الإثنين 20 مايو 2024

«ليس الصدق كما يعرفه الانسان»..جدل فلسفي حول الصدق النسبي والصدق المطلق

المللا نصر الدين المعروف باسم جحا

ثقافة9-5-2024 | 08:56

إسلام علي

انتشرت بين الناس العديد من القصص التي لم تكن موجهة للترفيه أو التسلية، بل هدفت إلى تعليمهم طرقا جديدة لحل المشاكل اليومية، فكان من أبرز هذه الشخصيات جحا، الذي ابتكرته مجموعة من المتصوفين لتوجيه الناس 
نحو الحلول الصحيحة لمشاكل الحياة الدنيا.

وفي إحدى حكاياته مع جلالة الملك، أظهر جحا الفرق بين الصدق النسبي والصدق الحقيقي، مشيرا إلى أن حتى الملك  نفسه لم يكن على دراية بهذا الفرق، كما وضح أن الحقائق غالبا ما تكون متعددة التفسيرات، وأنها تحمل معانٍ عميقة لا يمكن فهمها بسهولة.

كان المللا "نصر الدين/ جحا" جالسا في قاعة الحكمة، وكان جلالة الملك قد
حضر شاكيا من أن رعاياه لا يعرفون الصدق. 
وهنا رد "نصر الدين:
- يا صاحب الجلالة هناك صدق وصدق آخر. ويتعين على الناس أن يتعودوا على
الصدق الواقعي قبل الارتفاع إلى مستوى الصدق النسبي. لكنهم دائما يفعلون
العكس. وتكون النتيجة أنهم يتعاملون باستخفاف مع صدقهم الذي يعرفون جيدا أنه
من صنع أيديهم، حيث يدركون بدافع من غرائزهم أنه مختلق.
وهنا اعتقد جلالة الملك أن ما قاله المللا معقد للغاية. فكل شيء إما صحيح وإما
مزيف. 
واكمل: ولسوف أجعل الناس يقولون الصدق، ومتى فعلوا ذلك فلسوف يتعودون على
قول الصدق ويتحلون بالصدق.
وعندما فتحت المدينة بواباتها في صباح اليوم التالي، نصبت مشنقة أمام
البوابات برئاسة أحد قادة الحرس الملكي. وأعلن مناد الملك:

- لن يدخل أى منكم المدينة قبل أن يجيب بصدق عن سؤال يسأله له قائد الحرس
وكان المللا نصر الدين الذي كان ينتظر أمام المدينة لمدة طويلة أول من خطا .
وهنا زعق القائد لنصر الدين وقال له:
إلى أين أنت ذاهب ؟ قل الحقيقة وإلا فالبديل أن تعلق في المشنقة.
المللا "نصر الدين"
- أنا ماض في طريقي كي أشنق في هذه المشنقة.
- أنا لا أصدقك !
- حسنًا خَسنًا ، إذا كذبت ماذا ستصنع معى، ألن تشنقني!
- ولكن ذلك سيجعل منها حقيقة!
فما كان من الملا نصر الدين" [جحا] إلا أن رد:
- حقا. ولكنها حقيقتك أنت..

رسائل جحا في قصة جلالة الملك

يحاول جحا ايصال التالي أنه يمكننا استخدام الكلمات والأفكار بطريقة تؤدي إلى قلب المعاني، فالحقيقة ليست دائمًا واضحة، وأن المعنى العميق منها، يمكن أن يكون غامضا ومتعدد الأوجه، وهذا ما فعله جحا عندما أخبر قائد الحرس أنه ذاهب للمشنقة، في حين أن هذا التصريح، رغم أنه يبدو كذبة، يمكن أن يصبح حقيقة إذا تصرف قائد الحرس بناء عليه.

وعلى جانب آخر، جحا يستخدم الحس الفكاهي في هذه القصة لكي يطرح أسئلة حول السلطة والحقيقة، الفكاهة في هذا السياق ليست مجرد وسيلة للضحك، بل هي أداة للتأمل والحكمة، إذ يظهر النص أنه في بعض الأحيان، يمكن أن يكون الأشخاص غير قادرين على فهم المعاني العميقة للصدق، ويميلون إلى التفكير الثنائي البسيط “صحيح/خطأ”، وهذا ما يشكل مشكلة عندما يتم تطبيقه بشكل صارم.

أشار جحا إلى أن هناك "صدق وصدق آخر"، وهذه الفكرة  ترى أن هناك حقائق سطحية وحقائق أعمق. المستوى الأول هو الصدق المباشر والواضح، والمستوى الثاني هو الصدق النسبي الذي يعتمد على السياق والتفسير، بين جحا أن الناس غالبا ما يتعاملون مع الصدق المباشر بسطحية، دون التفكير في عمق المعنى.