الإثنين 25 نوفمبر 2024

توجيهات سياسية أم رغبة جماهيرية .. البرامج الترفيهية بطل المشهد الإعلامى الجديد !!

  • 28-2-2017 | 10:16

طباعة

تحقيق : رشا صمؤيل

يتصدر المشهد الإعلامي الآن زخم هائل من البرامج الترفيهية المباشرة ، وحتى تلك البرامج ذات المحتوى السياسى المعتاد أضحت هى الأخرى لا تخلو من الفقرات الترفيهية ، ليس هذا فقط ؛ بل حدث تحول مفاجىء لأبرز المذيعين الذين كان دورهم مقصورا على تقديم البرامج السياسية أو " التوك شو " ليغيروا جلدهم بين عشية وضحاها بفقرات ترفيهية أو فنية بينما يظلون محتفظين بأسمائهم التي صنعوها لأنفسهم عند جمهورهم العريض، وفي هذا التحقيق ... نتساءل هل لهذه التطورات أبعاد سياسية ممنهجة مقصودة ؛ أم أنها جاءت وسعيا للربح المادي ؟ وجهنا هذا التساؤل إلي أصحاب البرامج وخبراء الإعلام فجاءت إجاباتهم في سطور هذا التحقيق.

مأزق حقيقي

يقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة :

لابد أن ندرك أن هناك علاقة وطيدة للإعلام بالنظام السياسي وخاصة بعد تجارب سابقة لهما عبر عقود طويلة ، كما أن تناول القضايا الحقيقية التى تعرض على الشاشات لا يحظى برضا الرأى العام ، لأن هناك صعوبات جمة في معالجتها المعالجة الصحيحة ، لذا فلابد أن نعترف بأن الواقع الحياتي والسياسي يضعان فرق إعداد البرامج فى مأزق حقيقي ، فهي إما أن تضعه فى حالة اختلاف مع النظام ، أو أن يأخذ جانبا ترفيهيا ليخفف عن المشاهدين قسوة الواقع ، لأن بعض القضايا الحقيقية النفاق بها غير مطلوب.

طغيان المادة الترفيهية

أما الدكتورة سلوى العوادلى أستاذ بقسم العلاقات العامة والإعلان فتقول :

هذا هو الحادث بالفعل .. فقد أصبحت المادة الترفيهية طاغية على المادة التحريرية فى بعض البرامج ؛ وعلى سبيل المثال برنامج (وراء الأحداث) الذي لم تعد المادة السياسية تعرض فيه بالشكل اللائق ، كما أن برنامج " هنا القاهرة " للميس الحديدى لم يعد محتواه سياسيا بحتا ، وليس ذلك فقط ؛ بل إن هناك مذيعين غيروا جلودهم تماما مثل الإعلامية منى الشاذلي التى لم يأت فى مخيلة أحد بعد أن قدمت العديد من البرامج السياسية المتميزة ، ومنها برنامجها الـ 10 مساء الذي كان واحدا من أنجح برامج " التوك شو " فى مصر أن تقدم ما نراه الآن ؟!! ، إلا أن عزوف المشاهدين ، وقلة الإعلانات أكد لها فكرة أن البساط الذى غزلته لنفسها بدأ ينسحب رويدا .. رويدا.. من تحت قدميها ؛ لتنتقل بذكاء شديد للعب دور جديد وتقديم برنامج ترفيهى فنى اجتماعى من خلال قناة الـ cbc في برنامج " معكم منى الشاذلى " وكذلك فعلت الإعلامية شريهان أبو الحسن من خلال برنامجها (صباح أون) معرّجة على برنامجها (مصر فى أسبوع) وصولا لبرنامجها الحالي (ست الحسن) ، وهو برنامج خاص بكل ما يهم المرأة المصرية من شئون ، وكما ذكرنا من قبل فإن عزوف الناس عن متابعة الأخبار السياسية من أبرز الأسباب لما نراه على شاشات الفضائيات في الوقت الراهن ، بينما أرى أنهم يفقدون بوصلتهم الصحيحة، وذلك بتورطهم في هذه السياسة المصطنعة كنوع من إلهاء الجمهور عن التحدث فى السياسة وما يمس حياة المواطنين اليومية ، لأنه من الصعب جدا ضخ مثل هذا الكم من الجرعات الترفيهية فى ضوء المشاكل التى يعانى منها المواطن البسيط ، ليصبح الأمر وكأننا نقول له أنت تعيش وحدك في المعاناة ، ونحن نغني ونرقص على جراحك النازفة ، وبالطبع هذا الأمر به كم كبير من الاستفزاز ، كما أنه يجعلنا نطرح سؤالا هاما مفاده هل يحتاج الجمهور المصرى حقا لكل تلك الجرعات الترفيهية فى هذا التوقيت تحديدا ؟، وسؤال آخرمرتبط به بشدة ؛ ترى لصالح من طغيان كل هذه المادة الترفيهية على الأمور الجادة ؟ ،لأنه من الطبيعي بل من الواجب أن يراعى الاعلام احتياجات الجمهور ورغباته ، ومن المهم أن يوجد ميثاق يحكم كل ما يبث ، وليس معنى كلامى هذا أنني أطالب بإلغاء البرامج الترفيهية على العكس هي مطلوبة جدا ، ولكن فى نفس الوقت لابد ألا تطغى المادة الترفيهية على المادة التحريرية سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية ولابد من تحقيق التوازن فى ضخ المحتوى.

