الإثنين 1 يوليو 2024

ثورة 30 يونيو.. وإنقاذ الهوية المصرية


د. عبد الواحد النبوي

مقالات29-6-2024 | 13:26

د. عبد الواحد النبوي

إن المتفحص لرحلة المصري منذ اقدم العصور يجد أنه استطاع بناء هوية متفردة ومتميزة لمصر على مر تاريخها العريض وهذه الهوية فاقت بها مصر كل من جاورها وكلما أصابها انكسارات زادتها تمسكا بهويتها وشخصيتها وحضارتها.

فعلى أرض مصر نشأ الضمير الإنساني كما قال جيمس هنري برستيد عالم المصريات الشهير الذي قال:"إن ضمير الإنسانية بدأ في التشكل في مصر قبل أي بلد في العالم وأن الأخلاق والانحياز المطلق للاستقامة كانت حاكمة لحياة المصري القديم في البيت والعمل وممارسة الحكم" وبدا أن هوية مصر أكثر تماسكا بقيمها المرتبطة بقدسية الأرض والفكر والثقافة والإرث الحضاري والنسيج الواحد ومنظومة القيم.

ظل ميراث المصري القديم ينتقل من جيل إلى جيل ويعتصم به كل جيل وهو يبني حضارته ويتميز به عن غيره وأبدع في نتاجه الحضاري، وصار جزءا من هويته تقدمه في العمارة والعلوم ومحددات تحركه في جواره الجغرافي.

ولقد تعرضت مصر لفترات ضعف استغلتها قوى خارجية فاستباحت أرض مصر لفترات قليلة من تاريخها، لكنها عجزت عن أن تمس مكونات هويتها أو تغير منها، فالهكسوس في مصر القديمة تواجدوا في شرق الدلتا لما يقرب من مائة عام، عبدوا آلهة المصريين وقلدوهم في الفن والألقاب وكثير من أمورهم الحياتية إلا أنهم فشلوا في تغيير مفردات الهوية المصرية أو أن يكونوا جزءا منها أو يأثروا فيها، ومثل الهكسوس الكوشيين والأشوريين الذين استقروا بمصر سنوات معدودة، والفرس الذين احتلوا مصر في أواخر عصر الأسرات وعلى فترات متقطعة، حاولوا أن يكونوا جزءا من الحياة المصرية وإدخال الكثير من التغيرات في ثقافة المصريين إلا أن المصريين تمسكوا بهويتهم التى ظلت حائطا صلبا لم تتغير بل قامت بسببها الثورات المتوالية على الفرس، حتى اندحر وجودهم في مصر الذي استمر ما يقرب من مائتي سنة، ولم يعد أحد يتذكر شيئا لتلك الأجناس إلا من خلال كتب التاريخ.

وقبل أن يصل الاسكندر الاكبر إلى مصر كان اليويانيون يتعاملون مع مصر على أنها مصدرا للمعرفة والحكمة وقد قال هيرودت إن اليونانيين عرفوا "الدين" من المصريين، وكانت مصر القديمة صاحبة سبق في العلاقة مع جنوب أوربا، والتي لم تكن تجارية فقط بل كانت حركة الثقافة والعلوم أكثر رواجا وتفاعلا فشعب مصر كان لديه الكثير ليقدمه للعالم.

وصل جيش الإسكندر الأكبر إلى مصر في وقت كانت مصر تعاني ضعفا عسكريا ولم يكن ضعفا حضاريا فما أنجزه المصري القديم متواجد في كل أقاليم مصر وأثره واضح في المنطقة، ولم يستطع الإسكندر الأكبر ولا خلفاؤه من بعده ولا الرومان الذين أتوا وراءهم أن يعيدوا صياغة الهوية المصرية التى ظلت محتفظة بكل مقوماتها، بل قامت الثورة تلو الأخرى ضد الرومان الذين اضطهدوا المصريين ومارسوا ضدهم أبشع أنواع العنف، الذي ازداد عندما اختاروا المسيحية دينا ووصل الحد من الاضطهاد والتعذيب في عهد الإمبراطور دقلديانوس أن عرف عصره بعصر الشهداء حيث فقدت مصر 800 ألف شهيد مسيحي، وعصر الرومان بصفة عامة تمحور حول الاستفادة القصوى من إمكانيات مصر الاقتصادية لخدمة الامبراطورية لذا ظلوا بعيدا عن الهوية المصرية ومكوناتها واحتفظت مصر بخصائصها الحضارية التى توارثها المصري جيلا بعد جيل.

