تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "زائر الأحلام" للكاتب محمد إبراهيم فؤاد، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.
قصة زائر الأحلام
همس خفيف يتسرب الى أذنيّه، مازال هذا الصوت يناديه من بعيد مكررا اسمه عدة مرات متتالية، ثم يصمت لدقائق معددوة ويكرر النداء، حاول أن يُخرس هذا الصوت، جلس مع أصدقاؤه وبدأ في الإنصات إلى ضجيجهم المعتاد، ضجيج أيا ضجيج، هل يمكنهم ان يصمتوا قليلاً، إن أصواتهم الكثيفة تتجمع داخل رأسه في صورة وحش مخيف يعبث في خلاياه، ويتغذى على أفكاره التي باتت لا تكتمل منذ أن أصابه الأرق.
منتصف النهار خرج الى الميدان الكبير، بدأ يسير في الشوارع الجانبية، يقف أمام البنايات القديمة متاملاً أشكالها الهندسية، وما ترسمه من ظلال تنعكس على أرضية الشوارع الفسيحة، غادره الصوت حينها، لم يعد يسمع ذلك النداء المخيف، لذا قرر أن يستمر في المشي طيلة اليوم، وبعد ساعات أصاب قدماه التعب، جلس في المقهى القديم وشرب كوب من الشاي الثقيل وعاود السير مجددا.
وأخيراً.. جاء الليل - هكذا حدث نفسه - ألقى بجسدة المنهك على الفراش ووضع يديه على جبينه وهو يتقلب فوق السرير الخشبي، حاول أن يغلق عينيه لعل النوم يزوره تلك الليلة، هو لا يعلم على وجهه التحديد، متى أصابه الأرق، لا يعلم كيف انقلبت حياته رأسا على عقب، ولكنه استقيظ من نومه ذات يوم، ووجد هذا الصوت الغريب يناديه، أجرى له الطبيب عدد من الفحوصات ولم يتوصل إلى سبب ما يعانيه، لذا قرر أن يتعامل مع الأمر باعتباره واقع وجب عليه التعايش معه، الإ أن هذا الصوت أصبح يطارده كلما جلس وحيدا، يحاصره ويمنع عن عينيه النوم، حاصرته اليقظة وصارالجنون هو مصيره المؤكد .
اقترح عليه صديقه أن يغادر المدينة المكتظة، رحل إلى الريف، متمنيا أن تمحو تلك الرحلة كل ما ترسب بداخله من ضجيج وصخب المدينة، في الأيام الأولى من زيارته انقطع الصوت، نام لساعات طويلة تحت ظلال الأشجار الخضراء، إلى أن جاءه الصوت مرة أخرى، لكنه يحادثه هذة المرة، لقد كف عن النداء، وبدأ يملي أوامره، يدفعه إلى الموت دفعا، مرة أن يقفز مع تيار الماء في ترعة القرية، ومرة أخرى أن يلقى بجسده أمام قضبان القطار، كيف له أن يهر ب، أخبر من حوله عن تلك المحادثات، ارتعبوا وتجنبوا الاقتراب منه.
استشار طبيبه، تناول العشرات من الحبوب المهدئة، ولم يخلو الأمر من جلسات الكهرباء، اتزن بعض الشيء، لم يعد يسمع الصوت، ولم تراوده فكرة الانتحار، ربما اختفت ابتسامته دون رجعة، لكن ما الفائدة من أن يموت مبتسما.
عاود العمل مرة أخرى، يجلس خلف مكتبه بالساعات، ينقر أزرار الحاسوب ويجري العشرات من العمليات الحسابية في الساعة الواحدة، يتساءل عن جدوى تلك الأموال وما فائدتها، يتأمل نظرات زملائه له، يخيفهم، لقد أدرك ذلك من اللحظة الأولى التي ظهر أمامهم، سرت رجفة الخوف في أجسادهم وتوقفت الكلمات على أطراف ألسنتهم بلا محرك، نظروا إليه محدقين، منتظرين أن يصرخ في وجوههم أن يجري في أرجاء الشركة مناديًا بأعلى صوته .
لاذ بالصمت، لم يعد يتحدث إلا في أضيق الحدود، لا يلقي السلام يكتفي بتحريك رأسه إلى أعلى، يمشي وحيدا في شوارع المدينة، يدخن بشراهة قاتلة، ويكتفي بالقليل من الطعام، أصبح بعيدا عن الناس مرة أخرى، لكنه هذة المرة ليس وحيدا، يرافقه شبح أسود قصير.