الثلاثاء 18 يونيو 2024

المناورات القذرة ليست في قاموسنا

مقالات2-6-2024 | 13:43

 في ظل الظروف الراهنة والتحديات التي تواجهها منطقتنا يتضح جلياً أن الالتفاف على الشرعية ومحاولات تجاوزها لا يمكن أن تثمر شيئاً يذكر فإن التفاوض على أساس تجاوز الشرعية ليس فقط مضيعة للوقت بل يهدد أيضا استقرار المنطقة بأسرها وعبر التاريخ أثبتت الأحداث أن احترام الشرعية وسيادة القانون هما الأساس المتين لأي عملية سلام مستدامة وأن إضاعة الوقت في محاولات يائسة لتجاوز الشرعية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيدات والأزمات لذلك يجب أن نتمسك بالمبادئ والقوانين التي تضمن حقوق الجميع وتحفظ السلام والاستقرار في منطقتنا.

ومن يسعى بصدق إلى تحقيق السلام يدرك أن استخدام النفوذ والسلطة يجب أن يكون وسيلة لإيقاف الحرب وليس لتأجيجها أما تبني رؤية الأطراف التي تؤجج الصراع من خلال إمدادها بالسلاح والمال ليس إلا وقودا يزيد من لهيب النزاع ويعقد مساعي التوصل إلى حل سلمي والسلام الحقيقي يتطلب خطوات ملموسة ومبادرات صادقة لوقف العنف وتحقيق المصالحة والالتزام بالحلول السياسية التي تراعي حقوق جميع الأطراف وتضمن استقرار المنطقة على المدى البعيد .

إن خروج بايدن الذي فاجأ الجميع حتى أطراف الصراع أنفسهم إسرائيل وحماس لا أراه إلا بحثا عن غسل يده من جرائم إسرائيل أمام الناخبين ولو كان صادقا في مساعيه لسعى إلى وقفها منذ يومها الأول وموقفه الأخير لا يعبر عن تغيير جوهري في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بل يبدو كخطوة تكتيكية لحفظ ماء الوجه أمام الناخبين قبيل الانتخابات القادمة التي يتوقع أن تكون فارقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية فهذه التحركات تأتي في سياق محاولة كسب دعم الناخبين وتحسين صورته على الساحة الدولية والمحلية دون اتخاذ إجراءات حقيقية لإنهاء العنف المستمر وكل من يحاول دائما أن يمسك العصا من المنتصف يخسر ومن يتجاهل الشرعية الدولية لن يجني إلا العار أمام التاريخ فالإرادة الحقيقية لتحقيق السلام معروفة أين تكون وأي محاولة للالتفاف على هذه المبادئ تعد ضربا من الاستخفاف القبيح.

إن الشرعية الدولية ليست مجرد كلمات جوفاء بل هي الأساس لتحقيق الاستقرار والعدالة وتجاهلها لا يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والمعاناة ولن يترك هذا النهج إلا سجلا مشينا في صفحات التاريخ كما أن كل المحاولات التي جرت عبر التاريخ لتثني مصر عن مسارها أو مبادئها حكمت بالفشل وكل من يظن أن الضغط العسكري في رفح سيجبر مصر على الانحياز إلى جانب ضد آخر فهو واهم بل يعبث بالنار ويضع نفسه عارياً أمام قدرة المصريين على تغيير كتابة التاريخ وإعادة صياغته في أي وقت وتحت أي ظروف فمصر بتاريخها العريق وصمودها الراسخ لا تعرف الانحناء أمام الضغوط والتحديات وستظل دائماً قوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة وحافظة لكرامتها ومبادئها ومصممة على تحقيق العدل والسلام.

ولم تغلق مصر يوماً بابها أمام فرصة لصنع السلام إذ لطالما كانت بوابة للحوارات ومساحة للتفاهمات لكنها في الوقت ذاته لم ولن تحيد عن مساندة السلام الشامل القائم على العدل والإنصاف ولن تكون مصر أبداً طرفاً في مناورة تسقط حقوق الفلسطينيين أو تقامر بمقدراتهم وحقوقهم فمساعي مصر للسلام تتجذر في مبادئها الراسخة التي تضع الحق والعدالة في مقدمة أولوياتها مدركة أن السلام الحقيقي لا يبنى إلا على أسس متينة من العدل والاحترام المتبادل.

وكم كنت أتمنى أن يكون الفلسطينيون على جبهة واحدة وهم على مائدة التفاوض متحدين برؤية تتجاوز مجرد العودة إلى أوضاع ما قبل 7 أكتوبر ليقدموا تصورهم لليوم التالي للحرب فغياب هذه الرؤية يجعل التساؤل ملحاً: من أجل أي شيء حاربنا؟

وإذا كان الهدف هو تحرير بعض الأسرى ثم العودة إلى الاحتلال في غزة فسيكون الثمن باهظاً مهدراً لأرواح مئات الآلاف الذين قبروا تحت الركام في القطاع المكلوم فالوحدة وتقديم خطة مستقبلية شاملة هما السبيل الوحيد لضمان أن تضحيات الشعب الفلسطيني لن تكون عبثية بل خطوة نحو الحرية والاستقلال الحقيقي.