وعندما دخل الاسلام مصر زاد من منظومة القيم التى تحكم حياة المصريين ولم يتدخل العرب في تلك المحددات فنمت شخصية مصر وحافظت على أركان هويتها وإرثها الحضاري والثقافي الذي تميزت به وهو ما جعلها تقف صامدة أمام جحافل جيوش الحروب الصليبية والغزو المغولي الذي دمر حضارات عدة في طريقه لمصر التى هزمته، ورغم أنها وقعت تحت الاحتلال العثماني أكثر من ثلاثمائة سنة إلا أنها لم تغير تمسكها بأرضها ولا لغتها ولا وسطيتها ولا موروثها الثقافي ولا تنوعها الفكري الذي يميز هويتها وشخصيتها، رغم ما عانته من مصاعب خلال تلك الفترة.

ومع تنامي موجة المد الاستعماري الأوروبيى في أواخر القرن الثامن عشر الميلاد وقعت مصر تحت احتلالين الأول من فرنسا عندما جاءت الحملة الفرنسية عام 1798 ورغم ما بذله الفرنسيون للتقرب من الشعب المصري إلا أن الشعب المصري ثار ثورة تلو ثورة ورفض وجودهم رفضا قاطعا على أرض مصر مما عجل بخروجهم بعد ثلاث سنوات فقط، أما بريطانيا ففي حالة من حالات الضعف التى أصابت مصر استمر الاحتلال  البريطاني ما يقرب من 74 منذ عام 1882 سنة وخرج البريطانيون ولا يتذكر المصريون من تاريخهم إلا كل ما يسوء بريطانيا ولم تمس هوية المصريين وخرجت مصر من تلك التجربة القاسية أكثر تمسكا بهويتها وصارت أكثر صلابة بعد تلك التجارب المريرة التي مرت بها عبر تاريخها.

مشروع الإخوان والهوية المصرية

إن من أسوء ما أجراه البريطانيون في بر مصر أنهم تعاهدوا ورعوا جماعة الإخوان التي نشأت في 22 مارس 1928، واستخدمت الدين لتحقيق مكاسب سياسية والوصول لسدة الحكم وأنشئت امتدادات خارج مصر، وفي سبيل ذلك كانت تخاطب العامة بأنهم مصلحون اجتماعيون يهدفون لخدمة المجتمع وعلى الجانب الخفي كان لها جهاز سري أو جناح العسكري لتنفيذ العلمليات الإرهابية والاغتيالات، ونشر الخوف، وللاستيلاء القسري على حكم البلاد في أقرب فرصة، وقد أسست الجماعة جوالة من الشباب وصل عددهم 75 الفا عام 1947 تم تدريبهم عسكريا، ومع الجوالة تأسس الجناح العسكري في عام 1940،  قال مصطفى مشهور مرشد الإخوان المشهور: "لن نحقق النصر إلا من خلال الإرهاب والتخويف، ويجب ألا نستسلم للهزيمة النفسية" وكان البنا يري أنه لابد من امتلاك قوتين قوة الوعظ وقوة السلاح.

وقد نفذ الجناح العسكري اغتيالات منها اغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في 24 فبراير 1945، والقاضي أحمد الخازندار في 23 مارس 1948، ورئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي 28 ديسمبر 1948 كما قاموا بتفجيرات في الإسكندرية والقاهرة أشهرها تفجير سينما مترو.

مع قيام ثورة 23 يوليو 1952 اختلف الإخوان مع قيادتها بل وحاولوا اغتيال عبد الناصر في المنشية في 1954، وكان ذلك بداية صفحات مظلمة في تاريخ الجماعة فلم يتهاون عبد الناصر معهم طوال فترة حكمه، فزادت كراهيتهم له حتى وقتنا الحاضر.

