الأحد 1 ديسمبر 2024

أنا أقوى رجل فى العالم .. نيرون .. هولاكو .. هتلر .. والملك موننيا

  • 27-2-2017 | 10:42

طباعة

كتب : يحيي تادرس

وهكذا.. ينهار كل من المكتشفين (بيرتون وسبيك). وفي فبراير 1859 (بعد واحد وعشرين شهراً من بداية رحلتهما..

و.. سنختزل العديد من الأحداث والأماكن.. لنصل معاً إلي ذروة المأساة.

في 21 مايو من نفس العام - إذ أن سبيك بمجرد وصوله إلي انجلترا تاركاً - بيرتون - حتي آثار ضجة إعلامية ضخمة بأنه قد اكتشف منابع النهر العنيد.. وبعدها يتم تكليفه منفردا بقيادة قافلة جديدة.

.. ولم يهتم أحد برتشارد بيرتون أو حتي دعوته للمشاركة في تلك الحملة الجديدة وهكذا يعاني بيرتون من التجاهل والمرض - بل والسخرية من مزاعمه.

و.. تصل البعثة الجديدة عام 1860 - إلي (برجندا) وملكها الوحشي، موننيا ونقرأ معا - موجزا لبعض مظاهر سلوكه:

..

كانت توضع تحت قدميه رموز الملك:

حربة ودروع وكلب أبيض:

أما حين كان يتمشي للرياضة - فكان يسير بخطوات تشبه خطوات الأسد - فإن توقف للتحدث - تصغي إليه الحاشية في صمت ثم ينبطحون علي وجوهم..

أما إن راق له أن يجلس - فسرعان ما كان مقعده يجهز له صبي يركع معتمدا علي يديه - لينال شرف أن يجلس فوق موننيا.

.. كان وحشا متعطشاً للدماء - لا يكاد يمر يوم دون إعدام ضحية من ضحاياه - بأمر يصدره دون اكتراث:

فقد تنتهك فتاة آداب السلوك - كأن تتكلم أو تضحك بصوت مرتفع - أو يهمل خادم إغلاق باب أو فتحه - فإذ بهم - بمجرد إشارة من موننيا - تقطع رءوسهم مع خلفية موسيقية رهيبة تتكون من دقات طبول سريعة وعالية.. بعدها يبتسم موننيا في راحة.

كان موننيا بشكل أو بآخر - هو - أخطر رجل في إفريقيا - ولا يمكن أن يسمح لأحد من أتباعه. أن ينسى خطورته ولا بأسه.

وهنا أتذكرأخطر رجل في العالم (1967) - شويكار وفؤاد المهندس وعادل أدهم وسهير البابلي.. كنا نضحك من قلوبنا وربما غير مدركين لأعماق نفسية البعض - في كل العصور، علي أن يقدموا أنفسهم باعتبارهم الأقوي والأعظم - وإن العالم - ملك لهم..

..

و.. وأخيراً يسمح للحملة (سبيك وجرانت) بالرحيل.. وخلال تحركها تتعرض لعدوان القبائل وحروبهم الهمجية وبعيدا إلي أرض (كاراجوال) وملكها (رومانيكا) - الذي لم يكن قد شاهد رجلا أبيض من قبل.

..

وهناك - وقبل أن يغادر بعد شهر كامل من التكريم نقرأ بعض صفحات مثيرة من مذكرات سبيك:

شهرا ممتعا.. سجلت فيه (عفوا) أبعاد زوجات الملك البدينات وأثرنا دهشة الملك ببراعتنا في صيد الخرتيت ببندقية صيد (لكن التأثير شبه الساحر)، لشراب (البومبة المسكر) جعلتهما يصغيان بخوف إلي تحذير الملك من:

حيوانات أضخم من الخرتيت - حيوانات مهوولة تأبي الاتصال بالرجال ولا تكشف عن نفسها إلا للجميلات من النساء و.. حينئذ تهجم عليهن في وحشية.. ويصاب جرانت بقرحة في ساقه - ويتركه سبيك في رعاية (الملك)..

و.. يستغرق سبيك ستة أسابيع - قبل أن يصل إلي بحيرة فيكتوريا أخيراً.

.. وعند وصوله يخرج أحسن ثيابه ويلبس رجاله بطاطين حمراء ... و .. ينجح في استرداد زميله (جرانت) .. من الملك بصعوبة.. المهم - يرحل المكتشفان إلي الشرق في يوليو 1862، وهنا يقع حادث غريب - إذ أن دليلهما يمضي بهما إلي الشمال..

و.. وهنا .. يقترح (سبيك) أن نقسم الحملة فريقين فيمضي سبيك وحده إلي المنبع تاركا جرانت مع (قدمه) المصابة ليلحق به.

.. كان (سبيك) كالزوج الغيور الذي لا يريد لأحد أن يشاركه في كشف أسرار معشوقته - بحيرة فيكتوريا:

وفي 21 يوليو 1862 - وعلي بعد حوالي 40 كم من البحيرة - يقف - عند طرف النيل:

مجري ضخم تتراوح سعته بين 600 و 700م.

و.. يتعامل بافتتان شبه مقدس لما يحتويه هذا المكان من تماسيح عملاقة وأفراس النهر والبقر الوحشي..

.. وعند الشلال العملاق الذي يطلق عليه سبيك اسم (شلالات ريبون - تكريما لرئيس الجمعية الجغرافية الملكية).

هل اكتشفا بالفعل المنابع الرئيسية للنهر!

.. يسمع المكتشفان عن بحيرة أخري ضخمة - قد تكون هي لا غيرها - منبع النهر..

..

