الأحد 19 مايو 2024

التغيير الوزارى.. أمن الوطن وكرامة المواطن

19-1-2017 | 11:00

بقلم – محمد الشافعى

تترقب كل الدوائر فى مصر - وربما خارجها – التغيير الوزارى القادم.. والمتوقع حدوثه خلال الأيام القليلة القادمة.. وقد أجمعت كل هذه الدوائر على (حتمية التغيير) .. وإن اختلفت فيما بينها حول هل سيكون تغييراً كاملاً للوزارة أم مجرد تعديل؟

وقبل أن نصل إلى تلك المرحلة نتوقف أمام بعض أسباب حتمية التغيير .. وبعض النقاط حول ما نريده من الحكومة القادمة .

أولاً : الغالبية العظمى من المصريين يتألمون فى صمت.. ويعتمل فى داخلهم غضب مكتوم من ذلك الأداء السيئ للحكومة.. ولولا حالة (القسم)، و(المودة) التى مازالت تربط الناس بالقيادة السياسية لحدث ما لا يحمد عقباه.

ثانياً : توسعت الحكومة الحالية فى الاقتراض من الخارج.. رغم أن خدمة الدين فى مصر تساوى ٣٢٪ من حجم الموازنة العامة .. وبعد هذه المليارات الجديدة التى تم اقتراضها سترتفع هذه النسبة كثيرا .. والاقتراض ليس عيباً أو نقيصة إذا أحسن استثماره .. وللأسف فإن الحكومة لم تستخدم هذه القروض فى أى مشروعات إنتاجية.. يمكن من خلالها زيادة الإنتاج وتقليل نسب البطالة.. وتحقيق فوائض تعمل على سد قيمة القرض فى وقت محدد.. فكل القروض حتى الآن تستخدم فى سد عجز الموازنة .. بما يعنى زيادة الأعباء على الناس .. وعلى الأجيال القادمة أيضاً .

ثالثا : القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة جاءت عشوائية وغير مدروسة .. مما أصاب كل الأسعار والخدمات بحالة من (السعار المتوحش) جعل أنين الناس مسموعاً فى البيوت والطرقات والمواصلات العامة .. وقد تسببت هذه القرارات فى العديد من الأزمات التى بدأت بأجرة الميكروباص .. ولن تنتهى بأزمة اختفاء الأدوية وارتفاع أسعارها.

رابعاً : ارتفاع أسعار الخدمات التى تقدمها الدولة للمواطن من مياه وكهرباء وغاز.. إلخ بحجة (رفع الدعم) أو تحريك الدعم كما يقولون .. إضافة إلى جنون الأسعار.. لم يصاحبه ولن يصاحبه زيادة فى المرتبات والدخول.. مما سيضع المواطن الغلبان أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما الاستسلام لأقداره .. أو البحث عن طرق ملتوية لسد احتياجاته .

خامسا : العجز المهين الذى أصاب الحكومة أمام (مافيا الاحتكارات) .. فكل سلعة من السلع الرئيسية يتحكم فيها حفنة قليلة من التجار .. الذين يعانون من (الشره المريض) لزيادة أرباحهم حتى لو كان ذلك على حساب أرواح الغلابة والبسطاء.. وحجة الحكومة فى الصمت عن هذه المافيا أننا نعيش عصر (السوق الحر) .. والسؤال هو لماذا لا تحدث هذه الفوضى فى الدول عتيدة الرأسمالية والتى ابتكرت السوق الحر.. فالاحتكار فى هذه الدول مجرم بالقانون.. وهامش الربح محدد ومعلوم وفى كل الأحوال لايزيد عن ٣٠٪ من تكلفة أى سلعة.. بينما لدينا فى مصر لا ضابط ولارابط لهامش الربح الذى يصل فى بعض الأحوال .. إلى أضعاف كثيرة من سعر التكلفة .

