الأربعاء 19 يونيو 2024

إبداعات الهلال| «وصيتي بالسطر الأخير».. قصة قصيرة لـ سمية خميس عبد الحليم

سمية خميس عبد الحليم

ثقافة30-5-2024 | 18:08

دار الهلال

تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة للأطفال بعنوان "وصيتي بالسطر الأخير" للكاتبة سمية خميس عبد الحليم، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

 

قصة وصيتي بالسطر الأخير

كانت عدة دقائق، ولكنها مرت علينا بعمر، كنا نقف قريبًا منه، ونتعجل مروره، لكن اليوم تمنينا أن يبقى ضجيجه، أو يبقى شيئا من آثاره، ووقفنا جميعًا في حضرته نتفحص القضبان الحديدية المحمولة فوق بعضها البعض وهي تسير في بطء شديد كأن القضبان المخلوط بالطين والزلط والرمل وبعض الأعشاب تودعنا في صمت، وتقول لكم معي ذكريات كثيرة.

أنت سرت وحدك وتمنيت مفارقة الحياة، ولكني دعوت لك أن تقابل من يسير معك، وقابلتها على رصيفي بمحطة المعمورة، وأنت تعجلت فأخذت منك ذراعا، وأنت حاولت فك مساميري، لكنها يا عزيزي تصعب عليك، وأنت يا عجوز رأيتك تشاهد المخرج وهو يقول أكشن فيلم "حب وكبرياء" المشهد الأخير أول مرة، ويذوب محمود ياسين ونجلاء فتحي بالأحضان في محطة سيدي جابر سنة 72، ومن بعدهم كان سمير صبري وسهير رمزي في فيلم "رحلة الأيام" سنة 76، وتمنيت تلك الأحضان.

وأنت يا صغير، أعلم أنك كنت تزعجني كثيرًا بلعب الكرة أنت وأصدقائك، وسأوشي على مكان لعبك بنهاية رصيف محطة الرمل الميري، وأنتِ يا سيدتي كنتِ تأتي محطة السوق "باكوس"؛ لتشتري خضار وحاجات الأسبوع، وأنتِ كيف حال رضيعك اليوم، رأيتك بمحطة الظاهرية تسيري ناحية مستشفى وينجت للأطفال، وأنت وجدتك مسرعًا بالنزول من محطة فيكتوريا "النقراشي"؛ لتركب أول خط الترام، وأنتِ يا حسناء وجدتك تنزلي بمحطة سيدي بشر، ولكن السواد كان ملبسك والدموع بعينك "يجعلها آخر الأحزان"، وأنتِ يا عزيزتي وجدتك تنزلي محطة غبريال، واشتريتي أحذية العيد "كل سنة وأنتم طيبين"، وانتظرت عودتك من كنيسة العذراء، وكيف حالك يا عجوز، العظم شاخ، تلصصت على بنتك وزوجتك أنك محجوز بمستشفى جمال عبد الناصر "ألف سلامة عليك"، ونزلوا بمحطة الحضرة، ورأيت معهم العمود الألومنيوم، وأخبروني أنك تتقفقف "كل يوم أكل العيانين وفي الآخر تلحس الأطباق".

وأنت يا لعين رميت صديقك في محطة الإصلاح، ودهنت جسده بالعسل الأسود، وعزمت عليه الفئران، تتذكرون محطة المندرة، عندما وقف عبد المنعم إبراهيم بالبدلة والبرنيطة، وقال "لوكاندة المندرة.. لوكاندة المندرة.. أحسن لوكاندة على البحر الأبيض المتوسط"، أيام الحياة الحلوة، ضحكت عليك، لم يكن يقف بمحطة المندرة، كان يقف بمحطة سيدي جابر، لم أشخ، ذكراتي مثل قضباني، نسيت لم يبق لي قضبان، وأنت تتذكر عندما وقفت تهلل وتلوح للملك فاروق عندما مر أمامك وهو عابر لقصره بمحطة المنتزة.

وأنت طمني عنك، وعن امتحانك، رأيتك تنزل محطة طوسون مسرعًا، أعلم أنك طالب بالفرقة الثانية في كلية التربية الرياضية، وأنت يا حضرة الكمسري صاحب الرداء الكحلي، وقلمك الذي يدق في قلبي، ومداعبتك لطفلة في محطة مصر، وأنت تقول "هو القطر بيمشي بإيه؟"، تلفتت ونظرت لأبيها، وداعبتها "بيمشي بالصفارة"، وأنت يا ضائع العقل، أقول نزلت محطة العصافرة، وذهبت لمنطقة أبو.......، أراك تسكتني، وعينك المحمرة يخرج منها الشرار، "حاضر، سأسكت، الله حليم ستار"، أعلم أنكم جميعًا ستقولون، كيف تذكرت كل تلك الذكريات، سمعتك يا لئيم، وأنت تقول نسيتي نهاية مشوارك محطة أبو قير، لم أنساها يومًا، وكانت النسمات اليودية تريحني، وطيب الهواء يرمم صراخ يومي، لكن اليوم رحيلي، سترتحون من صراخي طوال اليوم، وسأموت أنا بلا دمع.. ترحموا عليّ جميعا، وتذكروني بالخير.