الجمعة 21 يونيو 2024

الاتحاد الأوروبي والمصير المجهول

مقالات9-6-2024 | 11:57

 لم تكن نتائج البرلمان الأوروبي مفاجأة تعبر عن تحول غير متوقع بل كانت نتيجة طبيعية لتغير جيوسياسي هائل يشهده العالم دشنته الحرب الروسية الأوكرانية والتي يبدو أن توقفها أو توسيعها سيحكم مصير وشكل العالم الجديد لكننا اليوم أمام حقيقة واقعة أعلنت عن نفسها بقوة وهي صعود اليمين المتطرف في أوروبا ويبدو أن ذلك يعود في المقام الأول إلى التحديات الاقتصادية والبطالة والتقشف .

حيث تعاني العديد من الدول الأوروبية من ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب بالإضافة إلى سياسات التقشف التي فرضتها الأزمات المالية ما أدى إلى تراجع مستوى المعيشة وزيادة الفقر كما لعبت ما يمكن أن نسميه "اللا مساواة الاقتصادية" والتي زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما أثار استياء الفئات المتضررة ودفعها نحو التيارات التي تعد بتغيير الوضع الراهن.

ولعبت أيضا الهجرة غير النظامية وتزايد أعداد المهاجرين واللاجئين بسبب النزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا وقد أدت هذه الموجة إلى قلق واسع حول الهوية الوطنية والأمن الاجتماعي بالإضافة إلى أحداث الإرهاب والهجمات في أوروبا والتي عمقت المخاوف حول الأمن ودفع بالقضايا الأمنية على صدارة النقاشات السياسية ومن ناحية أخرى اعترى أوروبا كما اعترى غيرها من آثار العولمة التي تسببت في فقدان الوظائف التقليدية لصالح البلدان ذات التكاليف الأقل وهو ما أضر بالعمال المحليين الذين قرروا مواجهة السياسات التي أدت بهم إلى ذلك.

كل ذلك من الممكن أن يكون مفسرا للنتائج التي خرجت بها انتخابات البرلمان الأوروبي لكن الدافع الرئيس في وجهة نظري هو الشعور بما يمكن أن نصطلح عليه وهو فقدان السيادة والحنين إلى استعادتها فقطاع كبير من مواطني الاتحاد الأوروبي شعروا كثيرا وفي مواقف عديدة بأن الاتحاد الأوروبي يتدخل بشكل مفرط في السياسات الوطنية ما أثار رغبة في استعادة السيطرة الوطنية .

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تراجع الثقة في الأحزاب التقليدية نتيجة الفساد والإخفاقات السياسية لتتعرض الأحزاب التقليدية لانتقادات حادة بسبب قضايا الفساد وفشلها في تقديم حلول فعالة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وأكسب ذلك قوة دافعة تنامي الوعي السياسي بتلك القضية فباتت الأصوات أعلى ضجيجا وأكثر مصداقية في المطالبة بتغيير جذري ما دفعهم إلى التوجه إلى دعم الأحزاب التي تتبنى خطابا معارضا ومغايرا وقد استفادت الأحزاب اليمينية من تلك الحالة فسوقت لخطاب شعبوي عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لنشر رسائلها بسرعة وفعالية ارتكزت رسائله على مشاعر الخوف والغضب.

لكن ما هي الانعكاسات المتوقعة لتلك النتائج الموحية يمكن أن تظهر في تشديد السياسات المتعلقة بالهجرة واللجوء لتكون أكثر صرامة ما قد يؤدي إلى إغلاق الحدود وتقليل عدد اللاجئين المقبولين وقد تتأثر العلاقات مع الدول المصدرة للمهاجرين حيث يمكن أن تشدد الدول الأوروبية من سياساتها تجاه هذه الدول. كما سيدفع ذلك التيار الصاعد وبقوة إلى إعادة التفكير في التكامل فصعود اليمين سيعيد النظر في مدى التكامل الأوروبي ما يدفع بعض الدول باتجاه تقليص صلاحيات الاتحاد الأوروبي واستعادة السيادة الوطنية .

ومن الممكن أن تتزايد الدعوات للانفصال عن الاتحاد الأوروبي في بعض الدول ما يهدد وحدة الكتلة الأوروبية برمتها كما من المتوقع أن تتجه السياسات الاقتصادية نحو الحمائية بدلاً من التبادل الحر وإحداث مزيد من التوترات التجارية مع الشركاء الدوليين فتتغير سياسات أوروبا الخارجية تجاه مختلف القضايا بتبني مواقف أكثر انعزالا كما ستتكسر عصا الأوروبيين التي يلوحون بها تجاه خصومهم وهي ورقة حقوق الإنسان والحريات بمفهومها الحالي إذا تبنت هذه الأحزاب سياسات تقييدية ضد المعارضة والمجتمع المدني لتواجه الأقليات والمهاجرين مزيداً من التمييز والتهميش ما يزيد من التوترات الاجتماعية.