منذ ما يزيدعلي ثمانية أشهر، مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تبنت مصر جهودا لا تنقطع لدعم القضية الفلسطينية سواء عن طريق المساعدات الإنسانية لمنع حدوث كارثة إنسانية بقطاع غزة ، أو جهودها الدبلوماسية في التنسيق مع كافة الأطراف المعنية من خلال مفاوضات الدوحة ومصر وتل أبيب من أجل الاعتراف بالحق الفلسطيني والوصول إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار ،و استند الموقف المصري على عدة مرتكزات أساسية أهمها حقوق الشعب الفلسطيني في دولته ورفض التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية، وساهمت الجهود المصرية في تغيير الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية ، وبالرغم من محاولات بعض الأطراف تعمد الإساءة إلى الجهود المصرية المبذولة تجاه القضية الفلسطينية ذلك لن يثني مصر عن دورها الداعم للقضية الفلسطيلسطينية على كافة المستويات.
وفي تطور جديد اليوم، أعلنت كل من أيرلندا وإسبانيا والنرويج الاعتراف رسميا بدولة فلسطين، في خطوة قد تفتح الباب لمزيد من الاعتراف من دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وهو ما اعتبره الخبراء تأكيدا للدور المصري ، ونهجها في تغيير وجهة نظر العالم، وتبني المفاوضات وتقريب وجهات النظر بين الأطراف بهدف وقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق هدنة يؤدي لتحرير الرهائن وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، بناءا على مرتكزات واضحة وفي ظل ما تمتلكه مصر من خبرة وقدرة على إدارة مثل هذه المفاوضات الصعبة.
دول جديدة منتظرة
وفي تصريحات له اليوم، قال رئيس الوزراء الأيرلندي سيمون هاريس، إنه يتوقع أن تنضم الدول الأخرى إلى أيرلندا وإسبانيا والنرويج في الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأسابيع المقبلة، موضحا عقب إعلان اعتراف الدول الثلاث بدولة فلسطين أنه "سيقوم كل واحد منا الآن باتخاذ الخطوات الوطنية اللازمة لتنفيذ هذا القرار. أنا واثق من أن المزيد من الدول ستنضم إلينا في اتخاذ هذه الخطوة المهمة في الأسابيع المقبلة."
وأوضح هاريس أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد الموثوق لتحقيق السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين وشعبيهما، مضيفا "إن الحصول على مكاننا على المسرح العالمي والاعتراف بنا من قبل الآخرين بأن لنا الحق في التواجد هناك كان مسألة ذات أهمية قصوى بالنسبة لمؤسسي دولتنا".
وأضاف: "في الفترة التي سبقت إعلان اليوم، تحدثت مع عدد من القادة والنظراء الآخرين، وأنا واثق من أن دولًا أخرى ستنضم إلينا في اتخاذ هذه الخطوة المهمة في الأسابيع المقبلة".
فيما أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أن حل الدولتين هو الحل العادل والمستدام الوحيد لهذا الصراع الرهيب، موضحا أن حكومته الائتلافية ستعترف بدولة فلسطين في 28 مايو الجاري، وأن الحكومة ترفض المجزرة في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية وجددت مطالبتها بوقف إطلاق النار وتنفيذ حل الدولتين.
دلالات وتأثير عالمي
وعن هذه الخطوة، يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن الاعتراف من قبل هذه الدول الثلاث له أهميته، يأتي متزامنا مع التسريع الأوروبي في هذا التوقيت، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يقتصر على أوروبا فقط ولكن دول أمريكا اللاتينية، موضحا أن هذا سيشجع الجانب الدولي دول أطراف أخرى مرتبكة ومترددة أن تتخذ نفس الخطوة، في الوقت الحالي.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هذه الخطوة سيكون لها تأثيرا إيجابيا، لأن ذلك سيدفع إلى خطوات مشابهة من عدد من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، ويترجم الأقوال إلى أفعال بشأن هزا الأمر، وبالتالي الدول الأوروبية التي اعترضت وتحفظت على ما يجري في قطاع غزة يؤدي إلى تسريع ترجمة تحفظها إلى أفعال في سياقها، كما أن ذلك هو رسالة الى إسرائيل، بأن هناك مزيد من الدول التي بدأت مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية بما يمثل ضغوطات دولية على إسرائيل في هزا التوقيت خصوصا بعد قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومطالبتها بإصدار مذكرات التوقيف بشأن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع.
وأشار إلى أن هذه الدلالات تعكس أن هناك مزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية وأن هناك حالة زخم دولية كبيرة بشأن القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، وهو ما يضغط ويتجاوب مع الطرح العربي والمصري على وجه الخصوص بفكرة مقاربة حل الدولتين، موضحا أن مصر لعبت دورا كبيرا على مر التاريخ في دعم القضية الفلسطينية عامة، وخاصة منذ 7 أكتوبر الماضي وساهمت في تغيير وجهة نظر العالم عن القضية.