وعندما تولى أنور السادات الحكم كان يري أن إرث عبد الناصر القومي خلق طبقة وتأثيرا كبيرا في مصر والمنطقة ورأى أن إطلاق العنان للتيارات الاسلامية قد يقضي على تيار القومية والاتحاد الاشتراكي باعتبار أن العاطفة الدينية عند الشعب المصري أقوى من العاطفة القومية، ولم يكن يدرك أن ورقة التيارات الإسلامية بمثابة اللعب بالنار وكان هو أو المضارين منها.   

ومنذ عام 1976 تقريباً، كانت الكيانات الإرهابية تعمل تحت اسم الجماعة الإسلامية، وظلت كذلك حتى اختلفوا فيما بينهم بعد اغتيال السادات وفشلهم في الاستلاء على الحكم حيث لم يخرج إلا أعضاء الجماعة الإسلامية وتركهم الإخوان وحدهم وهو ما جعل الرئيس مبارك يضع أعضاء الجماعة الاسلامية والجهاد في السجون بسبب ممارستهم الإرهاب الدموي بقوة مثلما حدث في مدينة الأقصر عام 1997، وسمح للإخوان بممارسة العمل الاجتماعي بل والمشاركة في الانتخابات البرلمانية، ورغم ذلك لم يتخل الإخوان عن مشروعهم السياسي ولا جناحهم العسكري.  

وفي عام 1982، وضعت الجماعة الإرهابية خطة طويلة الأجل واستراتيجية متعددة المراحل للسيطرة على مواقع القوة الإقليمية بالتسلل إلى مراكز قيادية داخل مؤسسات الدولة فيما يعرف بالتمكين، وطوال عهد مبارك كانوا يحققون مكاسب ويعبرون أحيانا عن ما لديهم من قوة سواء في الحياة السياسية بالتحالف مع الاحزاب مثل الوفد والعمل أو بما لديهم في قوة اقتصادية في شركات متعددة أو أحيانا باستعراض القوة مثلما حدث في العرض العسكري بجامعة الازهر عام 2006، وبدا للجميع أن الجماعة وحلفاءها قد زاد نفوذهم بشكل أصبح مهددا وخطرا على الهوية المصرية، خاصة مع ما كانت تقوم به الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد والجماعات الأخرى المنسلخة عنهم السائرة على دربهم من أنشطة في الدلتا وصعيد مصر.

كل ذلك كان ينطلق من أدبياتهم التي لا تؤمن بالهوية الوطنية المصرية ولا بمفرداتها، وتركز على أن مصر جزء صغير يجب أن تذوب هويته في مشروعهم الكبير.    

الشعب يدرك الخطر

منذ الانتخابات الرئاسية المصرية في 2005 كان واضحا أن السلطة الحاكمة لا تتجاوب مع تطلعات المصريين بقدر كاف، وهو ما ولد حركات احتجاجية ورفض للسياسات التي ينتهجها الحزب الحاكم وزادت حركات الرفض بعد نتائج انتخابات 2010 التي أفرزت مجلسا نيابيا لا يعبر عن تطلعات وآمال الشعب المصري ومع نسمات يوم 25 يناير 2011 سارت مصر في طريق آخر، إلا أن الجماعات الإرهابية المتربصة والأكثر تنظيما سرقت جهود المصريين وتصدرت المشهد وبدا تواجدها بشكل حاكم في الشارع المصري، فأخرجت قياداتها من السجون وأدخلت عناصر إرهابية للبلاد وأطلقت عناصر إجرامية من السجون وأحرقت أقسام الشرطة والسجون، ونزل الجيش المصري ليحافظ على الوطن

توحدت الجماعات الارهابية لإسقاط النظام لأنه مسألة حياة أو موت لهم لأن بقاءه يعني عودتهم إلى السجون، لذا هددوا كثيرا بإحراق مصر فتنحي الرئيس مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011، وسرعان ما اقتحموا مباني أمن الدولة واستولوا على الملفات والأسلحة والذخيرة وكل محتوياتها.

كان الإخوان يرون في تحالفهم مع الجماعة الاسلامية تقوية لمشروعهم ولاستخدام قوتهم بفضل خبرتهم السابقة في ممارسة العنف وبدا للمصريين أن بلدهم يراد بها شرا فالتحالف بين التيارات الإسلامية واضح وقوي والغنيمة هي مصر.

