الأربعاء 17 يوليو 2024

ترسيخ الصورة الذهنية الإيجابية باستخدام الذكاء الاصطناعي


الدكتور محمد خليف

مقالات12-7-2024 | 20:55

د. محمد خليف كاتب مصري

الثقافة والهوية هما أساس وجود أي مجتمع، حيث تعكسان تاريخه، قيمه، وتراثه. في الوقت الحالي، تعد التكنولوجيا، خاصة الذكاء الاصطناعي (AI)، أداة قوية يمكنها تعزيز الهوية الثقافية ونشرها بطرق جديدة ومبتكرة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في حفظ التراث الثقافي، تعزيز الإبداع، وتوسيع الوصول إلى الفن والثقافة المصرية عالميًا كما أنه يمكن ان يستخدم كأداة لقتل الثقافة وإحداث تأثير سلبي في المجتمع.

أهمية الثقافة

تعرف الثقافة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأنها مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً أو فئة اجتماعية.

وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة وحقوق الإنسان والنظم القيمية والتقاليد والمعتقدات ولذلك فإن الثقافة تلعب دورًا حيويًا في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم الاجتماعية. حيث إنها تعكس تاريخ الأمة، تراثها، وعاداتها، وتسهم في توحيد الناس وإلهامهم.

ويمكن للثقافة أن تكون قوة دافعة للتغيير الاجتماعي الإيجابي من خلال تعزيز الوعي والتعليم، وتحفيز الإبداع والابتكار، وتشجيع الحوار والتفاهم بين الشعوب والثقافات المختلفة وخلق مجتمعات أكثر تسامحًا وتعاونًا.

وتسهم في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء، والابتكار والإبداع في جميع مجالات الحياة، مما يؤدي إلى تقدم المجتمع، وتجاوزه للعديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية.  
طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي
"الذكاء الاصطناعي هو التكنولوجيا الأكثر تطورًا التي نعمل عليها، وسيغير مستقبل البشرية بشكل لا يمكن تصوره".

كما قال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا وسبيس إكس، هذه التقنية تمكنت من تجاوز الحدود التقليدية للإبداع البشري، مما أثار إعجاب الكثيرين وأثار أيضًا مخاوف بشأن تأثيرها على المجتمع.
شهد الذكاء الاصطناعي التوليدي طفرة هائلة في السنوات الأخيرة، حيث أصبح قادراً على إنشاء نصوص، وصور، وموسيقى، وحتى برمجيات بشكل تلقائي. وتعتمد هذه التكنولوجيا على تقنيات التعلم العميق والشبكات العصبية التوليدية، مما يتيح لها إنتاج محتوى يتسم بالإبداع والدقة.

وأثرت هذه الطفرة على المجتمع بطرق عديدة، منها تحسين الكفاءة والإنتاجية في العديد من الصناعات مثل الإعلام والترفيه والتعليم. مثلاً، يمكن للصحفيين والكتّاب الآن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء مسودات مقالات بسرعة، مما يوفر الوقت والجهد.
ومن جهة أخرى، قال كلاوس شواب، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، "الذكاء الاصطناعي يمثل قوة دافعة رئيسية في الثورة الصناعية الرابعة"، مشيرًا إلى التغيرات الكبيرة التي يجلبها على الاقتصادات والثقافات العالمية.

هذا يشمل تأثيره على سوق العمل، حيث يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل بعض الوظائف التقليدية، مما يستدعي ضرورة تطوير مهارات جديدة للعاملين.
على الصعيد الثقافي، يفتح الذكاء الاصطناعي التوليدي آفاقًا جديدة للإبداع الفني والأدبي، مما يتيح للفنانين والمبدعين استكشاف إمكانيات جديدة والتفاعل مع التكنولوجيا بطرق مبتكرة.
على الرغم من الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي التوليدي، فإنه يثير مخاوف جدية بشأن تأثيره على الإبداع البشري ومدى أصالة الإبداع. يقول ستيفن هوكينغ، "قد يكون الذكاء الاصطناعي أفضل أو أسوأ شيء يحدث للبشرية".

يشير هذا إلى القلق من أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يقلل من قيمة الإبداع البشري الأصلي. وهناك أيضًا قلق بشأن الخصوصية وحقوق الملكية. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي توليد محتوى مشابه للأعمال البشرية، مما يثير قضايا قانونية حول حقوق الملكية الفكرية.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يُساء استخدام الذكاء الاصطناعي للوصول إلى بيانات شخصية واستخدامها بطرق غير مشروعة، مما يهدد خصوصية الأفراد. وتتطلب هذه التحديات تطوير سياسات وتنظيمات قوية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بطرق تعزز الإبداع وتحمي حقوق الأفراد.


