السبت 5 اكتوبر 2024

إبداعات الهلال.. «قصر حور» قصة قصيرة لـ عبدالعليم مبارك

عبدالعليم مبارك

ثقافة7-7-2024 | 14:25

دار الهلال

تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "قصر حور" للكاتب عبدالعليم مبارك، وذلك إيمانا من المؤسسة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

نص القصة

حور بنت في عمر الزهور أكملت دراستها الثانوية لكنها لم تحصل على التخصص الذي أرادته منذ صغرها وهو التخصص في مجال الطب، اختارت كلية التجارة لكنها أصرت أن تحقق حلمها فسجلت في البكالوريا لسنة أخرى، فأصبحت بذلك تدرس الاثنين معًا، ولأنها تعلم جيدًا الوضع المادي لعائلتها والذي لا يسمح بكل هذه المصاريف ما كان لها إلا أن تخرج للعمل  وبالفعل هذا ما فعلته على الفور.

خرجت في البحث عن عمل بدوام جزئي حتى يتسنى لها الدراسة والعمل معًا، وبعد أيام من البحث والتقديم على وظائف مختلفة تمت مقابلتها بسلام، وتم قبولها كعاملة في محل للملابس النسائية، كان يومها يمضي وهي تركض بين المحاضرات، وفسحة الغداء، والركض وراء الباص؛ للحاق بدوامها في موعده، أما أيام الإجازة فهي أوقات دراسة محددة لحور والجهاد الأكبر لها؛ لتحقيق حلم الطب هذا العام بإذن الله.

في أحد الأيام وبينما كانت حور البنت المجاهدة ترتب القمصان، وتعدل منظر  الملابس الموجودة على واجهة المحل إذا بسيارة فاخرة تتوقف عند باب المحل كانت فيها امرأة تلبس أغلى الماركات وأجمل الملابس تجري اتصالا هاتفيا لوقت قصير ثم أقفلت المكالمة ونزلت للتسوق من المحل، أول مرة ترى حور مثل هكذا بشر فهي لم ترَ أبدًا في حياتها من قبل شخصًا ثريًا أمامها تراهم فقط في الأفلام والمسلسلات.

نزلت السيدة بعد أن فتح لها سائقها الخاص باب السيارة وما إن دخلت حتى ركضت صاحبة المحل تأهل وترحب وتدعوها للجلوس والراحة، طلبت من موظف لها أن يذهب بسرعة ويحضر لها كوبًا من العصير الطازج؛ لتشربه أثناء تجولها في المحل كي لا تشعر بالملل،  وأمرت حور أن تساعدها إن أرادت أي شيء وأن تسايرها في كل شيء.

بالطبع ما كان لحور غير السمع والطاعة وكموظفة بدأت تحضر كل ما قد يعجب السيدة، وتضع البضائع على أشكالها وأنواعها، واختلاف ألوانها أمامها على أمل أن تشتري أكبر قدر ممكن منها وبالتالي فهذه استفادة كبيرة للمحل.. زبونة كهذه تغني عن عشرات الزبائن اليومية المزعجين.

في أثناء تواجد السيدة في المحل كانت ترى طريقة تعامل صاحبة المحل مع الموظفة حور وكانت تستنكر تصرفاتها لكنها صدمت بردود فعل حور التي كانت صامتة وصامدة لا ترفع صوتها ولا تتأفف من كثرة الأوامر والواجبات الموكلة لها، أعجبت السيدة بشخصية حور الهادئة وعرفت أن هذا يؤكد على وجود ظروف دفعتها إلى تحمل كل هذا العناء، مرت الزيارة بسلام وتوادعا الصديقتان وذهبت السيدة إلى منزلها لكنها لم تنس أبدًا لطافة وحسن تعامل البنت الهادئة حور.

بعد فترة من الزمن اتصلت وطلبت بعض الأغراض من محل الملابس ذاته لكنها طلبت أن توصله إياها الموظفة حور دون عن البقية، استغربت صاحبة المحل من هذا الموضوع فهي عادة أما أن تبعث أحد موظفيها يستلم الأغراض وإما أن تأتي بنفسها لترى وتتفحص وتختار على ذوقها، وصلت حور بالأغراض بعد جهد في البحث عن منزل السيدة الغنية، استغربت عندما رأتها تستقبلها في منزلها بنفسها؛ فهي تسكن في قصر ولها خدم وحشم ولا ينقصها شيء.