وأشعلت الجماعات الإسلامية الشارع المصري بالمظاهرات كل جمعة تحت مسميات متعددة بعضها مطالب فئوية وأخرى للتعجيل بتخلي المجلس العسكري عن إدارة شئون البلاد أو لمحاكمة المسئولين السابقين أو التخلص من بعض القيادات والشخصيات المؤثرة التي تقف حجر عثرة أمام مشروعهم مثل النائب العام عبد المجيد محمود أو شيخ الازهر الذين طلبوا بعزله ليتولى أحد رجالهم المنصب وغير ذلك الكثير.

وكان للجماعة وجهان الأول يقول مشاركة لا مغالبة لتستقطب بعض التيارات والشخصيات إلى جوارها وعند وقت العمل تتراجع عن كل وعودها مثال ما أعلنته أنها لن تحصل على الأغلبية في انتخابات مجلس الشورى وحصلت عليها وأنها لن تقدم مرشحا لانتخابات رئاسة الجمهورية وقدمت ومثل ذلك كثير....

أدرك الكثير من الشعب المصري أنهم أمام جماعة لا دين ولا عهد والتزام لها وأنها تنتهز الفرصة للانقضاض على مصر لتنفيذ مشروعها، الذي تعمل كوادرها على رسم الخطوات التنفيذية له كما فضحتهم بذلك وثائق ويكيليكس.

 وكانت أذرع الجماعه الإرهابية في سيناء تقوم بدورها فمنذ  5 فبراير 2011 قامت بتفجير خطوط الغاز بسيناء وبلغت عملياتهم نحو 15 عملية تفجير، ومنذ منتصف عام ٢٠١١ بدا بدأت تلك الجماعات باستهداف رجال الشرطة والقوات المسلحة وقدت بلغ عدد العلميات 25 علمية إرهابية، كرسائل تهديد واضحة للجميع، لذا كان الذهاب للانتخابات الرئاسية أفضل الحلول للحفاظ على مصر التي تتعرض لأكبر محنة مرت بها في تاريخها على يد أبنائها وليس أعدائها.

365 يوميا من الغباء تكشف المخطط

جرت الانتخابات الرئاسية في 2012 حفاظا على مصر من الدخول في صراع دموي كبير، وقد صدّق بعض المصريين كذب التيارات الإرهابية أنها قادرة على تقديم حلول لمشاكل مصر فأيدوا مرشحهم "الاستبن" وتحت التهديد بإحراق مصر أعلنت نتجة الانتخابات بفوز محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية.

سرعان ما انكشف الوجه الحقيقي لتلك الجماعة والتى سعت للانفراد بالحكم وأعلن قادتها أنهم جاءوا لحكم مصر لـ 500 سنة، وبدأوا سريعا بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة؛ فيما عرف بمصطلح "أخونة الدولة" فجاءت حكومة محمد مرسي خالية من أي حزب مدني أو تكتل وقف بجوارهم في الانتخابات ورويدا رويدا بدأوا بوضع رجالهم في مناصب رؤساء هيئات ومؤسسات الدولة، وعزلت مسئولين وولت رجالها مكانهم، وألحقوا أولادهم بأكاديمية الشرطة والكليات العسكرية وخططت للاستيلاء على الأجهزة الأمنية والرقابية وسمحت لمطلقي اللحي بالعمل في وزارة الداخلية، وفى مؤسسة الرئاسة فقط خلال حكم الإخوان، كان 8 من قيادات الجماعة يتولون مناصب قيادية داخل مؤسسة الرئاسة ويتولون الملفات على جانب عال من الخطورة تتعلق بالأمن القومي والعلاقات الخارجية، ووصل به الحال أن يعين محافظا للأقصر من أعضاء الجماعة الإسلامية المتهمين في مذبحة الأقصر عام 1997، ومن أهم الشخصيات التى هددت بفضح باقي جوانب هذا المشروع الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور السلفى، الذى قال نصًا: "سنقف لعملية أخونة الدولة بالمرصاد، وعلى جماعة الإخوان المسلمين بالكف عن إخفاء الحقائق التى يلمسها ويشاهدها عموم الشعب المصرى، وإلا سننشر ملف أخونة الدولة فى الإعلام تفصيليا إذا استمر هذا النهج".

