الثلاثاء 18 يونيو 2024

أكل ومرعى

مقالات27-5-2024 | 16:48

الحلم سيتحقق "بـ أكلة".. وبعدها تذهب للبنك لتجد حسابك بالعملة الخضراء، من أين لك هذا؟ صانع محتوى!، أقل من عامين  وستكون عضواً بنادي الملايين و"هتعيش زي المليونيرات وهتبطل  تلعن الأزمات " مهنة جديدة لكل باحثي الثراء الفاحش السريع فئات مجتمعية مختلفة، أعمار متفاوتة، ومهن جديدة، "بلوجر فود ، فاشونيستا وتيكتوكر"، عرض الملابس بـ اللايف  والاسم "فاشونستا" أصحاب مشاريع  أون لاين وخبراء بنحت الملامح  بمساحيق التجميل والمسمى "ميكب آرتست".

حتى السيدات من ربات البيوت والأمهات حولت كلاً منها مهام إطعام أسرتها لعائد مادي كبير، ولم يعد لرب الأسرة أزمة لتوفير مصاريف عائلته فزوجته "بلوجر فود"، أسرة كاملة تعيش في رغد.
سفر للخارج .. طعام فاخر.. حتى أدوات الطبخ بالمجان، وببعض الأكلات البسيطة بدأت كلاً منهم  بإعداد الطعام بمطابخ ظهرت متواضعة للغاية وتحولت سريعا بعد عدد ضئيل من الفيديوهات  لمطابخ فارهة مطلة على أرقى الكمبوندات داخل قصور فخمة، والبركة في عدد المشاهدة " وكله بينتش وصفات كله والعداد بيعد وأهو أكل ومرعى وقلة صنعة."

حتى الشباب لم تختلف اتجاهاتهم فالهدف واحد المال، تحت  مسميات مشابهة " ديزينر" وأصبح عدد كبير منهم  يمتلكون براندات "علامة خاصة" بأسمائهم، وحتى مهنة الطبخ والتذوق امتهنها عدد كبير منهم " بدل ما نطبخ هندوق" والاسم "بلوجر فود"، بتلك الوظيفة الحرة بدأ حلمهم بشراء بعض الأكلات  وتصويرها ومدحها أو انتقادها، و لأنهم يبحثون عن جمع المشاهدات والمال فكان طريقهم النقد فهو أكثر ما يرفع من أعداد المشاهدة والضحية  فليكسات وباقات إنترنت الغلابة، ومع زيادة متابعي حساباتهم  يدعوهم أصحاب المطاعم المنافسة لمائدة طعام مصورة بشكل جاذب ولذيذ للترويج لهم بإعلان مدفوع الأجر ويكون هدفه المدح فقط ولو بالباطل  "طالما الكاش حاضر".
 في نفس الوقت الذي يغفل فيه صاحب الشاشة  المواطن "المتفرج" الذي يساهم في رفع الفيزيتا بسبب مشاهدته متغفلاً أن، وراء هذا الإعلان  الخفي الكثير من الشقيانين ممن يعملون بذات المطعم بأجور شهرية ضئيلة ربما تصل أجورهم السنوية فيها لأقل من ربع ما يتقاضاه البلوجر في إعلان دقيقتين بلا تعب وبلا ضرائب مدفوعة.

 الأغرب من ذلك أن هناك عدد كبير من مجتمع الأغنياء أو كما نطلق عليهم "A كلاس" والحاصلين على مؤهلات عليا من جامعات أجنبية تطرق أيضا لمهنة البلوجر ومنهم أطباء ومهندسين وفنانين ممن قل عليهم الطلب، وبعد أشهر قليلة أصبحوا من أصحاب المطاعم الضخمة  داخل مصر وخارجها، وباتت أفراحهم تصل تكلفتها لما يزيد عن ٤ ملايين جنيها  ويتغنى بزفافهم أشهر المطربين في مصر، ويجوبون العالم والسبب ٢ مليون متابع أو أكثر.

 بل ووصل هوسهم بالمال لترويج الشائعات عن أنفسهم  والخوض بالأعراض فتارة  تبكي صانعة محتوى بأنها تعرضت للضرب المبرح من زوجها  في شهر العسل لشراء سبح لأصدقائها، وأخرى بدافع الخيانة والأغلب إنها تكون على اتفاق مع زوجها بهذا الفيديو الباكي "ويلا نزود متابعين ودولارات".

رواد السوشيال ميديا اقحموا المجتمع بوظائف جديدة  للسوق فبدلا من تعلم برامج هادفة مثل ami  وغيرها، أصبح تذوق الطعام مهنة أساسها حفظ بعض مصطلحات الطعام المستحدثة فلم نعد بحاجة لمشاهدة برامج الطبخ، فصناع محتوى أكلات الإنترنت أصبحوا الأشهر والأسرع حتى فيديوهات إعدادهم للطعام باتت بتكنولوجيا السرعة وقت العرض تيسيرا للمشاهدة، مشروع خالي من الضرائب والتصاريح، وهنا السؤال هل أصبحت مشاريع الشباب وطموحهم في مصر  برجر وحوواشي؟!
وعندما قررت الدراما مناقشة تلك الظاهرة بأكثر من عمل كان الضوء  بالشكل الأكبر على رحلة القفز من القاع للقمة بالمال متغافلة للسلبيات والعواقب.

" و"كله كوم.. والتيك توك كوم تاني" عائلات كاملة تظهر مع أبنائهم  للعويل والاستعطاف لطلب المال بدافع العوز " شحاتة  بالدولار من غير شمس ولف في  الشوارع" واللايف  بيعد وربنا يرزقهم بأسد ولا حوت، وفي دقائق يحصلون على آلاف الدولارات، والمحزن أن عدد كثير منهم بات يعرضن عورات بيوتهم وينتهكون حياة أطفالهم وحياتهم الخاصة بتصوير لايف يومي لهم بل وتأسيس قنوات على اليوتيوب تحمل أسماء أطفالهم،  حتى الجنين الذي لم يأتي للدنيا بعد لم يخل من المتاجرة به بحفلة تحديد نوعه،  وحتى فيديو لحظة وصوله للدنيا فهم يصورون خروجه من رحم أمه وكله في سبيل العملة الخضراء.

وهنا يظل السؤال الأخطر هل الأجيال الجديدة ستبحث عن قدوتها في زويل ومجدي يعقوب وأساطير الكرة كما تعودنا أم في التيكتوكر والبلوجر.!!