هل لاحظت عزيزي القارئ - إيمانهما ليس للشهرة وحدها ولكن لتحقيق أمل غامض مثير يتعلق لا ينهر في بلدهما انجلترا ولا في الهند تاج الامبراطورية البريطانية وقتها ولكن .. في أعماق تلك القارة التي وصفت بالمظلمة - الحافلة بكل غريب ومثير، وبهذا النهر العنيد.

.. قارن بين ما رأياه وأذهلهما ومن بعدهما جماهير انجلترا عن تلك الأدغال الموحشة، وكيف قدمناها نحن في الفيلم الكوميدي (عماشة في الأدغال)

1972 «صفاء أبوالسعود - محمد رضا - فؤاد المهندس - نبيلة عبيد»

....

المهم

.. كان المكتشفان وقتها قد هدهما التعب.. وجردا من كل ما كانا يمتلكان علي أيدي القبائل البدائية..

وبعد رحلة شاقة مع قبائل تزداد وحشية - وخلال منطقة موحشة وعرة حتي يوم 3 ديسمبر يسمعان طلقات بنادق ترحب بهما؟

ويتقدم للقائهما مجموعة من الجنود المصريين والنوبيين وسط مظاهر احتفالية صاخبة.

...

وما لبثا - بعد طول معاناة وجولة أن يجلسا إلي وجبة من الخبز وعسل النحل ولحم الضأن وينامان علي سريرين حقيقيين لكن أعظم مظاهر الترف كان قطعة «صابون» لكل منهما كي يستحم بها!

...

وهناك - يفاجأ الاثنان بعدة انباء مفجعة.

وفاة زوج الملكة فكتوريا - واندلاع الحرب الأهلية الامريكية ولقد شهد جيلنا واحدا من أعظم أفلام تلك الحرب:

«ذهب مع الريح .. كلارك جيبل»

وأخيراً... يصل الاثنان إلي القاهرة - ويمضيان أياما كالأحلام في فندق «شبرد»

ويبرق سبيك إلي لندن:

ابنتوا سير مرشيزون «الجمعية الجغرافية الملكية» بأن كل شيء علي ما يرام وأننا قد كشفنا كل شيء عن النيل... ويمنحان من التكريم والشهرة ما لا يكونا يحلمان به..

... لكن الذي لم يدركاه أن لغز النيل - لم يكن قد حل بعد ...

...

وهنا نتساءل .. أين «بيرتون» من كل هذا الضجيج الذي يصيبه بالصدمة؟

وترحب الجمعية الجغرافية بسبيك- الذي يكشف في محاضرة بالجمعية الجغرافية - يحضرها جمهور غفير لا يحصي بأن أمر النيل.. قد استقر..

....

ويرد بيرتون علي هذا الضجيج بقوله:

ما الذي فعله سبيك في الواقع - كأن لقد لمح رقعة واسعة من المياه ثم رقعة مائية أخري - فقفز لفوره إلي استنتاج بأن المنطقة الشاسعة بين هذين الرقعتين والتى تكاد تعادل مساحة انجلترا - بحيرة كبيرة واحدة.

و..... يتساءل في سخرية.. تري هل طاف حول تلك البحيرة المزعومة؟

وهل بالفعل كل ما شهده سبيك منبع النيل - كان باختصار وهما أكثر منه- حقيقة جغرافية.

...

وتترك تساؤلات بيرتون - شكوكاً - وتساؤلات في كل ما كتبه أو شهده «سبيك».

وبهذا يتشكل معسكران لكل من سبيك وبيرتون إلي جانب معارضة آخر هي «اليفنجستون» الذي كان يعتقد بأن منابع النهر توجد جنوب بحيرة فيكتوريا..

إن سبيك المسكين: قد أعطي ظهره لمنابع النيل الحقيقية وتتضاعف الحملات ضد سبيك.

إن أهم ما فعله وهو قياس أبعاد الملكة زوجة الملك موننيا وهي عارية تماما ويصف هذا كله بأنه مجرد «عملية هندسية» ثم إن يكتب في مذكراته بلا خجل عن حاشية «الملك موننيا» والعذاري المرشحات للانضمام إلي حريمه.

عشرون عذراء سرن أمامه عار يات و.... تكتمل الصورة غير المحتشمة بالنسبة علي الأقل لأخلاقيات العصر الفيكتوري الصارمة...

إن سبيك لم يكن يكتشف - بل كان يتسلى:

يشرب «البومية» المشروب المحلي المسكر - ويتقرب للملكة الأم ويرصد ويقيس أبعاد المحظيات العذارى ما فعله إن سبيك اكتشف - هو إهانة للجمعية الجغرافية والوطنية علي السواء.

.....

لقد تسرع سبيك في استنتاجاته

...

وكان الضروري أن يحسم الأمر بين سبيك وبيرتون ويدعو الجمعية إلي عقد اجتماع بين سبيك وبيرتون.

ويحدد الموعد بالفعل تحت عنوان:

مبارزة النيل

و..... يقف بيرتون متحفزا في انتظار سبيك ولكن الأمر ينتهي بمأساة لاتزال أسبابها غامضة حتي الآن..

ما تلك المأساة وأسبابها وتداعياتها

هذا موضع المقال القادم ولكن:

هؤلاء المكتشفين بأحلامهم الرومانسية وطموحاتهم ورحلاتهم التي تواجه من المخاطر ما لم يكن يتخيله وقتها بشر... كان همس الأمواج الساحر... ومياهه التي تنساب عبر آلاف السنين من المجهول وقتها وتكاد تخترق القارة المظلمة بأكملها والتي تنبع من الغموض وحده... هم في النهاية من يكتشفون للعالم أسرار هذا النهر بل الحلم بل التحدي .... النيل

...

أهم المراجع

.. النيل الأبيض - آلان مورهين

    الاكثر قراءة