الأحد 2 يونيو 2024

أسباب اختيار رجل اقتصاد وزيراً للدفاع في روسيا

مقالات18-5-2024 | 14:50

 تردد الكثير من المحللين في تفسير مسألة تغيير أو إقالة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو كثيراً بعد تنصيب الرئيس بوتين، خاصة وأن الوزير من المقربين من الرئيس الروسي من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تحدث أخطاء جسيمة تدفع الرئيس لهذا، والأمور في أوكرانيا، خاصة بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني في الصيف الماضي، تسير على مايرام.

بل يتذكر الجميع في وسائل الإعلام المختلفة النزاع الذي احتدم بين وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان من ناحية ومؤسس قوات "فاجنر" الأمر الذي دفع الأخير، في النهاية، إلى إعلان التمرد على الدولة ومن ثم مصرعه في حادث سقوط طائرته في إحدى ضواحي موسكو، أى أن الرئيس بوتين انحاز لوزير الدفاع رغم الدور الحيوي الذي كان تقوم به قوات "فاجنر".

ورغم اتهام البعض لأحد نواب وزير الدفاع وهو تيمور إيفانوف بالفساد، شكك البعض في مسألة إقالة وزير الدفاع، غير أن الرئيس الروسي وفي إطار إقالة الحكومة أو تقديم الحكومة برئاسة ميخائيل ميشوستن لاستقالتها عقب تنصيب الرئيس بوتين يوم 7 مايو 2024.

وأقر الرئيس التعديل الجديد على بعض المناصب لكنه تعديل غير شامل كما كان يتوقع البعض وبقيت الحكومة كما هي وربما أهم تعديل فيها كان إقالة أو نقل وزير الدفاع شويجو إلى منصب جديد وهو تعيينه سكرتيراً مجلس الأمن القومي، والمسألة هنا ليست بالبساطة، فقد تخلص الرئيس بوتين بذلك من  نيكولاي باتروشوف، الذى كان كثيرون يعتقدون أنه سيخلف الرئيس بوتين وكان يعتبر من أعمدة النظام القائم، وإن كان ابنه الذي كان يشغل منصب وزير الزراعة قد اترقى لمنصب نائب رئيس الوزراء، وبذلك يكون الرئيس قد تخلص من باتروشوف ورقى أحد المقربين وزير الدفاع بضربة واحدة.

وزير الدفاع المقال يعتبر حصل ترقية، لأنه أصبح يرأس مجلس الأمن القومي الذى يشرف ليس فقط على وزارة الدفاع بل كافة الوزارات السيادية، وزير الدفاع الجديد أندريه بيلاوسوف هو من رجال الاقتصاد ولم يحدث أن كان له علاقة بأى تشكيل عسكري بل إنه لم يخدم في الجيش كمجند، على عكس شويجو الذى كان يعمل كرجل إطفاء وترأس وزارة الطوارئ وهى وزارة شبه عسكرية والعاملين بها لهم رتب مثل الجيش.

برر الرئيس بوتين تعيينه لرجل الاقتصاد المقرب منه، والذي عمل معه كمستشار اقتصادي من قبل ونائباً لرئيس الوزراء، أثناء لقائه بقادة المناطق العسكرية في القوات المسلحة الروسية، بأن سبب تعيين بيلاوسوف يرجع إلى زيادة الإنفاق العسكري والأمني، الذى أصبح خلال عام 2024 حوالي 7,6% من الناتج الإجمالي المحلي، وتوقع أن يزيد عن ذلك بقليل، وأشار الرئيس بوتين إلى أن تعيين أندريه بيلاوسوف، مرتبط ليس فقط بزيادة الإنفاق العسكري والأمني، ولكن لأن الإنفاق العسكري والأمني بتناميان.

أضاف الرئيس بوتين إن وزير الدفاع الجديد لديه القدرة على دمج اقتصاد الجيش مع المجمع العسكري الصناعي مع اقتصاد البلاد ككل، في نفس الوقت نفى الرئيس بوتين أي تغيير في رئاسة هيئة الأركان وقال "إن كل التشكيلات العسكرية التي تقوم بالعمليات العسكرية لن يحدث فيها أي تغيير ولا نخطط لذلك، وأضاف مؤكداً أريد ن يفهم الجميع هذا" ولد وزير الدفاع الجديد عام 1959 في مدينة موسكو، ووالده كان من رجال الاقتصاد أيضاً وشارك في عملية إصلاح الاقتصاد التي حاول الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف إجراءها في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي.

