تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "الشجرة الوحيدة" للكاتبة فينا فرانسيس، وذلك إيمانا من المؤسسة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.
قصة الشجرة الوحيدة
شجرة صغيرة نبتت وسط غابة مليئة بالأشجار الذابلة، كانت هذه الشجرة الصغيرة تشعر بالوحدة لكونها الوحيدة المملوءة ثمارًا، فكانت تبكي كثيرًا من فرط وحدتها، كانت تتوق لأحد ما أن يسمعها وتشاركه أوقاتها وتلعب معه، ولكن كل ما حولها كان ذابلا.
جلست تبكي الشجرة الوحيدة وهي ترفع أغصانها نحو السماء: "ساعدني يا الله"، لقد ذبلت من الوحدة، ماذا أفعل؟ ثم هبت رياح تحمل نسيم عليل وبدأت أشجار الغابة تهتز وأخذت أغصان الشجر الذابل تصدر أصواتًا صاخبة، فنظرت لهم شجرة الوحدة وأخذت تنزع من فروعها أوراقها الخضراء وتعطيها للأشجار من حولها، وأخذت ليالٍ طويلة من الوحدة تروي الأشجار بماء دموعها النقي، فأثمرت الأشجار من جديد.
ففرحت الشجرة الوحيدة وأخذت تنظر لهم بكل فرح وبهجة منتظرة محادثتهم بفارغ الصبر، فأتت نحوها الأشجار تحني غصونها احترامًا وامتنانا للشجرة الوحيدة، قالت لها الأشجار، شكرًا لك أيتها الشجرة الجميلة، لقد أسقيتنا من دموعك وضحيتي بفروعك الخضراء من أجلنا كي نثمر مثلك فقالت لهم "لا بأس" أنا حقا ممتنة أنكم هنا الآن، أخيرًا أنا لست وحيدة بعد الآن، فابتسمت لها باقي الأشجار وأتت نجوم الليل تزين هذه اللحظة الدافئة، وغفت الشجرة الوحيدة بجانب رفقائها، ولعبت معهم وقضت أيام معدودة لطيفة بجوارهم، ثم في ليلة من ليالي الصيف الملتهبة، أذبلت حرارة الشمس بعض فروع الأشجار الخضراء وجعلتها يابسة، فطلبوا من الشجرة الوحيدة أن تعطيهم بعضًا من فروعها، فقالت لهم، نعم لا بأس، سأفعل أي شيء في سبيل الحفاظ عليكم.
ثم أتى الشتاء العظيم وهبت رياح شديدة، فأسقطت أغصان الأشجار فركضت الشجرة الوحيدة أمام الرياح غير مهتمة أن كسرت الرياح أغصانها، وإنما كل ما تريده هو أن تسند أصدقائها وفعلت حتي تحطمت أغصانها، وهدأت العاصفة فانشغل الجميع ببناء أغصانه من جديد ولم يعيرها أحد انتباه!.
فذهبت وحيدة في طريقها والدموع في عينيها وغفت تبكي وأتى الصباح ولم يسأل عن حالها أحد، بل هي من ذهبت تسأل عن حالهم فعاملها الجميع بجفاء، فبكت وهي تقول ماذا فعلت لكم؟ لقد ساعدتكم، ساندتكم في الصعاب وشاركتكم أفراحي وضحيت بأغصاني حتي تنمو وبقيت بجانبكم ليالٍ أسقيكم من دموعي في الصيف الحارق واهتممت بكم في الليالي الباردة، لقد أحببتكم حقا من كل قلبي.. فلماذا تغيرتم؟ فردت عليها إحدى الأشجار وقالت لماذا دائمًا تتصرفين وكأنك طيبة ومثالية! لماذا تظنين أنك أفضل منا جميعا؟
فقالت الشجرة الوحيدة، أنا لا أظن هذا، بل هذه أنا، أنا فقط أتعامل معكم بعفوية، أنتم أهلي وأصدقائي، ألم نتشارك ليالي الوحدة معا؟ بفضلكم أنا لم أعد وحيدة فقالوا وهم يصرخون فيها، نحن لا نريدك لسنا بحاجة لك بعد الآن.. فبكت بشهيق: "أرجوكم لا تجعلوني وحيدة مجددًا".
فلم يهتم لها أحد وأنكروا فضلها في كل شيء فعلته من أجلهم وبسبب حبها الكبير لهم، لم يحبوها قط.. وبعد أن أذبلوها وأخذوا فروعها وكسروا جميع أغصانها، تركوها في الغابة تموت وحيدة وقالوا إنها لم تفعل من أجلهم شيئا ولم تكن مفيدة يوما وأنها تستحق ما أصابها، قالوا لم نطلب منها الحب ولا التضحية ولم نطلب منها أن تجعلنا ننمو من الأساس.. من تظن نفسها؟! وجعلوها وحيدة أكثر مما كانت عليه يوما، بعدما أشعروها بالدفء تركوها مكسورة في البرد وبعدما جعلوها تظن أنها ليست وحيدة أثبتوا لها أنها ستظل دوما وحيدة غير محبوبة، وأنها مهما فعلت ليست كافية، تركوها فارغة من كل شيء.. سلبوا منها الأمل وتركوها تعيش اليأس، قتلوها ثم قالوا: "هي من قتلت نفسها"، هكذا هم البشر، مثل جذع شجرة ميت، يثورون على كل من يعطيهم حياة، أنت وحدك، لست لأحد، لم يتركوا بك شيء لك، لم يتركوا شيء يبقى منك حتي تكون لنفسك، يا للقسوة..
وفي يوم من الأيام وعندما كانت الشجرة الوحيدة ترفع عيناها نحو السماء بكل حزن، أتي طفلان جميلان يركضان نحوها وعانقاها بكل براءة وبشدة، بل حتي أحبوها وأتوا لزيارتها كل يوم يلعبون تحت أغصانها المرتفعة نحو السماء.. فمهما اشتدت قوة اليأس، هنالك دائمًا أمل.