أكد مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الدكتور شوقي علام، أنه منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني انخفضت بشكل كبير جدا وتيرة الفتاوى الشاذة، وهذا ما نلحظه في ثقة الناس في المؤسسات الدينية خاصة دار الإفتاء.
وقال المفتي - في حوار لوكالة لوكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ) اليوم السبت - إن تجديد الخطاب الديني كان أداة حيوية ومهمة في مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية، موضحا أن تجديد الخطاب الديني ساعد في مواجهة الفكر المتطرف من خلال تقديم فهم معتدل ومتوازن للنصوص الدينية وتقديم بدائل فكرية قائمة على التسامح والاعتدال.
وأضاف أن تجديد الخطاب الديني أسهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي المجتمعي تجاه العديد من القضايا الحيوية فأصبح الناس أكثر فهمًا للوسطية والاعتدال في الدين، مما جعلهم أقل عرضة للأفكار المتطرفة والمتشددة، وذلك من خلال نشر المفاهيم الدينية الصحيحة وإبراز القيم الإسلامية السمحة.
ورأى فضيلته أنه ينبغي استخدام التكنولوجيا الحديثة لنشر الرسائل الدينية بطرق فعالة وجذابة.. كما يجب على المؤسسات الدينية أن تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي، والبث الرقمي، بل وتطبيقات الذكاء الاصطناعي للوصول إلى جمهور أوسع، خاصة وأن الشباب يستخدمون هذه التقنيات بشكل يومي مما يساعد في إيصال الرسائل بطرق تتماشى مع العصر الحديث.
وقال إن دار الإفتاء كان لها دور بارز في بناء وعي الشباب وتوجيههم نحو الفهم الصحيح للدين، فقدمت لقاءات وندوات وبرامج تعليمية ودورات تدريبية تركز على توضيح المفاهيم الدينية الأساسية وتعليم الشباب كيفية التمييز بين التعاليم الصحيحة والمفاهيم المغلوطة، وذلك بالتعاون مع الجامعات والمدارس والمؤسسات التعليمية، كما تستخدم دار الإفتاء وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لنشر محتوى ديني صحيح ومعتدل، يتم تقديمه من خلال المحاضرات والمقالات والفيديوهات التوعوية التي تناقش القضايا الدينية والاجتماعية بطرق جذابة ومبسطة.
وأشار فضيلة المفتي إلى تعاون الدار مع مختلف المؤسسات الشبابية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، لتنظيم برامج مشتركة تستهدف توعية الشباب، مثل الجامعات والمدارس كما تقدم دار الإفتاء خدمات الاستشارات الدينية للشباب فضلًا عن كافة فئات المجتمع، حيث يمكنهم طرح استفساراتهم والحصول على إرشادات دينية موثوقة تساعدهم في حل المشكلات التي قد يواجهونها في حياتهم اليومية من منظور ديني صحيح.
وبشأن نشر القضايا الخلافية أمام العامة، أكد المفتي أن الأمر يحتاج إلى حكمة وتوازن، لافتا إلى الاختلاف بين ذلك وبين الخلاف في المسائل الفقهية والذي يعد تنوعا طبيعيا وسنة من سنن الكون، حيث يعكس رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم في أمور دينهم، مؤكدا أنه من الحكمة أن يتم تناول القضايا الخلافية بأسلوب علمي ومتزن، مع التركيز على تعليم الناس أن وجود خلاف بين العلماء هو أمر طبيعي ويعبر عن غنى الفقه الإسلامي وتنوعه.
وشدد على أنه يجب في الوقت نفسه، أن يكون هناك وعي بأن نشر القضايا الخلافية بين العامة قد يؤدي إلى البلبلة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة، لذلك ينبغي أن يقتصر النقاش العلني على الأمور التي لا تسبب خلافا وشقاقا بين المسلمين، وأن تترك الأمور الخلافية خاصة ما يؤدي منها إلى الصدام لتناقش في الأوساط العلمية المتخصصة حيث يمكن للعلماء تبادل الآراء والنقاشات بطريقة علمية وبناءة.
وأكد فضيلة المفتي أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، ولدى مصر علماء كبار يستطيعون مواجهة أي فكر خاطئ بنشر التعاليم الصحيحة والمعتدلة للإسلام، بالإضافة إلى ذلك، يوجد قانون في مصر يتصدى لأي فكر معوج يؤدي إلى البلبلة، مما يعزز من حماية المجتمع ويعزز استقراره.