الصناعات الإبداعية الثقافية كجسر بين الماضي والحاضر والمستقبل


يمكن للصناعات الإبداعية والثقافية أن تكون جسرًا فعالًا بين الماضي والحاضر والمستقبل، من خلال ربط الثقافة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية الثقافية المستدامة. وهذا يتطلب الجمع بين التراث الثقافي والإبداع الرقمي الحديث المعتمد علي التكنولوجيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما يعزز الثقافة والابتكار في آن واحد. فعلي سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتوثيق التراث الثقافي والفني، مما يسهم في حفظه للأجيال القادمة.

ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الأعمال الفنية القديمة وتوفير رؤى جديدة حولها، مما يعزز التقدير والفهم للتراث ويساعد في تطوير أشكال مختلفة مثل برامج التصميم المعززة بالذكاء الاصطناعي القادرة علي توفير تصميمات متأثرة وموافقة للحضارة المصرية القديمة.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الإبداع من خلال تقديم أدوات تساعد الفنانين والمبدعين على تطوير أفكار جديدة ومبتكرة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعلم العميق (Deep Learning) ويمكن أن تُستخدم لمسح وتوثيق المواقع الأثرية، الأعمال الفنية، والمخطوطات القديمة بدقة عالية. يمكن لهذه التقنية أن تتيح إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد (3D Models) للمواقع التاريخية مثل الأهرامات والمعابد، مما يضمن الحفاظ على هذه الكنوز الثقافية. لكن هناك تحديات تواجه هذا التوثيق الرقمي، منها التكلفة العالية لهذه التقنيات وصعوبة الوصول إليها بالنسبة لبعض المؤسسات الثقافية الصغيرة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من أن التوثيق الرقمي قد لا ينقل بشكل كامل الجوهر الحقيقي للأعمال الفنية والآثار.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحليل النصوص القديمة وترجمتها إلى لغات مختلفة، مما يسهل فهمها ونشرها على نطاق أوسع. على سبيل المثال، يمكن استخدام أدوات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لترجمة النصوص الأدبية والفنية المصرية، مما يزيد من وصولها وانتشارها عالميًا ويمكن للفنانين استخدام تقنيات مثل "GPT-4" لإنشاء قصص أو قصائد جديدة مستوحاة من التراث المصري، مما يفتح آفاقًا جديدة للإبداع مع الحفاظ على الهوية الثقافية.

ويمكن أيضًا استخدام أدوات مثل "DeepArt" و"Artbreeder" لإنشاء أعمال فنية رقمية تعكس الفن المصري التقليدي والمعاصر.

وتلعب الشركات الناشئة دورًا كبيرًا في هذا المجال، حيث يمكنها تقديم حلول مبتكرة تسهم في تطور الصناعات الإبداعية، وتوفير منصات جديدة للفنانين لعرض وبيع أعمالهم.
وبصفة عامة فإن التكنولوجيا الرقمية تقدم إمكانيات هائلة للفنون والثقافة وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للصناعات الإبداعية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التعليم الثقافي وتقديم محتوى تعليمي تفاعلي يشجع الشباب على استكشاف التراث الثقافي وفهمه بطرق جديدة.

يمكن للصناعات الإبداعية أن تكون محركًا اقتصاديًا قويًا، حيث تساهم في خلق فرص عمل وتعزيز السياحة الثقافية.


وتشير اودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو عن الذكاء الاصطناعي في مجال الثقافة أصبح مطلوبا جدّا، كما هى الحال بالنسبة للتصوير بثلاثة أبعاد في إعادة بناء التراث، ويتم تطبيقه في مدينة الموصل في العراق.

وكذلك في مجالات العلوم، وخاصّة في البرامج البيئيّة وفي استكشاف أعماق البحار، والكشف الآلي عن الطيور البحرية وتعدادها. بالإضافة الي التأثير المتقدم في الاتصال والإعلام. 
والسؤال المطروح كيف يمكن رسم خارطة طريق مستقبلية من أجل مستقبل أفضل تتعايش وتندمج فيه تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي مع الواقع الثقافي والإجابة أنه يمكن ذلك عن طريق مجموعة من المحاور:
* التعليم والتدريب للكوادر القادرة على الإبداع: تخريج كوادر قادرة على الإبداع باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ويجب تقديم برامج وطنية لإعادة التأهيل والتأهيل، بدلاً من الاعتماد فقط على برامج تدريبية قصيرة المدى والأهداف.

وهذه البرامج يجب أن تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي في الفنون والثقافة، وتشمل دورات تعليمية في مجالات مثل التعلم العميق، معالجة اللغة الطبيعية، والفن التوليدي.

الشراكات مع الجامعات والمؤسسات الثقافية يمكن أن تساعد في تطوير مناهج تعليمية تجمع بين دراسة الفنون والتكنولوجيا. 
* الوصول إلى الأدوات والتقنيات: من بين التحديات الرئيسية التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في تعزيز الثقافة المصرية، تبرز مسألة الحفاظ على الأصالة والهوية. هناك مخاوف من أن الاعتماد الزائد على التكنولوجيا يمكن أن يقلل من الأصالة ويجعل الأعمال الفنية تبدو متشابهة أو غير مميزة.