عنصر مطلوب

الدكتور سيد صبحى عميد كلية التربية جامعة عين شمس يقول :

العنصر الترفيهي ليس مضيعة للوقت ، ولكنه من العناصر المطلوبة بشدة ، وهو جزء هام للبناء التربوي والصحة الاجتماعية للإنسان ، فهو يجدد نشاطه ويساعده على كسر وتغيير رتابة العمل الروتينى الذى يقوم به وهذا التغيير يوصف بأنه تغيير إيجابى فى أنماط الحياة الروتينية ، وبرامج الترفيه بوجه عام تكسب الفرد المتعة ؛ لأنها تبعث على السعادة واسترخاء الجسد والعقل معا ، ولا أعتقد أن الجوانب الترفيهية الموجودة حاليا بالبرامج تُطرح لإخفاء جوانب معينة ، لأنه من الخطر جدا أن تصنع البرامج الترفيهية لتغطى على حقائق سياسية معينة ، أو أن تضحي وظيفتها تخدير عقول الناس وتغييبهم عن الواقع ، لأنه وببساطة شديدة .. الجمهور المصري أصبح أكثر ذكاء من أن يقع فى مثل هذا الفخ الساذج ، ولكن فى نفس الوقت يجب على كل القنوات الفضائية إعادة النظر فى ما تقدمه ، وإيجاد علاقة قوية بين علاقة محتوى البرامج بالمجتمع الذى تتواجد فيه وأن توجه له رسالتها الإعلامية مبتعدة عن التركيز على المواد الترفيهية وعدم التوقف عن تقديم مضامين جادة ومفيدة للمجتمع العربي ، لأن هذا الأمر يمثل رسالتها الحقيقية .

عودة للطبيعة

الدكتور فرج الكامل دكتور علم النفس بجامعة عين شمس يقول :

من المتعارف عليه بشكل عام .. أن الإعلام مرآة للمجتمع ؛ وإذا كانت هناك مشاكل يعانيها هذا المجتمع ؛ فلابد أن تناقش في الإعلام ، وعدم انعكاسها يزيد من فجوة المصداقية المتنامية حاليا ، والحقيقة أن هذه الفجوة متواجدة فى العالم كله بين وسائل الإعلام والجمهور ، ونتيجة لهذا وجد الكثير ضالتهم فى وسائل أخرى أقل نضجا ولكنها تشاركهم معاناتهم وتشبع رغباتهم فى تفريغ الشحنات المكبوتة مثل " الفيس بوك ، والانستجرام ، وتويتر " وللأسف هذه الوسائل لا توجد بها مصداقية منضبطة ؛ لأن أغلبها يحوي أخبارا مغلوطة - ثم استطرد حديثه قائلا - أنا شخصيا مازلت أرى أن برامج " التوك شو " مازالت تعرض قضايا ومشاكل اجتماعية واقتصادية ولكن ما حدث منها خلال الأعوام الماضية خاصة التي أعقبت الثورة مثل تركيزها على السياسية بشكل مبالغ فيه ، حتى أن البرامج الرياضية تم توجيهها أيضا للسياسة !! ولكن ما يحدث الآن أراه عودة للطبيعة ، لأنه ليس من الطبيعى أن يظل الحديث فى السياسة طوال الوقت ، الناس تعبت ، وتحتاج لبعض من التنفيس الذى تجده فى البرامج الترفيهية.

شغل معدين

منى عراقى مقدمة ومخرجة برنامج " انتباه " على " المحور " تقول :

الحقيقة ... أنا أرى أن اتجاه معظم البرامج للترفيه سببه عزوف المشاهدين عن مشاهدة برامج " التوك شو " التى لم تعد لها الجاذبية الكافية لأنه ببساطة شديدة ... الناس أصبحت تعلم وتفهم في السياسة أكثر من المحللين السياسيين !! هذا غير أن الموقف السياسي أضحى هادئا ومستقرا، وبالتالى لاتوجد أخبار سياسية ساخنة تجذب المشاهد مما يجعلنا نتساءل (إزاى برامج التوك شو .. هتاكل عيش ؟!) وكيف سيكون مصدر رزقها الحالي ؟، ومن هنا جاءت فكرة إدخال الفقرات الترفيهية فى برامج " التوك شو " لحل تلك الأزمة لأنها تحصل على نسبة مشاهدة عالية وبالتالى تجذب الإعلانات، وأنا أتحدث من داخل المطبخ الإعلامي، وأقول إن الإكثار من برامج الترفيه لم يكن توجها للدولة ، ولكنه بالأساس " شغل معدين " ورؤساء تحرير للبرامج، ونحن الإعلاميون جميعا نتحرك وفقا لسقف نحفظه عن ظهر قلب، (أنا شخصيا سقفى بعيد عن السياسة والدين)، وللعلم لا توجد قناة أو محطة تليفزيونية في العالم مهما كانت حريتها لا يوجد بها خطوط حمراء ؛ على سبيل المثال قنوات (CNN,BBC) وهذا يعني أنه من المستحيل التحدث فى السياسة بشكل مطلق.