وأضاف أن مصر أعادت تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، وتأثر الأوروبيين وكل الدول بالتجاوب مع الطرح المصري، ودعوتها لمقاربة بحل الدولتين بما يساهم في مزيد من الاعترافات الدولية سواء من الدول الأوروبية او دول أمريكا اللاتينية، مما سيخدم المسار السياسي القادم عند تغيير صفة العضوية للدولة الفلسطينية من صفة مراقب إلى صفة دولة كاملة العضوية، فهذا الفضل فيه يرجع لمصر لإعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية.
وشدد على أن هذا الاعتراف سيقف في مواجهة الهيمنة الأمريكية على إفشال هذه الخطوة، ورسالة إلى القوى الدولية الأخرى والإقليمية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مصر لعبت دورا كبيرا في تغيير الموقف الدولي لصالح القضية
ويقول محمد مرعي، كبير الباحثين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن اعتراف الثلاث دول أوروبية بدولة فلسطين، اليوم سبقه إعلان من هذه الدول وعدد آخر من الدول الأوروبية، أنهم في إطار الاعتراف بشكل رسمي بالدولة الفلسطينية، وهذه الخطوة تأتي بعد نحو أسبوع تقريبا من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صوت على ضرورة حصول فلسطين على العضوية الكاملة في مجلس الأمن.
وأضاف في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هذه التحركات تؤكد الدعم الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني، وهي حقوق مشروعة في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونيو 1967، مضيفا أن هذه الخطوة من التبادل ستشجع الكثير من الدول على أن تحذو حذوهم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا سيكون رسالة مباشرة لحكام تل أبيب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والائتلاف الحاكم معه، أن السياسات التي يتبعونها الآن سواء من استمرار العدوان الغاشم على الأشقاء في قطاع غزة، أو رفض أي مسارات من شأنها إعادة إحياء حل الدولتين، هذه تواجه برفض دولي.
وأوضح أن هذا الرفض الدولي اتضح سواء في مواقف رسمية من الدول المختلفة، الدول الأوروبية أو روسيا أو الصين أو حتى من أمريكا اللاتينية، وهو ما عبرت عنه اجتماعات الجمعية العامة المتحدة، وهذا يؤكد أن الحق الفلسطيني وأن الحلم الفلسطيني في الدولة المستقلة لن يموت، وأن إسرائيل عليها أن تدرك أننا الآن في عالم متغير لن يصلح معه استمرار سياسة التعنت في العودة إلى مسار التفاوض والسلام لتحقيق حلم الفلسطينيين في دولة مستقلة، وأمن إسرائيل الذي لن يتحقق دون وجود دولة فلسطينية.
وعن دور مصر في دعم القضية الفلسطينية، أكد أن مصر كان لديها إدراك كبير منذ هجوم السابع من أكتوبر لما ستؤول إليه هذه الأحداث من تطورات خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى المشهد في الشرق الأوسط، موضحا أن مصر أدركت أن إسرائيل من البداية قد توظف هذا الحادث في اتخاذ خطوات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، عبر التهجير القسري الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.
وأكد أن مصر نبهت منذ البداية واتخذت موقفا صارما برفض أي خطوات إسرائيلية من شأنها تهجير للفلسطينيين، و مصر هي ضغطت من خلال أدواتها السياسية والدبلوماسية وفرضت هذا الموقف على مختلف دول العالم، فمصر غيرت الموقف الدولي من هذا المخطط الإسرائيلي، موضحا أنه بعد هجوم السابع من أكتوبر، سعت إسرائيل وتوسطت لدى بعض القيادات الأوروبية وبعض أن يضغطوا على مصر لاستضافة الفلسطينيين لفترة مؤقتة لحين انتهاء العمليات العسكرية.
وشدد على أن مصر كان لديها إدراك بخطورة هذا الموقف الإسرائيلي ورفضت هذا الأمر، كما أنها بعد السابع من أكتوبر حذرت من مخاطر استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على الأمن والسلم في المنطقة وإمكانية أن يفتح ذلك جبهات أخرى من المواجهات، وما تم بالفعل سواء المواجهات ما بين إسرائيل وحزب الله، أو الجبهة الحوثية وتعطيل الملاحة في البحر احمر وتأثير ذلك على حركة الشحن العالمي.
وأضاف مرعي أن مصر بعد حوالي أسبوعين، من العدوان على غزة، وتحديدا في 21 أكتوبر استضافت قمة القاهرة للسلام، والذي شارك فيه رؤساء أكثر من 30 دولة وحكومة ومنظمة دولية، وأكدت على الثوابت المصرية والعربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي رفض تصفية القضية الفلسطينية ورفض التهجير وضرورة العودة لمسار المفاوضات، وإحياء حل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأضاف أن مصر أيضا هي من قادت الجهد الإنساني بعد الأسابيع الأولى من بداية هذه الأحداث، وضغطت من خلال أدواتها السياسية والدبلوماسية لتحميل إسرائيل مسئوليتها، حيث كانت تغلق كل المعابر في البداية ولا تسمح لا بخروج المصابين ولا إدخال شاحنات المساعدات وبالفعل نجحت مصر في هذا الأمر، بجانب دورها في المفاوضات في اتفاق الهدنة المؤقت الذي حدث في نوفمبر الماضي، وبعدها من ديسمبر إلى أبريل الماضي، حيث سعت مصر وصارعت الزمن في محاولة منها لتجنب التصعيد وتجنب تنفيذ إسرائيل مخططها باجتياح مدينة رفح، فتقدمت بالمشاركة مع الوسطاء مقترحا جديدا.
