الإثنين 1 يوليو 2024

ديوان العرب| نَحنُ الفِداءُ فَمَأخوذٌ وَمُرتَقِبٌ.. قصيدة البحتري

البحتري

ثقافة29-6-2024 | 10:11

فاطمة الزهراء حمدي

تُعد قصيدة «نَحنُ الفِداءُ فَمَأخوذٌ وَمُرتَقِبٌ» للشاعر البحتري، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.

ويعرف «البحتري» بأنه أحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «نَحنُ الفِداءُ فَمَأخوذٌ وَمُرتَقِبٌ».

 تعتبر قصيدة «نَحنُ الفِداءُ فَمَأخوذٌ وَمُرتَقِبٌ»، من أجمل ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 33 بيتًا، تميز شعره بالإيقاع الهادي، والوضوح الشعري، والابتعاد عن التعقيد المبتذل.

وإليكم القصيدة..

نَحنُ الفِداءُ فَمَأخوذٌ وَمُرتَقِبٌ

يَنوبُ عَنكَ إِذا هَمَّت بِكَ النُوَبُ

قَد قابَلَتكَ سُعودُ العَيشِ ضاحِكَةً

وَواصَلَتكَ وَكانَت أَمسِ تَجتَنِبُ

وَنِعمَةٌ مِن أَمينِ اللَهِ ضافِيَةٌ

عَلَيكَ في رُتبَةٍ مِن دونِها الرُتَبُ

تَمَلَّها يا أَبا أَيّوبَ إِنَّ لَها

عِزَّ الحَياةِ وَفيها الرُغبُ وَالرَهَبُ

كَم مِن رَجاءٍ غَداةَ اِقتَدتَ جِريَتَها

قَد شُدَّ فيها إِلَيكَ الدَلوُ وَالكَربُ

ما لِلَّيالي أَراها لَيسَ تَجمَعُها

حالٌ وَيَجمَعُها مِن جَذمِها نَسَبُ

ها إِنَّها عُصبَةٌ جاءَت مُخالِفَةً

بَعضٌ لِبَعضٍ فَخِلنا أَنَّها عُصَبُ

وَنَعذُلُ الدَهرَ أَن وافى بِنائِبَةٍ

وَلَيسَ لِلدَهرِ فيما نابَنا أَرَبُ

الحَمدُ لِلَّهِ حَمداً تَمَّ واجِبُهُ

وَنَشكُرُ اللَهَ شُكراً مِثلَ ما يَجِبُ

أَرضى الزَمانُ نُفوساً طالَ ما سَخِطَت

وَأَعتَبَ الدَهرُ قَوماً طالَ ما عَتِبوا

وَأَكسَفَ اللَهُ بالَ الكاشِحينَ عَلى

وَعدٍ وَأَبطَلَ ما قالوا وَما كَذَبوا

لِتَهنِكَ النِعمَةُ المُخضَرُّ جانِبُها

مِن بَعدِ ما اِصفَرَّ في أَرجائِها العُشُبُ

وَكانَ أُعطِيَ مِنها حاسِدٌ حَنِقٌ

سُؤلاً وَنَيَّبَ فيها كاشِحٌ كَلِبُ

فَمِن دُموعِ عُيونٍ قَلَّما دَمَعَت

وَمِن وَجيبِ قُلوبٍ قَلَّما تَجِبُ

عافوكَ خَصَّكَ مَكروهٌ فَعَمَّهُمُ

ثُمَّ اِنجَلى فَتَجَلَّت أَوجُهٌ شُحُبُ

بِحُسنِ رَأيِ أَميرِ المُؤمِنينَ وَما

لِصاعِدٍ وَهوَ مَوصولٌ بِهِ نَسَبُ

ما كانَ إِلّا مُكافاةً وَتَكرِمَةٍ

هَذا الرِضا وَاِمتِحاناً ذَلِكَ الغَضَبُ

وَرِبَّما كانَ مَكروهُ الأُمورِ إِلى

مَحبوبِها سَبَباً ما مِثلَهُ سَبَبُ

هَذي مَخايِلُ بَرقٍ خَلفَهُ مَطَرٌ

جَودٌ وَوَريُ زِنادٍ خَلفَهُ لَهَبُ

وَأَزرَقُ الفَجرِ يَأتي قَبلَ أَبيَضِهِ

وَأَوَّلُ الغَيثِ قَطرٌ ثُمَّ يَنسَكِبُ

إِنَّ الخَليفَةَ قَد جَدَّت عَزيمَتُهُ

فيما يُريدُ وَما في جِدِّهِ لَعِبُ

رَآكَ إِن وَقَفوا في الأَمرِ تَسبِقُهُم

هَدياً وَإِن خَمَدوا في الرَأيِ تَلتَهِبُ

كَأَنَّني بِكَ قَد قُلِّدتَ أَعظَمَها

أَمراً فَلا مُنكَرٌ بِدعٌ وَلا عَجَبُ

فَلا تَهُمُّ بِتَقصيرٍ وَلا طَبعٍ

وَلَو هَمَمتَ نَهاكَ الدينُ وَالحَسَبُ

قَلبٌ يُطِلُّ عَلى أَفكارِهِ وَيَدٌ

تُمضي الأُمورَ وَنَفسٌ لَهوُها التَعَبُ

وَقاطِعٌ لِلخُصومِ اللُدِّ إِن نَخِبَت

قُلوبُهُم فَسَرايا عَزمِهِ نُخَبُ

لا يَتَحَظّى كَما اِحتَجَّ البَخيلُ وَلا

يُحِبُّ مِن مالِهِ إِلّا الَّذي يَهِبُ

حُلوُ الحَديثِ إِذا أَعطى مُسايِرَهُ

تِلكَ الأَعاجيبَ أَصغى المَوكِبُ اللَجِبُ

لَولا مَواهِبُ يُخفيها وَيُعلِنُها

لَقُلتُ ما حَدَّثوا عَن حاتِمٍ كَذِبُ

يا طالِبَ المَجدِ لا يَلوي عَلى أَحَدٍ

بِالجِدِّ مِن طَلَبٍ كَأَنَّهُ هَرَبُ

إِسلَم سَلِمتَ عَلى الأَيامِ ما بَقِيَت

قَرارِنُ الدَهرِ وَالأَيامُ وَالحِقَبُ

وَلا أَمُنُّ عَلَيكَ الشُكرَ مُتَّصِلاً

إِذا بَعُدتُ وَمَنّي حينَ أَقتَرِبُ

وَما صَحِبتُكَ عَن خَوفٍ وَلا طَمَعِ

بَلِ الشَمائِلُ وَالأَخلاقُ تَصطَحِبُ