كما قد يواجه بعض الفنانين صعوبة في الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة بسبب التكلفة أو نقص التدريب، مما يمكن أن يخلق تفاوتًا في الفرص لذا فإن توفير الأدوات والتكنولوجيات المناسبة للفنانين والمبدعين هو عنصر حاسم في دعم الإبداع الثقافي. ويمكن تمكين الفنانين من الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل برامج التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية.

عبر الشراكات مع شركات التكنولوجيا المحلية والعالمية والناشئة ويمكن أن تساعد في توفير هذه الأدوات وبرامج التدريب ذات الصلة وللتغلب على التحديات واستغلال الفرص يجب تعزيز الوصول إلى التكنولوجيا من خلال دعم مالي وتقني للفنانين والمؤسسات الثقافية الصغيرة.

 

ويمكن إنشاء صناديق تمويل لدعم المشاريع الفنية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى توفير تدريبات متخصصة لرفع مستوى الكفاءة في استخدام هذه التقنيات.


* يمكن أن تثير تقنيات الذكاء الاصطناعي قضايا تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، حيث يمكن أن تتداخل خوارزميات الذكاء الاصطناعي مع أعمال فنية موجودة وتنتج أعمالًا جديدة  مما قد يكون تحديًا للمبدعين أو فرصة أكبر وهنا دور الجهات المنظمة و المحفزة للإبداع الرقمي للوصول لأفضل مزيج مفيد للجميع في عصر دمج الذكاء الاصطناعي و الثقافة امر حتمي لابد منه و حتميته ناتجة من اعتراف العالم به. 


* تطوير بنية تحتية رقمية قوية هو أساس لبيئة محفزة للإبداع الرقمي المبني على الذكاء الاصطناعي من خلال توفير اتصال إنترنت عالي السرعة، ومراكز بيانات وحوسبة سحابية متطورة، ومنصات تكنولوجية تدعم الابتكار.
* يجب أن تتبنى الحكومات سياسات داعمة لتطوير الصناعات الإبداعية والتكنولوجيا. يمكن أن تشمل هذه السياسات حوافز ضريبية، تمويل المشاريع الابتكارية، ودعم البحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي. 
* تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يخلق بيئة مزدهرة للإبداع الرقمي. الشراكات مع شركات التكنولوجيا، الجامعات، والمؤسسات الثقافية يمكن أن توفر الموارد والخبرات اللازمة لدفع الابتكار. 
* إنشاء مركز متخصص لدعم الذكاء الاصطناعي في المجال الثقافي ويمكن أن يكون ذلك خطوة استراتيجية لتعزيز التكامل بين التكنولوجيا والثقافة.

وهذا المركز يمكن أن يعمل كمنصة تجمع بين الأكاديميين والمبدعين والخبراء في التكنولوجيا لتحقيق أهداف مشتركة.

ويمكن للمركز أن يتولى مهام متعددة مثل تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي والفني، وإنشاء قواعد بيانات ضخمة تضم المعلومات الثقافية المتنوعة، وتوفير أدوات تعليمية تفاعلية تعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لإثراء تجربة التعلم الثقافي.

يمكن أن يكون المركز أيضًا ملتقى للابتكار، حيث يمكن للفنانين والمبدعين استخدام التكنولوجيا لتطوير أعمال فنية جديدة ومبتكرة، مما يعزز من دور الثقافة في المجتمع.


* تعتبر إقامة معارض ومسابقات دورية تعرض الأعمال الفنية الرقمية التي تم تطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي خطوة فعالة لتعزيز التكامل بين الثقافة والتكنولوجيا.

وهذه الفعاليات تتيح للفنانين والمبدعين عرض إبداعاتهم التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يسلط الضوء على الإمكانيات الهائلة التي توفرها التكنولوجيا للإبداع الفني. ويمكن أن تشمل هذه المعارض أعمالاً في مجالات متنوعة مثل الفن البصري، الموسيقى، الأدب، والأفلام، مما يعزز من تفاعل الجمهور مع التكنولوجيا بطرق جديدة ومبتكرة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمسابقات أن تحفز المبدعين على الابتكار والتطوير من خلال تقديم جوائز ومنح مالية للفائزين، مما يدعم جهودهم في مجال الفنون التكنولوجية. وتعتبر هذه الفعاليات فرصة ممتازة للترويج للثقافة الرقمية وللذكاء الاصطناعي كأداة للإبداع، كما تسهم في زيادة الوعي الجماهيري بالتكنولوجيا وأثرها الإيجابي على الفنون والثقافة.

ويمكن أن تكون هذه المعارض أيضًا منصة للتعليم والتوعية، حيث يتم تنظيم ورش عمل وحلقات نقاشية حول استخدامات الذكاء الاصطناعي في الفنون، مما يساعد في نقل المعرفة والتجارب بين المشاركين والجمهور. وتساهم المعارض والمسابقات في جذب الاهتمام الإعلامي، مما يعزز من انتشار الأفكار المبتكرة ويشجع المزيد من الفنانين والمبدعين على استكشاف استخدامات الذكاء الاصطناعي في أعمالهم.