وبعد تولى محمد مرسي الحكم استمر استهداف قوات الامغن والقوات المسلحة بـ 11عملية إرهابية وكان واضحا أن تلك العمليات تتم بالاتفاق مع جماعة الإخوان فاستغل محمد مرسي العملية الإرهابية في رفح في 5 أغسطس 2012 واستشهاد 16 ضابطا وجنديا وقام بإلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في 17 يونيو 2012، الذي يعطي الحق للمجلس الاعلي للقوات المسلحة في مناقشة الموازنة العسكرية وحق الاعتراض علي بعض بنود الدستور المقترحة وأعقب ذلك خروج المشير طنطاوي والفريق سامي عنان واللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة وتولى المشير عبد الفتاح السيسي منصب وزير الدفاع

وتعرض الشعب المصري لصدمة كبرى عندما رأي الاحتفالات بنصر أكتوبر وقائد النصر، يحضرها من اشتركوا في اغتيال هذا القائد حيث حضر الاحتفالات شيوخ الإرهاب على رأسهم عاصم عبد الماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية وطارق وعبود الزمر، وإعلن محمد مرسي الوقوف بجوار الثورة في سوريا "لبيك سوريا" - دون الرجوع للقوات المسلحة - وبعد هذا الإعلان انضم عدد كبير من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية إلى صفوف تنظيم داعش وتواصل محمد مرسي مع تنظيم القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، وأدرك الشعب المصري أنه ليس هناك عقل يدير مصر وأن الجماعة وحلفاءها فقدوا بوصلة المصالح الوطنية في إدارة المشهد المصري.

استمر محمد مرسي وجماعته في مسلسل التمكين فأصدر في نوفمبر 2012 إعلانًا دستوريًا، للاستبداد بالسلطة وأبرز ما جاء فيه: "إن الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة فى 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء، وتنقضى جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية"، بالإضافة لتعيين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فوري، ولا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور.

وبناء على ذلك تم عزل النائب العام عبد المجيد محمود وجاء مرسي بنائب خاص دون أدنى تشاور مع المجلس الأعلى للقضاء، ليكون أداة الإخوان ضد معارضيهم، وشكل لجنة تأسيسية من رجالهم وحلفائهم في التيارات الإرهابية لوضع دستور جديد للبلاد، وقام أنصار الجماعة بمحاصرة المحكمة الدستورية لمدة ستة أسابيع حتى لا تصدر حكما ببطلان كل من الإعلان الدستوري وتشكيل اللجنة التأسيسية، ولم يتم فك الحصار إلا بعد الاستفتاء على الدستور لذا لم يكن لحكم المحكمة أثر.      

غضب المصريون وخرجوا للتظاهر أمام قصر الاتحادية رفضا للإعلان الدستوري ولسياسات الجماعة فقام أنصارها بمهاجمة المتظاهرين وسقط شهداء ومصابون ولم يتدخل محمد مرسي وزاد إدراك المصريين أنه ليس رئيسا لكل المصريين وإنما رئيس للجماعة ومن تحالف معها.

وجاء الدستور الذي وضعه الإخوان ملائما لمشروعهم في كل مواده فانتقص من عمل المؤسسات والمساواة بين الرجل والمرأة والحريات العامة والمحكمة الدستورية وغيرذلك كثير.

واستخدمت جماعة الإخوان ازدراء الأديان كسلاح ضد خصومها، كما عملت على تقليص ميزانية وزارة الثقافة والسيطرة على وزارة الشباب والصحف القومية والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والنقابات العمالية ومحاربة النقابات العمالية المستقلة، وممارسة الترهيب والترويع لوسائل الإعلام بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي، والمثقفين المعتصمين أمام وزارة الثقافة.

