عرفت فكرة تشفير الرسائل والمعلومات منذ قديم الآزل، فلم تكن وليدة الحرب العالمية الأولى أو الثانية، فكان الكندي أول من كتب عن هذا الأسلوب في العصر الإسلامي، فكانت الرسائل في تلك الحقبة الزمنية ترسل مع الحمام الزاجل وتشفر المعلومات السرية التي بها.
ترجع أساليب التشفير إلى المبدأ الأساسي الذي وضعه المسلمون في الماضي، وهو فكرة تغيير الحروف وتبديلها لأجل تشفير كافة البيانات التي بها، ولكن في الوقت الحاضر، ازداد التعقيد أكثر في وضع وتغيير الحروف ووضع الشيفرة.
كتب الأغريق في هذا الفن، ففي القرن السادس قبل الميلادي، استخدموا عصا تسمي "سكايتيل" وتصمم بنسب محددة ويتم لف عليها قطعة من الورق ويكتبون عليه بالشكل الأفقي، ثم يتم فك هذه الورقة وارسالها للشخص المراد أن تصل إليه، فإذا كان لديه نفس ال "سكايتيل" ذي النسب المحددة للإسكايتيل الأصلي فسوف يستطيع لف قطعة الورقة عليها وينجح في فك الشيفرة.
كتب الكندي أشهر كتبه في ذلك المجال تحت عنوان "رسالة استخراج المعمى"، واشتمل على وصف لأسلوب التحليل التكراري، واستطاع أحداث ثورة بهذا الكتاب في ذلك المجال وذلك يرجع إلى تمكنه من ملاحظة أنه إذا ما وضع مكان الحرف العادي حرفا مختلفا أو رمزا، فإن الحرف الجديد سوف يحمل خصائص الحرف الأصلي كلها.
وذكر كتاب "التراث الإسلامي في عالمنا"، تفسير ما قاله الكندي كالتالي "إذا نظرنا إلى اللغة الإنجليزية، فإننا نجد كمثال أن حرف ال"e" الأكثر شيوعا في كلمات اللغة الإنجليزية يشكل 13 بالمئة من مجموع الحروف كلها، فإذا استبدلناه برمز # فإن ذلك الرمز يصبح الأثر شيوعا عندئذ يستطيع محلل الرموز والشيفرة أن يستنتج أن الرمز # يمثل في الواقع الحرف e ".
استبط الكندي من القرآن الكريم بعض الحروف المميزة فيه، فوضع على أساسها الكتابة المشفرة والتي جعلت كتاب الشفرة في القارة الأوروبية يحاولون إبتكار طرق أخرى غير التقليدية للتغلب عليه.
وقال الكندي في كتابه رسالة استخراج المعمى "فمما نحتال به لاستنباط الكتاب المعمى إذا عرف بأي لسان هو أن يوجد من ذلك اللسان كتاب قدر ما يقع في جلد أو ما أشبهه فنعد ما فيه من كل نوع من أنواع حروفه، فنكتب على أكثرها عدداً الأول والذي يليه في الكثرة الثاني والذي يلي ذلك في الكثرة الثالث، وكذلك حتى نأتي على جميع أنواع الحروف، ثم ننظر في الكتاب الذي نريد استخراجه فنصنف أيضا أنواع صوره، فننظر إلى أكثرها عدداً، فَنَسِمُهُ بسمة الحرف الأول، والذي يليه في الكثرة فنسمه بسمة الحرف الثاني، والذي يليه في الكثرة فنسمه بسمة الحرف الثالث، وهكذا.. حتى تنفد أنواع الصور المعماة لحروف الكتاب المقصود استنباطه". الكندي في "رسالة استخراج المعمى" التي صنفها في القرن التاسع عن فك الرسائل المشفرة".
ويعتير التحليل التكراري في الوقت الحالي من أهم الأدوات الأساسية لحل جميع الشيفرات التقيدية، وفي الأساس يعتمد فك الشفرات على المعرفة اللغوية والإحصائية لنص لغوي بسيط وعلى عدة مهارات لحل الإبتكارات.