الثلاثاء 16 يوليو 2024

سر فاروق حسني

مقالات12-7-2024 | 20:58

يدهشك الفنان فاروق حسنى بقدرة عجيبة على التجدد، لم يفقد بريقاً، ولم يفتر فناً، ولم يتقوقع محسوراً ملوماً، راضياً مرضياً بما قدمه لثقافة هذا الوطن.

فى كتابه "فاروق حسنى" الذى وقعت عليه صدفه، تكتشف سر فاروق حسنى، الفنان يرنو إلى الجمال، ومنتهى فنه أن يكون الكون جميلاً، ويستمد من الجمال أشعة إبداعه، وينسج من خيوط الشمس جدائل ذهبية، فى مخيلته مصر جميلة الجميلات رغم القبح الساكن فيها ليل نهار.

فاروق حسنى على ما يبدو من رقة وذوق وأناقة، وهذا مصدر حسد من الكثيرين، جَسُور فى طرحه الفنى، والمجتمعى، كلفه هذا كثيرا، وأهال بعضهم من تراب السياسة على وجه الفنان، بالأساس فنان، وجاء إلى دنيا السياسة من باب الفن، ولم تلهه السياسة عن سويعات كان يقضيها فى مرسمه متفرغاً لفنه.

يقينا جنت على فنه السياسة، رب ضارة نافعة، فاروق لم يخلق للسياسة، خرج منها بجراح عميقة، تأذى كثيراً، ونال منه البعض سياسياً، ولم ينصفه فنياً إلا من اقتربوا من صومعته ليروا إنساناً آخر، الفنان فى مرسمه طير طليق بريش ملون.

مثل فنه الملغز إلا على المتخصصين، فاروق إنسانياً لغز يحتاج إلى تفكيك، انتمى لعصر ونظام حكم ثار عليه الشعب، خرج على العامة ثابتاً، لم يتلون، لم يقل فى رؤسائه قولاً كريهاً تقرباً من عصر آت أو تزلفاً لعصر ماض، قال قولته ومضى إلى فنه، وأغلق باب مرسمه على الفنان، وشغل أيامه إبداعاً، وعاد إلى الحياة بألوان لوحات صارخة تطلب الحرية، صمت وترك فنه يتحدث.

فى كتابه يقول إن فاروق حسنى السياسى لم يطغ على فاروق حسنى الفنان، تزول المناصب وتبقى القيمة، تذهب المكاتب ويبقى المرسم، تغيم الألوان السياسية فى صخب الاحتراب، وتبقى اللوحة صافية معبرة عن نفس الإنسان.

كم من مسئولين أسكنتهم ثورة يناير قبور الصمت، ولكن فاروق استثناء، لم يرتض قبراً يدفن فيه على قيد الحياة، ولم تهن عزيمته، ولا نضبت قريحته تحت وطأة القصف، ولم يسمح للقبح أن يلوث حياته، عاد سيرته الأولى فناناً، يقتات الفن، ويترحم على أيام كان هناك متسع للجمال قبل أن يطبع القبح بصمته الكريهة على لوحة الوطن.