وشدد على أن النية المبيتة لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي ما أفشلت أو عرقلت الوصول لهذا الاتفاق، موضحا أن مصر على مستوى الوساطة كان له دورا كبيرا، وهذا الدور سيستمر على مستوى الجانب الإنساني، لكن إسرائيل بدخولها الآن منذ 7 مايو الجاري وحتى الآن لمدينة رفح، وسيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، دفع مصر أن توقف أي تنسيق مع إسرائيل فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وربط استعادة دخول هذه المساعدات عبر معبر رفحا بانسحاب إسرائيل من المعبر وتسليمه لإدارة فلسطينية.
وأشار إلى أن مصر حملت إسرائيل مسئولية تردي الأوضاع الإنسانية داخل القطاع وكنها وفقا للقانون الدولي هي الكيان المحتل المسئول عن هذا الأمر، فأكدت ضرورة الانسحاب من المعبر وتوفير ممرات أمنة لدخول وتحرك شاحنات المساعدات وغير ذلك.
حفظ حقوق الشعب الفلسطيني
ومن جانبه، قال اللواء محمد قشقوش، مستشار المركز المصري للفكر والدراسات، إن النهج المصري بشأن القضية ثابت منذ البداية، منذ صدور قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 من قبل الأمم المتحدة، عندما قسمت فلسطين بين اليهود والعرب، فمنذ هذا التاريخ بدأ النضال المصري ودعم قضية فلسطينية، مرورا بمعارك الفلسطينية والفلسطينية الإسرائيلية، وحتى التاريخ الحديث، وحتى الأحداث في 7 أكتوبر والعدوان على القطاع.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن مصر تبنت بشكل رئيسي المفاوضات التي تمت في الدوحة وواشنطن والقاهرة، بمشاركة قطر والولايات المتحدة، إلى أن توقفت المفاوضات لخطأ بسبب الجانب الفلسطيني، أكثر منه الجانب الحمساوي، فهذا الأمر لا يمكن لأحد أن يبخس مصر حقها فيه، وحتى الآن رغم توقف المفاوضات، إلا أن الجهود مبذولة ومستمرة مع الولايات المتحدة ومع مستشار الأمن القومي في طريقها إلى أن تكتمل، وفي تلك الحالة سيتم المضي قدما في الوصول إلى حل يحفظ الوضع بالنسبة للشعب الفلسطيني، وأن يعود المهجرين من الفلسطينيين لأرضهم.
وأكد أن هذه المحددات هي التي ترتكز عليها مصر في المفاوضات القديمة والحالية والمنتظرة، موضحا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي أعلنته إسبانيا والنرويج وأيرلندا هو أمر بالتأكيد سيشجع دول أخرى لاتخاذ هذه الخطوة، فأي دولة تأخذ الاتجاه للاعتراف بفلسطين وأن تكون ذات عضوية كاملة في مجلس الأمن مهم، وفي المقابل أن تأخذ بعض الدول مثل بعض دول أمريكا اللاتينية التي قطعت علاقتها بإسرائيل نتيجة التصرفات في غزة، فكلا الإجراءين مهمين لصالح القضية الفلسطينية.
وأضاف أنه من المأمول ألا يصطدم هذا الاعتراف بدول النادي النووي الخمسة التي قد تستخدم الفيتو لإيقاف، كما يأمل الجميع أن يؤدي تغير الموقف الأوروبي إلى تغير في الموقف الأمريكي، لأن معظم الدول الأوربية التي تأخذ هذه الخطوة هي دول من غرب أوروبا، وهي معظمها دول أعضاء في حلف شمال الأطلنطي، وهناك مصالح استراتيجية بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة لحلف الأطلنطي، وأكبر المساهمين عسكريا واقتصاديا.
وتابع: "نأمل أن يؤدي شبه الإجماع الأوروبي إلى تغيير، لأن حصول فلسطين على عضوية كاملة خطوة إيجابية وخطوة سيادة مستقبلية،"، موضحا أن الجانب الإسرائيلي في النقيض من أي دعوة لإعطاء عضوية كاملة لفلسطين وتقابلها بالرفض والانزعاج، لكن هذا لا ينبغي أن يفت من عضد الدول المحبة للسلام.
وشدد على أنه لو خلصت النوايا لإقامة الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية، ففي هذه الحالة سيكون هناك دولة فلسطينية ذات سيادة، وخاصة أن قرار تقسيم فلسطين الصادر من الأمم المتحدة في 147 لم يلغي دولة فلسطين، فلم يمحى اسم دولة فلسطين، ونص على أن التقسيم بين العرب وإسرائيل فكان بين مجتمعين وليس بين دولتين، فالدولة الفلسطينية لا تزال موجودة ولا يوجد أي سند قانوني يمحيها.