلى تصدير الغاز أيضاً.

لكن على ما يبدو لن تكتفي روسيا بتصدير النفط فقط عن طريق أفغانستان، لكن الغاز أيضاً، ففي لقاء الرئيس بوتين بالرئيس التركمنستاني، والذي تعتبر بلاده إحدى أكثر دول العالم إنغلاقاً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وربما أقلها نشاطاً على الساحة الدولية، وبلغ حجم التبادل التجاري مع روسيا عام 2021 بحوالي 865 مليون دولار، بمعدل انخفاض بنسبة 10,83% مقارنة بعام 2020.

وجدير بالذكرأن زيارة الرئيس" التركمانستاني" لموسكو لم تستدع اهتمام كبير في وسائل الإعلام الروسية، باستثناء المشروع الذي تم طرحه على جدول أعمال الرئيسين والذي أثار اهتمام العالم وهو عبارة عن إنشاء خط أنابيب غاز من تركمنستان مروراً بأفغانستان إلى باكستان والهند أو كما أطلقوا عليه "تابي" وهي الحروف الألى من اسم كل دولة.

 وظهرت فكرة المشروع  منذ 15 عاماً، لكن المشروع لم يرى النور نظراً لحالة عدم الاستقرار التي كانت تعيشها أفغانستان، والآن وعلى ضوء العقوبات المفروضة على روسيا من الدول الغربية تنامى الاهتمام بخط الغاز المزمع إنشائه بالاتفاق مع السلطات الأفغانية الحالية، خط الأنابيب من تركمانستان مروراً بأفغانستان إلى باكستان والهند بطول 1935 كم وبسعة 33 مليار متر مكعب من الغاز تقدر قيمتها بحوالي 10 مليار دولار سنوياً، وكان من المفترض الانتهاء من الخط عام 2017 لكنه تأجل أكثر من مرة، وكل ما تم إنشائه أجزاء لم تتعد أراضي تركمانستان.

ولم تهتم روسيا كثيراً بهذا المشروع، فقد كانت موسكو ترغب في السيطرة على السوق الهندية للغاز دون وسطاء، إلا أن العقوبات الغربية جعل روسيا تُعيد حساباتها وأعلنت عن أنها تبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها من الطاقة (كانت روسيا تصدر حوالي 150 مليار متر مكعب غاز لأوروبا سنوياً) ، وفي الوقت ذاته أعربت حكومة طالبان عن اهتمامها الشديد بهذا المشروع وأعلنت عن  استعداداها لتقديم أي ضمانات.

وترتبط  شبكة أنابيب الغاز الروسية منذ العصر السوفيتي  بحقول تركمنستان وهو ما يسهل دفع الغاز الروسي في خط الأنابيب الجديد حيث أن الغاز التركمنستاني كان يتم بيعه عن طريق الأنابيب الروسية، وموسكو هي من تتحكم فيه وفي تصديره ، ولذلك فإن مشروع كهذا لابد أن تكون لروسيا اليد العليا فيه.

أما عن مدى اهتمام روسيا بهذا المشروع  ، فوفقا للسيد سيرجي برافوسودوف خبير الطاقة الروسي،أن روسيا لم توقع أي عقود أو مذكرات تفاهم حول المشروع على الرغم من أن الحديث عنه بدأ منذ حوالي عشر سنوات ، وكانت المشكلة الرئيسية هي الوضع الأمني في أفغانستان بالإضافة إلى التضاريس الجبلية الصعبة، كما أنه لم توجد مشاركة روسية رسمية في المشروع حتى الآن وينحصر الدور الروسي محصور في توريد الأنابيب والأعمال الهندسية.

وفي حال تنفيذ المشروع فإنه سيمنح روسيا فرصة كبيرة للمناورة في تصدير الغاز إلى كل من أفغانستان والهند وباكستان من الناحية الفنية ،لكن حتى الآن عملية إنعاش المشروع متعثرة. ، وبالرغم من فتح أفغانستان لملف إنشاء خط أنابيب الغاز تركمانستان ـ أفغانستان ـ باكستان ـ الهند من جديد، إلا أن المشروع لم يحقق أي تقدم في اتجاه تنفيذه وذلك بسبب عدم الاستقرار في المنطقة.

 ففي عام 2010 بدأ الأمر وكأن المشروع تحرك من حالة الجمود، بل تم توفيع اتفاقية لإنشاء الخط، ومنذ ذلك الوقت تم وضع الأنابيب في الهند وتركمنستان وجزئياً في باكستان لكن الأمور لم تأخذ أي مسار أكثر من ذلك في اتجاه التنفيذ ، وبدأت روسيا عملياً تشارك في المشروع عام 2019، وتم توقيع عقد بقيمة 200 مليون دولار مع مصنع تشيليابنسك لإنتاج الأنابيب لتوريدها للجزء الخاص بتركمنستان، وفي أفغانستان بدأ العمل في عام 2018، لكن ببطئ شديد، ويبدو أنه سيتوقف الآن.

وهنا يجب أن أشير إلى أن خط أنابيب الجنوب عبر أفغانستان هو بالدرجة الأولى يصب في مصلحة تركمنستان، فهذه الدولة تحتل المركز الرابع من حيث أحتياطي الغاز المؤكد في العالم بحوالي 10,5 تريليون متر مكعب ، (للمقارنة الاحتياطي الروسي حوالي 38 تريليون متر مكعب).

أما عن الجزء الثاني من غاز تركمانستان فتشتريه روسيا ويقدر بحوالي 5,5 مليار متر مكعب في العام، بالقرب من تركمنستان يوجد كذلك خط الأنابيب الإيراني التي تسعى هي الأخرى بأي وسيلة لبيع غازها، وبذلك فإن كل ما تصدره تركمانستان لا يتعدى 38 ـ 40 مليار متر مكعب في العام، بينما تصدر روسيا حوالي 180 ـ 200 مليار متر مكعب ، إذا تم إنشاء خط أنابيب الجنوب لنقل الغاز فإن روسيا ستتمكن من بيع الغاز الطبيعي وليس المُسال إلى الهند المستهلك الثالث في العالم للمحروقات.

وكانت الولايات المتحدة عندما اجتاحت أفغانستان عام 2001، أحد أسباب الاجتياح لتأمين خطوط أنابيب نقل الغاز والنفط إلى الجنوب، وكان من المفترض أن تنفذ المشروع الشركة الأمريكية يونوكال كوربوريشن، لكن واشنطن فشلت في إحلال السلام في أفغانستان، ثم توترت العلاقات بين باكستان وتركمانستان حول شروط ضخ النفط والغاز ما أجبر الأمريكيون على الانسحاب من المشروع.

 والآن المستفيد الأكبر من توقف المشروع هم قطر والمملكة العربية السعودية واستراليا والولايات المتحدة، حيث تعتبر الهند بالنسبة لهذه الدول في استيراد النفط والغاز زبون له ثقله، لكن أفغانستان تحاول وستظل من أجل تنفيذ المشروع لكي تندمج في المجتمع الدولي من ناحيتها.

 وتُؤمن روسيا حلفاءها في وسط آسيا، أما تركمانستان فتريد التحرر من الإرث السوفيتي وتتصرف في الغاز بعيداً عن خط الأنابيب السوفيتي العابر للأراضي الروسية.