وازدادت الجماعة وممثلها في القصر الجمهوري شططا فأصدر عفو رئاسي عن أكتر من 810 إرهابيين وتاجر سلاح وأعمال بلطجة وتجار مخدرات ومخربين وقتلة خلال الفترة من منتصف يولية 2012 الي 1 يناير 2013، ومنح الجنسية المصرية لـ3000 فلسطيني أغلبهم من المنتمين للجماعة والمتحالفين معها،

وكانت الاجتماعات التي تعقد داخل القصر الرئاسى فى عهد محمد مرسى، بحضور أعضاء مكتب الإرشاد يترأسها مرشد الاخوان دون أدني اعتبار لمنصب رئيس الجمهورية، وكانت القرارات التي يصدرها محمد مرسى كانت تذهب أولا لمكتب الإرشاد، مثل: حركة المحافظين والتعديلات الوزارية

وزاد نفوذ قطر وتركيا وإيران في مصر بشكل كبير وملحوظ وقد حصلت كل منها على مزايا بوجود الاخوان في حكم مصر فقد تم إعفاء المنتجات التركية من الجمارك وتوسعت في مصر توسعا كبيرا وإيران التي بينها وبين مصر ملفات عالقة لإعادة العلاقات معها استقبل محمد مرسي رئيسها استقبال الفاتحين وفتحت السياحة بابها أمام الإيرانيين على مصراعيها وهى الدعوة التى لاقت هجوما شديدا، خوفا من تمدد الفكر الشيعى لمصر أما نفوذ قطر فقد زاد بشكل ملحوظ خاصة بعد الاستدانة منها.

وراودت الإخوان فكرة تكوين حرس ثوري على غرار الحرس الثوري الإيراني فأفشلتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى.

ثورة 30 يونيو تنقذ هوية مصر

إن 365 يوما عصيبا أربكت العقل المصري ووضعت الهوية المصرية على المحك وبدا أن استمرار الجماعة في الحكم أكثر من ذلك سيدخل مصر تجربة لم تمر بها عبر تاريخها ولا يعرف أحد نتائجها، لذلك تحرك المصريون لإعادة الامور إلى مسارها الطبيعي ونشأت حركة تمرد في الشارع المصري ومؤسسات الدولة تطالب بعزل محمد مرسي من منصب رئيس الجمهورية حيث لم يعد في القوس منزع.

خلال السنة التي كان يحكم فيها الاخوان مصر لم تكن الاحداث تمر عليهم سهلة ميسرة، فقد كان هناك حراك مضاد في الميادين والصحف والإعلام والمؤسسات وكانت قواتنا المسلحة بقيادة قائدها ترسل رسائل الأمان والطمأنينة للشعب المصري، أن قواته المسلحة لن تتركه فريسة لمخططات الجماعة الارهابية كان ذلك يحدث بين الحين والآخر، وفي مناسبات متعددة، وفي 26 أبريل 2013 اجتاحت الشعب المصري حركة لجمع توقيعات تتمرد على حكم الجماعة وتطالب بعزل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية جديدة بجمع 15 مليون توقيع أكثر من 13 مليون صوت حصل عليهم مرسي في الانتخابات على أن يكون ذلك قبل يوم 30 يونيو 2013 وهو نهاية العام الاول لمرسي في الحكم ونجحت حركة تمرد في جمع 22 مليون توقيع.

وفي 23 يونيو حذرت القوات المسلحة الجماعة والاطراف السياسية من مخاطر ما يحدث في الشارع المصري، فاستمرت الجماعة في العناد ونزل الشعب المصري إلى الميادين في 30 يونيو وطالب القوات المسلحة بالنزول على رغبة الشعب وعزل مرسي والدعوة لانتخابات رئاسية جديدة.

أمهل وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي، محمد مرسي 48 ساعة، لتلبية مطالب الشعب، ووضع حد للفوضى التي تسببت فيها الجماعة، وكفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخي الذي يمر به الوطن، الذي لن يتسامح أو يغفر لأي قوى تقصر في تحمل مسئولياتها.

وكان رد الجماعة أن أذاع "مرسي" في 2 يوليو 2013، خطابا كرر فيه كلمة "الشرعية" عشرات المرات، وهي كلمة السر لنزول الإخوان وأنصارهم إلى الشوارع في منطقة بين السرايات والكيت كات وبعض المناطق الأخرى، واشتبكوا مع الأهالي ونتج عن ذلك مقتل 19 مصريًا وإصابة 200 آخرين.

