الخميس 20 يونيو 2024

قصص دار الهلال النادرة| «السادة المحترمون» قصة قصيرة لـ محمود إسماعيل

السادة المحترمون

كنوزنا29-5-2024 | 12:12

بيمن خليل

يذخر أرشيف مؤسسة دار الهلال منذ تأسيسها عام 1892م، بالعديد من القصص النادرة، والكنوز الأدبية، المكتوبة على أيدي كتاب بارزين، وبعد مرور عقود، قررت بوابة دار الهلال، إعادة نشر هذه التحف القصصية النادرة من جديد، والتجول في عوالم سردية مختلفة ومتنوعة، من خلال رحلة استكشافية في أرشيف دار الهلال العريق.

نشرت مجلة الهلال في عددها الصادر في فبراير لعام 1988، قصة قصيرة بعنوان "السادة المحترمون" للكاتب محمود إسماعيل، تدور القصة في غرفة فوضوية مليئة بالعناصر المتنوعة، تقع صراعات وتفاعلات بين أفراد متنوعين، الغرفة تعكس مشاعر مختلطة من السعادة والتعاسة، وتظهر التناقضات بين الأشخاص بوضوح، يتبادل الأفراد الحركات والأقوال بشكل عشوائي، مما يزيد من الفوضى والتشتت.

نص القصة

أشیاء.. غرفة فسيحة قميئة.. صور سريالية تطل خلال بقايا طلاء رمادي داكن "اجناتون"، يختنق في غبار لوحة يتيمة.. مروحة - تشيبا - تعارك  - عبثا - أشعة شمس خريفية متلصصة.. منضدة زان مستطيلة تتحدى جبروت الزمان، مفرش جوخ أخضر يستر ما أمكن من عورات المنضدة.. أوراق مسطرة وأخرى مقسمة إلى مربعات تداري ثقوب المفرش المهلهل.. فوق المفرش تناثرت أقلام بعضها ثمين ومعظمها بخس.. مقاعد خشبية في عمر المنضدة تنظر شذرا لمقاعد من جلد - زائف - تصغرها سنا - كليم أسيوطي يفرش ربع مساحة الغرفة المتربة.. تليفون صامت - بلا أرقام - يرقد مستسلما فوق مكتب "ايديال" حديث.

أشياء أخرى، وجوه آدمية متباينة الملامح والأعمار تصطنع وقارا حول المنضدة.. صناديق تبغ أجنبي ومحلي تنتظر حكما بالاعدام حرقا.. عدد من القداحات وصناديق الكبريت تترقب لحظة تنفيذ الحكم.. مطفأتان من بللور محلي بخس.. عدد من فناجين القهوة وأكواب الشاي والحلبة والكركديه بعدد الأفواه الملتفة حول المنضدة.

ملامح الوجوه من الصعب رصدها لعدم استقرارها على حال، ويمكن القطع بأنها تختزل كل انفعالات السعادة والتعاسة.. الجهامة والانفراج.. الاستحسان والامتعاض.. الأنفة والاحتقار.. الزهو والخنوع.

الخبث والسذاجة..

الصراحة واللطافة..

العجلة والصبر..

التوثب والانساب..

التوثب والانسحاب..

الاكتئاب والابتهاج..

العدوان والمسالمة..

الأقدام والأحجام..

الوضوح والابهام..

التحفز - التطاول..

العدوان ..!!

حركات الأيدي

قبضة تلوح بالمسبابة.. كفان تلتقيان عند نقطة نظام.. إبهام بين الأسنان.. يد تعبة بالنقود.. أخرى تلكم المنضدة .. ثالثة ترسم بالسبابة والابهام حرف الـ 7.. رابعة تكتب.. خامسة تشطب.. سادسة تصافح.. سابعة تمد سبابتها لمعين مجاورة.. ثامنة تلكز.. تاسعة تلكم.. عشرات تفصل!.

حركات الأرجل بعضها بحذاء بعض.. بعضها فوق بعض.. بعضها منفرج.. بعضها ملتئم.. بعضها يدوس بعضها.. رجل تنبه.. أخرى تحذر.. ثالثة ترتعش.. رابعة تنتفض.. خامسة تستند على جارتها.. سادسة تخلع حذاءها.. سابعة تركل.. ثامنة تتأوه.. تاسعة تهرب .. عشرات تغادر.. !!

أصوات.. أنا الأستاذ.. أنا تلميذك.. هذا في إطار التخصص.. شهادتي من أکسفورد.. مؤلفاتي أكثر.. أنت غير متفرغ.. كنت في إعارة..

صالح الطلبة.. النصاب القانوني.. الساعات الإضافية.. عشرون ألف دولار.. الميزانية لا تسمح.. رأي الأغلبية، هذا تطفل.. هذا تطاول.. سأعتذر نهائيا.. اخزي الشيطان.. المسالة زادت عن الحد.. قسما بالله.. والمسيح الحي.. أنا.. أنتم .. أنت.. أنت وغد.. أنت نصاب.. يا ابن الـ .. !!

الأشياء مرة أخرى، الغرفة كما هي بمحتوياتها.. ما استجد هو: توقفت المروحة.. زحزحت المنضدة.. المقاعد مختلطة.. صناديق التبغ خاوية..

المطفأتان طافحتان.. سودت وجوه بعض الأوراق المسطرة برسوم ساذجة الزهور ووجوه آدمية وحيوانية وطيور وخطوط متداخلة وكلمات غير مفهومة وأشكال هندسية.. سودت وجوه بعض المربعات وبعضها الآخر على حالته الأولى وبعض ثالث مزق.. الغرفة خالية إلا من الرئيس.. الرئيس في تشنج يدق رأس التليفون الأخرس.. يرد عامل.. يصيح فيه الرئيس: وصلني بالسيد العميد فورا.. !! فشل السادة المحترمون في توزيع مواد العام الدراسي الجديد !.