وبشأن المناظرات الدينية ونشرها أمام العامة، قال فضيلة الدكتور شوقي علام إنه يجب أن تدار المناظرات بحكمة وأن تلتزم بالضوابط العلمية وتهدف إلى توضيح الحقائق وتعزيز الفهم الصحيح للإسلام، وأن يكون الهدف منها توعية الناس وتصحيح المفاهيم الخاطئة بطريقة بناءة واحترام متبادل بين الأطراف المشاركة، مشيرا إلى ضرورة أن يكون المشرفون على هذه المناظرات من العلماء الراسخين في العلم والمتخصصين في الإعلام، الذين يمكنهم تقديم المعلومات بشكل واضح ومعتدل دون إثارة لأن الهدف هو تعزيز الوحدة والتفاهم بين المسلمين، وليس إثارة الخلافات والجدل العقيم.
وفيما يتعلق بمن يتناول السنة النبوية وعلم الحديث بغير علم، قال علام، إن السنة مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأمور بالتبليغ عن الله عز وجل، وسنته واجبة الاتباع، وطاعته طاعةٌ لله تعالى، ولا يعني ذلك إلا كونها مصدرًا للتشريع.
وأوضح أن المحدثين وضعوا أُسس علم الحديث، وبيَّنوا صحيحه من سقيمه، كما بيَّنوا أن الضعف ينقسم إلى مراتب متفاوتة، فضلًا عن وضعهم لضوابط دقيقة جدا للعمل بأحاديث الآحاد والضعيف في حالات معينة دون المختلق أو المكذوب.
وأشار إلى أن نشر الأفكار المضللة في المجتمعات أمر مرفوض شرعا وقانونا وعرفا فهذا الفعل يضر بالمجتمع ويقوض الاستقرار والأمن، ويؤدي إلى نشر الفتن والخلافات بين الناس.. مؤكدا أن الإسلام يدعو إلى الحق والصدق والأمانة في القول والعمل، ونشر الأفكار المضللة يتعارض مع هذه القيم الأساسية.
وفيما يتعلق بفريضة الحج، ومن يتكاسل عن آدائها رغم الاستطاعة قال الدكتور شوقي علام إن الفقهاء اختلفوا في وجوب الحج وهل هو على الفور أو على التراخي فذهب الجمهور إلى أن الحج يجب على الفور (أي: في أول الوقت الذي يستطيع فيه الحج) وهو الأَولى، وذهب الشافعية والإمام محمد بن الحسن إلى أنه يجب على التراخي (أي: في أي وقت يستطيع فيه الحج).
وأضاف إنه على الرغم من وجود اختلاف فقهي في هذه المسألة فإننا ننصح الإنسان بأن يسارع في أداء هذه الفريضة إذا ما توافرت شروط الاستطاعة ؛ لأن الإنسان لا يدري ما يكون عليه حاله مستقبلا من حيث الاستطاعة المادية والبدنية، مؤكدا أن المقصد من الحج هو تهذيب النفس الإنسانية وترقيق القلوب والقيام بالنسك، كما أنه لا بدَّ لهذه الفريضة من استعداد نفسي وروحي، فضلًا عن الاستعداد المادي والجسماني، فالحاج مُقبِل على أداء رحلة أشبه ما تكون برحلة إلى الآخرة؛ لذا عليه أن يتخلَّص من التبعات ويجعل الدنيا خلف ظهره، وأن يبادر بالتوبة قبل الحج.
واشار إلى أنه يجب أن يحرص المقبل على الحج على تقوية الروابط الأسرية وصلة الأرحام تمهيدًا لبدء حياة جديدة مع الحرص على كثرة الذِّكر وتلاوة القرآن والاستغفار والأعمال الصالحة، ولا مانع من طلب المسامحة من أي أحد يعرفه، ويبادر المسلم إلى التوبة لله قبل الحج .. موضحا أنه إذا كان الحق متعلقا بالله فعليه أن يُقلع عن هذا الذنب ويندم ولا يعود إليه في المستقبل، وأن يحرص على الإنابة إلى الله والاستزادة من العبادة والطاعات، وعلى هذا النحو يَقبل اللهُ برحمتِه وفضلِه توبتَه، أمَّا إذا تعلق هذا الحق بالعباد فعليه أن يردَّ الحقوق إلى أصحابها إذا لم يترتب عليها فتن أشد، وإن عجز عن مواجهة أصحابها فعليه التبرع عنهم والدعاء لهم.
وشدد على ضرورة سداد أي ديون مستحقة عند الاستطاعة، وكذلك رد المظالم لأصحابها، وذلك في كل وقت وحين، فضلًا عن ضرورتها لمن وفَّقه الله إلى الذهاب للحج، كما ينبغي مبادرة المُقبل على الحج قبل حجه إلى إعطاء الحقوق لأصحابها، ومنها حقوقهم في ميراث المتوفى؛ حيث يحرم شرعا مماطلة أحد الورثة أو تأجيله في قسمة الإرث دون رضا باقي الورثة، ويجب تمكين الورثة من نصيبهم؛ فكل إنسان أحق بماله.