بيان القوات المسلحة 3 يوليو 2013 واستعادة مصر

لم تكن مهلة 48 ساعة قد انتهت عندما أذاع مرسي بيان الشرعية وأن حياته فداء للشرعية لذا اجتمع قادة القوات المسلحة بالرموز الوطنية وأمين حزب النور وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة ودعي سعد الكتاتني رئيس حزب الإخوان للحضور فرفض، وبعد مناقشة الموقف كاملا اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن  تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، ويؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة المرحلة الحالية، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور الذي أعده الإخوان وسرعة إقرار قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، ووضع ميثاق شرف إعلامى وتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية.

وعمت مظاهر الفرح أنحاء مصر وهو لم ترض عنه الجماعة الإرهابية وحلفاؤها؛ فبعد البيان اشعلت أحداث العنف في كرداسة، ووقعت ما عرفت بـ"مذبحة كراداسة" التي راح ضحيتها 11 من الضباط والجنود.

وتوالت أحداث العنف والإرهاب في جميع أنحاء مصر ففي 5 يوليو 2013 شهدت منطقة سيدي جابر بالإسكندرية اندلاع أعمال عنف وإرهاب من قبل مؤيدي المعزول، وتم إلقاء أطفال من فوق سطح إحدى العمارات في المنطقة، وذلك لأنه كان يحمل علم مصر ويعارض المعزول، وفي 8 يوليو قامت مجموعات كبيرة من الإخوان بمحاولة اقتحام مبنى دار الحرس الجمهوري زعمًا أن "مرسي" بداخل المبنى فهاجموه لإخراج المعزول، وأسفر ذلك عن مقتل 61 شخصا وإصابة 435 آخرين.

توالى العنف والإرهاب من الجماعة ومن ذلك أحداث مكتب الإرشاد، التي شهدت اشتباكات كبيرة مع أتباع الجماعة ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 91 آخرين، حيث تواجدت قناصة في مكتب الارشاد.

وهددت جماعة الإخوان الشعب المصري بمستقبل مفخخ حال عدم عودة محمد مرسى للحكم، وردد هذه التهديدات عاصم عبد الماجد، وصفوت حجازى، وفوزى السعيد السلفي الموالي للإخوان، وطارق الزمر، ومحمد البلتاجي الذي أعلن "أن العنف المستمر في شبه جزيرة سيناء سينتهي بمجرد عودة محمد مرسي للحكم" كل ذلك من على منصة الاعتصام بميدان رابعة العدوية.

وبعد فض اعتصام رابعة كشفت التحقيقات عن وجود تعذيب داخل الاعتصام الذي كان مسلحا، وذلك بعدما استمر قرابة 40 يومًا خلف وراءه مئات القتلى والمصابين، جراء العنف والتعذيب من قبل جماعة الإخوان طوال فترة وجودها بالميدان.

ولم تكن الجماعات الإرهابية بقيادة الإخوان تترك شيئا دون استهداف فقد استهدفت رجال الجيش والشرطة والمدنيين والبنية التحتية؛ مرافق الكهرباء والمياه والمنشآت ووسائل المواصلات والبنوك والمطاعم والمدارس والأماكن السياحية، وأحرقت أكثر من 86 كنيسة ودار عبادة في المنيا وأسيوط والفيوم، وكانت الجماعة وراء التفجير الانتحاري للكنيسة البطرسية بالعباسية، بالإضافة إلى نهب وتدمير متحف ملوي.

وفي أعقاب ثورة ٣٠ يونيو  زادت العمليات الإرهابية، واتسعت رقعتها تنفيذا لتهديد الجماعة الارهابية ووصل عدد العمليات الإرهابية خلال الفترة من ٤ يوليو ٢٠١٣ إلى ٧ يونيو ٢٠١٤ حوالي ٢٢٢ عملية إرهابية، وقد ازدادت تلك العلميات حتى أنهاها الجيش من خلال العلمية الشاملة، وقد حاولت الجماعة وحلفاؤها إنشاء جيش حر وأفشلت القوات المسلحة الأمر.

لقد كان بيان 3 يوليو 2013 الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي طوق النجاة لمصر من الدخول في حالة من الاحتراب الأهلي وفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات مظلمة لا يعلم نهايتها إلا الله، إلا أن القوات المسلحة وقادتها وضعوا أنفسهم درعا لحماية مصر وشعبها وهويتها من الضياع والمحافظة على تماسكها والانطلاق نحو تثبيت أركان الدولة ثم بناء الجمهورية الجديدة.