سلمت عليها ودخلت استقبلتها السيدة بلطف ومحبة وعرضت عليها تناول فطور الصباح معًا فهي لم تحضر بمشاركة أحد معها أي وجبة منذ زمن طويل وذلك لأنها لم ترزق بأولاد وزوجها منشغل طول النهار ولا يرجع للمنزل إلا نادرًا، قبلت حور العرض كيف لا وهي التي لم تفطر صباحًا؛ لأنها كانت مستعجلة وزيادة عن ذلك فقد أغرتها السفرة الملكية المجهزة مسبقًا والتي كانت في انتظارها.

بدأت حور بالأكل وبدا عليها أنها  تستمتع بالأكل حيث كانت تجرب هذا وتضع هذا أمامها وتطلب المزيد من الشاي، فرحت السيدة بتعامل حور بطريقة عفوية ما يدل أنها مرتاحة وسعيدة أنها في ضيافة هذه السيدة، أكملا فطور الصباح وجلسات تتحدثان طلبت السيدة أن تحكي لها حور عن حياتها وكيف تعيش وكل شيء يخصها.

بدأت حور تحكي وتعرف بنفسها وعائلتها وتخصصها وعملها..

بعد كلام كثير وحديث طويل عرفت السيدة أن حور لم تحظا بعمل مريح، وأنها مطالبة بذلك وأيضًا تستحق راحة أكبر وكان لابد عليها أن تساعدها بأي طريقة وعرضت على حور المساعدة لم تفهم حور ما كانت تقصده السيدة الغنية بالمساعدة لكنها رأت فيها حبًا وتعاكفًا فقبلت على الفور دون طلب أي تفسير.

بالطبع لم تتأخر السيدة بل رفعت السماعة لتتصل بالمحل وإذا بصاحبته ترد مباشرة وتطلب الموظفة؛ لأنها تأخرت ولا يزال لديها الكثير من الأعمال التي لابد أن تقوم بها وهي تنتظرها.

تأسفت السيدة من صاحبة المحل؛ لأنها أطالت الحديث مع حور واعتذرت منها؛ لأنها لم تتناقش معها سابقًا في هذا الموضوع وهو أنها وظفت حور  عندها كمساعدة منزلية ولن تحتاج إلى العودة إلى ذلك المحل ولا لتلك السيدة المتجبرة مرة أخرى.

بدأت حور العمل في وظيفتها الجديدة لم تكن تتعب بالقدر الذي يعرفه الجميع عن موظفين البيوت بل على العكس كانت تشرف على الخدم وتشارك في إبداء الرأي في تغيير ألوان وديكورات القصر والأكل المعد خلال اليوم، وكانت ترافق أحد الموظفين إلى المحلات؛ لاقتناء الخضر والفواكه وغيرها وتسمع المدح في كل مرة كانت تبدع في شيء بل وتأخذ مكافئة على ذلك، وكما هو معروف لدى الجميع زوج السيدة يغيب كثيرًا عن المنزل ولا يعود في بعض الأحيان أيامًا.

مما جعل هذا أمرا طبيعيًا حتى زوجته لم تعد تدقق على مواعيد خروجه أو عودته إلى المنزل، ولا تكلف على نفسها البحث وراءه أو التشكيك فيه.. وجود حور في ذلك القصر أعاد الروح إليها فحور بنت مرحة ونشاطها عالي ومحبة للحياة ومجتهدة في كل أعمالها سواء الدراسية أو الأعمال المنزلية الموكلة إليها.

بعد أيام من توظيف حور تعرفت أخيرًا على زوجها والذي كان غريب الأطوار غاضبًا أغلب الأوقات لا يسمح لأحد بأن يناقشه حاد الطباع على عكس زوجته تمامًا،شيء فشيء بدأت حور تتعرف على شخصية الزوج الغامض وترى منه بعض التصرفات الغريبة ولكن  الغريب في الموضوع أن زوجته دائمًا ما تقول لحور أنه لم يكن كذلك فعندما تزوجا كان زوجًا رائعًا وشريكًا مميزًا بكل ما تعنيه الكلمة لكن الأموال كانت تغير منه شيئًا فشيئًا، فكلما ازددنا ثراء ابتعدنا عن بعضنا أكثر، ولأن السيدة سابقة بالخير مع حور قررت حور أن تبحث وتتحقق من شخصية الزوج الغامض.