أنهى بيلاوسوف دراسة الاقتصاد بجامعة موسكو عام 1981، في تخصص اقتصادى، كان في صباه يمارس رياضة السامبا ثم الكاراتيه وهو في ذلك قريب من الرئيس بوتين الذي يمارس الجودو، وحصل على دكتوراة العلوم في الاقتصاد. خلال الفترة من 1981 ـ 1986 عمل في كباحث في معهد الاقتصاد والرياضيات التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية وحصل على دكنوراة الفلسفة في العلوم الاقتصادية عام 1986 من أكاديمية العلوم السوفيتية.

أما دخول  بيلاوسوف إلى عام السياسة فكان عام 1990، حيث عمل كمستشار للسيدين يفجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا حينها وسيرجي ستيباشين وزير الداخلية الروسي الأسبق، ثم عمل كمستشار غير مقيم لرئيس الوزراء الروسي السابق ميخائيل كسيانوف ثم من بعده ميخائيل فرادكوف.

خلال الفترة من عام 2000 ـ 2006، عمل مدير عام لمركز التحليل الاقتصادي والتنبؤ القريب، في نفس الوقت مستشار لرئيس الحكومة الروسية.

شارك وزير الدفاع الجديد في مركز الأختراعات الاستراتيجية عندما تم إعداد برنامج تنمية روسيا عام 2010، في عام 2006 ناقش وزير الدفاع رسالة دكنوارة العلوم .

وبين عامي 2006 ـ 2008 شغل بيلاوسوف منصب نائب وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الروسية. خلال الفترة من 2008 ـ 2012 رئيس قسم الاقتصاد والمالية في جهاز الحكومة الروسية، ثم مستشار لشركة روس أتوم المختصة بالطاقة الذرية. عمل بيلاوسوف وزيراً للتنمية الاقتصادية في حكومة دميتري ميدفيديف، وممثل لروسيا في البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، وخلال الفترة من 2012 ـ 2018 شغل وزير الدفاع الجديد منصب نائب رئيس المجلس الاقتصادي الخاص بالرئيس بوتين، عمل كذلك في ديوان الرئاسة، ثم عمل في منصب مستشار الرئيس بوتين للشئون الاقتصادية عام 2020، والتحق بلجنة الصناعات العسكرية للبلاد عام خلال الفترو 2014 ـ 2020.

عين عام 2020 نائباً أول لرئيس الحكومة الحالية ميخائيل ميشوستين، في 19 مايو 2020 قام بأعمال رئيس الوزراء وكما نشاهد تاريخ أندريه بيلاوسوف حافل بالمناصب المختلفة باستثناء الجانب العسكري لدرجة أنه لم يؤد الخدمة العسكرية التي يؤديها معظم الشباب الروس حيث التجنيد إجباري، وروسيا حريصة على أن يكون منصب وزير الدفاع لرجل سياسي أما الأعمال العسكرية فلها هيئة الأركان أما وزير الدفاع فمهمته بالدرجة الأولى تأمين احتياجات الجيش بناء على ما تطلبه رئاسة هيئة الأركان. ما الحكمة في اختيار وزير الدفاع من أوساط كبار الاقتصاديين الروس؟

ففي واقع الأمر الإشاعات عن إقالة وزير الدفاع الروسي السابق سيرجي شويجو انتشرت على نطاق واسع في الأوساط السياسية والشعبية الروسية بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وخاصة في النصف الأول من عام 2023 على إثر الخلاف بين وزير الدفاع ومؤسس "فاجنر"، لكن النزاع انتهى تلقائياً عندما تمرد قائد "فاجنر" على القيادة الروسية وبعد انتهاء التمرد بشهرين تلاشى النزاع بمصرع بريجوجين قائد "فاجنر".

وقبل تنصيب الرئيس بوتين تم القبض على نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف بتهمة الفساد والرشوة، غير أن مقربين من الكرملين أكدوا على أنه لن تحدث إقالة لوزير الدفاع، بل أكدوا أن الوزير باق في منصبه على الأقل حتى نهاية هذه المرحلة من العملية العسكرية (حيث تجرى عملية هجوم روسي لتوسيع مناطق سيطرة القوات الروسية).