وأكد فضيلة المفتي أنه يجب على المقبل على الحج أيضا رد أي حقوق أو مظالم لأهلها بعينها إذا كانت باقية في يده؛ وإلا فعليه رد قيمتها إذا استهلكت أو فقدت، فإن لم يجدهم يردها لورثتهم، لأن من المقرر شرعا أن "التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، أما إذا ترتب على ردِّ الحقوق وإعلام أصحابها بها ضرر أكبر أو فتنة؛ فإنه يجوز أن يرد الحقوق إليهم دون أن يعلمهم بفعلته، فإن عجز عن ردها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق أو لوجود حرج شديد في إعلامهم فله أن يتصدق بها عنهم".
وأكد أن الحج واجب على مَن توافرت فيه شروط الاستطاعة، فقد فُرض على كلِّ مسلم عاقل بالغ قادر لقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا}.. مضيفا أنَّ الإنفاق والدفع في مصالح الناس وإعانة الفقراء أَولى من الحج النافلة والعمرة النافلة، وكلما كانت المنفعة متعدية كانت أولى من المنفعة القاصرة على النفس، ونحن في هذه الظروف الاقتصادية نحتاج إلى وعي مجتمعي.
وأشار إلى أن شعيرة الحج ترشد المسلم إلى خير وسيلة يُتقرَّب بها إلى الله تعالى في كل أحوال حياته وشئونها حيث تجعله متجردا بصورةٍ كاملةٍ أثناء مدتها الزمنية من كل شواغلِه؛ مقبلا على ربه لا همَّ له إلا الذكر والعبادة والتلبية والدعاء، وهي تمثِّل في ذات الوقت والموقف تجربة تربوية حقيقية من شأنِها تقويم حياة المسلم ووجدانه وضبط سلوكه وتهذيب نفسه دون فرض سلطةٍ عليه من غيره؛ فقد نهى الله تعالى الحاج بأسلوبٍ فيه تأكيدٌ ومبالغةٌ، عن الوقوع في سَيئِ الأخلاق ومذموم ِالسلوك في هذا الزمان الفاضل والميقات المبارك؛ فقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197].
وأضاف الدكتور شوقي علام أن شعيرة الحج تعتبر بمناسكها مجالًا واسعًا وفرصة مباركة لبناء شخصية المسلم بطريقة متوازنة؛ حيث خاطب الإسلام المسلم روحا وجسدا وعقلا في تناسق مبدع جامع لغذاء الروح ومتطلبات الجسد، فأعطى لكل حقه بالقسط، وذلك لأنه دين يقترب من الفطرة الإنسانية السليمة، ويوازن في أحكامه ومقاصده بين عناصر الشخصية البشرية بطريقة متكاملة لا يستغني عنها الإنسان.. وكذلك المتأمل في مناسك الحج وشعائره يجد أنها تحمل في مضامينها كذلك ترسيخ قضية التسليم والامتثال لأوامر الشرع الحنيف لأنها أصل التعبد وعليها بناؤه وهي من صور خُلُق الصبر وتجلياته؛ فرحلة الحج ما هي إلا استجابة لدعوة الله وامتثال لأمره، وإقامة لركن من أركان شريعته، وفيها يهذب الحاج نفسه؛ تقربًا إلى الله تعالى واتِّباعًا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأوصى المفتي جميع الحجاج وضيوف الرحمن المصريين بالإكثار من الدعاء بأن يحفظ الله مصر وشعبها الكريم من كل سوء، وإلى الالتزام كذلك بالقواعد والضوابط التي وضعتها سلطات المملكة العربية السعودية لإنجاح موسم الحج.. مشيرا إلى أنه لا يجوز للحاج مخالفة القواعد والنظم التي أقرتها السلطات السعودية من تنظيمات ولوائح تحقق مصالح ضيوف الرحمن.
وطالب حجاج بيت الله الحرام بضرورة الالتزام بالوصايا الشرعية، وعدم الوقوع في المخالفات والممارسات الخاطئة التي يتهاون فيها الكثير، والمتمثلة في التخلف وعدم الالتزام بمواعيد العودة، ولوائح تحديد أعداد الحجيج التي جاءت للمصلحة العامة، حفاظًا على سلامة الحجاج وتيسير أدائهم للمناسك في سهولة ويسر.
وأكد أنه يجب على الحاج استحضار النية والإخلاص ومجاهدة النفس مع الإكثار من الدعاء، وأن أعظم ما في تلك الأيام المباركة يوم عرفة الذي ينتظره الصالحون وقد أعدُّوا السؤال واستحضروا الحاجات، فيسألون ربهم تعالى خيرَي الدنيا والآخرة مع تكرار الاستغفار والتلفظ بالتوبة.