صحيح أنها وجدت صعوبة في بداية الأمر؛ لأنها لا تراه إلا نادرًا لكنها كانت تراقبه في كل حركاته وسكناته حتى أنها حفظت كلمة السر الخاصة بهاتفه وبعض الأمور التي يهتم بها وأسماء بعض أصدقاءه دائم التواصل معهم.

في أحد الأيام سمعته حور يتحدث عن موضوع معين وكان حول مزارع أو ما شابه لم تهتم كثيرًا لكنها كانت مكالمة مشفرة ما دل على أن الموضوع بعيد كل البعد عن ما يقوله من كلمات عادية بسيطة، انتظرت وانتظرت حتى انفصل عن جواله أخيرًا وأخدت تفتش الجوال وما هي إلا دقائق حتى وجدت صورًا في محادثاته مع صديق له كانت صورًا وكلام يؤكد أنها ممنوعات.

انصدمت حور مما رأته فهي لم تتوقع أن يكون الأمر كذلك فأقصى ما كانت تتوقعه أن يكون خائن لزوجته مثلًا أو أنه قد تزوج من امرأة أخرى طمعًا في أن يرزق بأولاد، حور الآن أمام مشكلة كبيرة فإن سكتت فهي تسكت عن ظلم وجرم كبير وأن اختارت الإفصاح عما عرفته فهي لا تعرف لمن تقول فلم يكن في المنزل سوى الزوجة المسكينة وقد لا تتحمل الصدمة، وغالبًا ستطرد حور من عملها؛ لأنها تحب زوجها وتثق به ولا يمكن أن تتقبل أمرًا كهذا إلا بإثبات أمام عينيها.

بعد يوم طويل من العمل والدراسة أنهت حور آخر الأعمال وطلبت من السيدة أن تسمح لها بمغادرة المنزل؛ لأن الوقت تأخر وعليها الذهاب كما أنه لم يعد هناك شيء لفعله.. شكرت السيدة حور وسمحت لها بالمغادرة.

خرجت حور من المنزل واستقلت سيارة وتوجهت مباشرة إلى مركز الشرطة، وبدأت بالتحدث عما علمته وبالطبع كان معها أدلة؛ لأنها سبق وأن نقلت كل المحادثة والصور على هاتفها دون أن يعلم أحد وأعادت الهاتف إلى مكانه وكأنه شيئًا لم يكن.. طلبت الشرطة منها أن تراقب الوضع أكثر وزودوها بكاميرات مراقبة كان يجب عليها أن تضعها في أماكن متفرقة من المنزل، وقامت الشرطة بدورها بتتبع كل خطواته خارج المنزل.. وما هي إلا أيام قليلة حتى وقعت العصابة كلها في يد الشرطة.

يوم تنفيذ عملية تهريب الممنوعات طلبت حور من السيدة أن تتجول معها خارج المنزل وبدأت بالتحدث معها حول علاقتها بزوجها، وتمهد لها الطريق؛ لتخبرها أنه ليس الزوج الذي يستحقك وأنه رئيس عصابة خطيرة فهمت السيدة أن حور تخفي شيئًا لكنها لا تريد أن تتحدث عن شيء بشكل صريح.

فجارتها في كل كلامها حتى قالت لها:  أنه ملاحق من طرف الشرطة ومن الأحسن أن نرى ماذا يحدث عن كثب؟ وفعلًا ركبا في سيارة شرطة ورأت كل شيء بأم عينيها ما لم يدع مجالًا للشك، بل واعترفت أخيرًا أنها كانت تحس بذلك لكنها كانت تكذب إحساسها؛ لأنها تحبه ولا تريد أن تخسره.

تم القبض على العصابة بنجاح وأخذ جزاءه والآن تعيش السيدة مع حور التي أصبحت صديقتها المقربة في قصرها وأحضرت أهلها للعيش معها؛ فهو قصر كبير وقررت السيدة أن تكتب القصر باسم حور حبًا لها وكثرة الناس الطيبين فيه هو ما يجعل له حياة.. وأغلقت صفحة معاناة لتفتح بعدها صفحة الطالبة المجاهدة حور التي تحصلت على علامات عالية ومجموع ممتاز أهّلها بجدارة أن تكون طالبة طب.. الحلم الذي كانت تحمله معها دائمًا.