لكن وفق مصادر مقربة من الكرملين والحكومة أكدت على أن سبب الإقالة هو خلاف بين وزير الدفاع سيرجي شويجو وسيرجي تشيميزوف رئيس شركة "روس تك" إحدى أهم الشركات التي بتوريد المعدات اللازمة للجيش، وكما تقول الأنباء كان وزير الدفاع في الفترة الأخيرة يشكو للرئيس بوتين دائما من الشركة المذكورة ورئيسها لتأخرها في توريد الأسلحة، ولعدم حصول الجيش على أسلحة حديثة، ومع بداية شهر مايو أصبح وزير الدفاع الروسي يطالب علناً أن تزيد الصناعات العسكرية من توريدها للأسلحة للجبهة، غير أن السيد سيرجي تشيميزوف أعلن أن "روس تك" تورد بانتظام لوزارة الدفاع ما تطلبه.

وبعد إقالة نائب وزير الدفاع بتهمة الفساد، أصبح من يطالب بإقالة وزير الدفاع عنصرين تشميزوف ونحاربي الفساد بعد القبض على نائب شويجو ..... وحدثت الإقالة.

لن نتعمق كثيراً في أسباب إقالة وزير الدفاع الذي كما قالت مصادر إنها كانت متوقعة، لكن ما يعنينا هو لماذا سيكون على رأس المؤسسة العسكرية شخص متخصص في الاقتصاد وتأثير ذلك على سير العملية العسكرية ومدى استمرارها.

بعض المصادر أكدت على أن اختيار أندريه بيلاوسوف كوزير دفاع كان اختيار شخصي للرئيس بوتين، فهو شخصية "معروفة للرئيس ومطيع له"، خاصة بعد القبض على نائب وزير الدفاع إيفانوف كان من وجهة نظر الرئيس أن وزارة الدفاع تحتاج لشخص يفهم جيداً الأمور المالية ويستطيع السيطرة على الموارد وليس لديه فريق يحتل الوزارة كما كان الوزير السابق شويجو (قضى في الوزارة 12 عاماً)، لكن السكرتير الصحفي للرئيس بوتين ذكر سببين لتعيين رجل مدني صرف لوزارة الدفاع.

1 ـ دمج اقتصاد الكتلة الأمنية والدفاعية في الحكومة في اقتصاد البلاد ككل.

2 ـ زيادة الإنفاق العسكري إلى ما يقرب من نظيره عام 1980 أيام الحرب الباردة، حالياً 7,6% ومرشح للزيادة. ، وهذا بالطبع يحتاج إلى وجود شخص يفهم في الأمور المالية للتعامل مع سيل الأموال الضخم في الوزارة والمجمع العسكري الصناعي لسد احتياجات الجيش.

بالإضافة على حد قول السكرتير الصحفي للرئيس بوتين بيسكوف أن المجال العسكري يحتاج إلى تطبيق الاختراعات وتنفيذها والاستفادة منها ولدى وزير الدفاع الجديد الخبرة في هذا المجال. للأسباب التي ذكرناها ومن خلال شخص وزير الدفاع يمكننا أن نستشف أن الرئيس بوتين يراهن على إطالة أمد الحرب، لاستنزاف الغرب، الذي بدأ يتحدث عن دخول قوات للناتو إلى الأراضي الأوكرانية رغم أنه لا يتحدث عن مشاركة في العمليات العسكرية ولكن من أجل التدريب للقوات الأوكرانية، وهو ما يقلق الصين التي قام الرئيس بوتين بزيارة لها، عقب زيارة قام بها الرئيس الصيني لأوروبا وقبلها زار وزير الخارجية الأمريكي الصين.

هكذا تناور الصين للحصول على أقصى ما يمكن من الفوائد الاقتصادية للنزاع الحالي وفي نفس الوقت إنقاذ تايوان، تجدر الإشارة إلى أن الوفد الروسي في بكين تكون من 50 شخص منهم وزير الدفاع الجديد ووزير الفاع القديم سكرتير مجلس الأمن القومي ويبدو أن الصين في طريقها لبلورة موقف من النزاع الروسي ـ الوكراني، لكنها تريد أن تنحاز للطرف ليس الرابح بالضرورة لكن الذي ستربح من ورائه بموقفها، لكنها حتى الآن تريد الجلوس على مقعدين في نفس الوقت.