سادساً : فى الوقت الذى تتقدم فيه الكثير من الدول الشقيقة والصديقة بخطوات مبهرة على خطى الإنتاج والتنمية .. نجد حكومتنا السنية لا تقدم إلا الوعود تلو الوعود.. فلدينا مثلا محور تنمية قناة السويس بموانيه الست.. والذى بدأ العمل فيها منذ أكثر من عامين.. والمردود حتى الآن لا شىء .. بينما دولة المغرب الشقيق استطاعت خلال أربع سنوات فقط.. أن تجعل من ميناء طنجة أهم موانئ الشرق الأوسط .. وواحداً من أهم موانئ العالم .. ولدينا أيضا العديد والعديد من الخامات الطبيعية .. ورغم قرار رئيس الجمهورية بعدم تصدير الخامات .. إلا أن بعضها مازال يصدر.

سابعاً : بعيداً عن الإقتصاد فهناك انهيارات كثيرة فى التعليم والصحة والثقافة .. والعديد من قطاعات الدولة.. ورغم أن هذه الانهيارات ليست وليدة اليوم..

ولكنها تراكمات منذ سنوات مضت.. إلا أن الحكومة لم تستطع منذ مجيئها أن تحرك ساكناً للخروج من هذه الأنفاق المظلمة .. وكل مافعلته كان نوعاً من النشاط يشبه تماماً (الحركة فى المكان) أى بلا أى تقدم للأمام.. ويرجع ذلك إلى افتقاد الحكومة لوجود (الحلول الابتكارية) أو ما نطلق عليه (التفكير خارج الصندوق) .

ثامناً : مازالت الحكومة تتحرك على طريقة (الجزر المعزولة) ولعل (الخلاف المكتوم) الذى تحول إلى (معلن) بين طارق عامر محافظ البنك المركزى .. وسحر نصر وزيرة التعاون الدولى .. يؤكد غياب (الهارمونى) أو التناغم بين وزراء الحكومة .. مما يجعلهم يسيرون فى اتجاهات متقاطعة أو متعاكسة .. وهذا لن يؤدى إلا إلى وجود (حصيلة صفرية) .

تاسعاً : كل هذه الأسباب وغيرها الكثير تجعل التغيير الوزارى أمراً حتمياً .. ولكن هل نحتاج إلى تغيير الأشخاص فقط.. أم أننا فى أشد الاحتياج إلى تغيير الرؤية ؟ والإجابة القاطعة أننا نحتاج إلى تغيير الرؤية .. التى تنطلق من أن وظيفة الحكومة (أى حكومة) .. هى الحفاظ على أمن الوطن وكرامة المواطن .. والحمد لله أن المؤسسات المسئولة عن أمن الوطن تعمل بكل الجد والاجتهاد لحماية الحدود.. ومحاربة الإرهابيين .. ويتبقى كرامة المواطن.. وتلك الكرامة لن تتحقق إلا بوجود (الحياة الكريمة) .. وتلك الحياة الكريمة لن تتواجد إلا بوجود التعليم المحترم .. والرعاية الصحية فى أعلى درجاتها .. والثقافة المستنيرة.. وأيضا وجود السلع والخدمات فى متناول الغلابة والبسطاء.. وذلك لأن (عجز) المواطن عن تلبية احتياج أسرته.. سيدفع به إلى (الإحباط).. ثم إلى فتور العلاقة مع مؤسسات الدولة.. وربما يصل الأمر إلى (العتاب المرير) للوطن ذاته .

عاشراً : على الحكومة القادمة أن تمتلك (العصا السحرية) لتحقيق التوازن بين استكمال المشروعات القومية ذات العوائد بعيدة المدى .. وبين تحقيق المتطلبات (الآنية) للمواطن .. وخاصة الغلابة والبسطاء.. قبل أن يتحول أنينهم إلى صراخ .. وهذا التوازن هو فقط «عصا موسى» التى يمكن أن تنقذ الحكومة القادمة.