القنوات لا تعمل من رأسها

محمد على خير الصحفي ومقدم البرنامج الإذاعي " كلام بالمصري " يقول :

بالفعل هناك كميات كبيرة من المواد الترفيهية تضج بها البرامج على حساب المادة السياسية ، وأصحاب القنوات مبررهم فى هذا الشأن أن الناس " زهقت " من البرامج السياسية ، ولكن في رأيى الشخصي أنه من المستحيل على القنوات أن تعمل من رأسها ، وأن هذا توجه عام من الدولة بعد 30 يونيه ؛ لأن الدولة ترى أن الحديث فى السياسة (هيلخبط لها حساباتها ) ومن الطبيعي أن ترفض الزخم الذى كان حادثا قبل 30 يونيه وبعد ثورة يناير ، ولكن بالرغم من زيادة الجوانب الترفيهية ، لكني مازلت أرى أن الشعب فى الشوارع يعلوه اكتئاب لا تخطؤه عين .

سلعة رائجة

الدكتور محمد سعيد محفوظ المذيع الإخباري يقول :

من المؤكد أن توجهات الدولة لا تصنع المشهد الإعلامي ؛ ولكن العناصر المؤثرة على الشاشة .. تتمثل في المعلن ، واحتياجات الجمهور التى تأتى فى المقدمة ، والتي بدأت بالفعل تنصرف عن البرامج السياسية التى أخذت منها جرعة كبيرة بل وكافيه لدرجة التشبع ، وخاصة أن الأحداث السياسية قلت كثيرا لصالح الاهتمام بالقضايا المعيشية ، ولو توقفنا قليلا لنسترجع التاريخ سنرى أن البرامج الترفيهية دائما ما تزدهر فى الظروف الاقتصادية الصعبة كنوع من المسكنات ، ومن هنا فإن البرامج الترفيهية أصبحت السلعة الرائجة حاليا فى المشهد الإعلامى وبالتالي فقد نجحت فى جذب المستثمر أو المعلن ليضخ فيها أمواله ، ومن هنا بدأ اهتمام القنوات بها ، وفي مقابل هذا .. هناك قنوات إخبارية تمثل نموذجا من الإعلام الهاديء الموضوعى بعيدا عن التسخين السياسي الممجوج .

سياسة خاصة

محمد هانى رئيس شبكة قنوات cbc يقول :

بالنسبة لسياسة القناة فلم يحدث أى تغيير على الإطلاق ... ولو تحدثنا عن برنامج " هنا العاصمة " للإعلامية لميس الحديدى ، سنرى أنه لم يحدث أي تغيير فى نسب المحتوى ، وعبر تحليل مضمون للبرنامج تثبت أن فقرات الترفيه زادت بالبرنامج ؛ لأنه من المتعارف عليه أن برنامج " هنا العاصمة " يعمل على الشئون الجارية بقوة ، وأغلبها شأن سياسي ، وهناك فقرات ترفيهية بمعظم حلقات البرنامج إما أن تكون مرتبطة بظاهرة ، أو خبر أثار جدلا، والحقيقة أننا كقناة هدفنا الأول إسعاد الناس ومنحهم قدرا من الترفيه كنوع من الهدوء، بعيدا عن المشاكل الحياتية اليومية ، مثلا لو تحدثنا عن برنامج " صاحبة السعادة " نراه فريدا من نوعه وله شخصية غير متكررة وصاحبة فكرة البرنامج كانت الفنانة إسعاد يونس، بفكرة تجمع ما بين الترفيهى والجاد فى ذات الوقت، وهذه معادلة صعبة، وفكرة البرنامج كانت لها دوافع كثيرة وليس فقط ستعادة ذكريات لأشياء كثيرة مرت بحياتنا ولكن المفتاح الرئيسى بالبرنامج هو مناقشة (الشخصية المصرية) بطريقة مبهجة وبسيطة وبصرف النظر عن ترجمتها إلى نجوم وبشر وأسماء أو عناوين وموضوعات عامة ، مثل مجموعة الحلقات التى قدمتها تحت عنوان (صنع فى مصر) والتى أعتبرها عبقرية بكل المقاييس ؛ لأنها جاءت فى اللحظة التى يعتبر فيها الاقتصاد هو الهاجس الأعظم بالنسبة للدولة والمجتمع ، مما يجعلنى أقول بثقة نحن كقناة مرآة لاحتياجات المجتمع والناس وهدفنا إسعاد المواطنين وبث ماهو مفيد وسياستنا نابعة من إدارتنا وليست توجه دولة.

الذوق العام

أشرف عبد المنعم رئيس قناة المحور يقول:

من المؤكد أنه لا يوجد اتفاق مسبق بين القنوات وبعضها على أن يبثوا جرعات ترفيهية كبيرة كانت أم صغيرة ، ولكن هذا ما فرضه الذوق العام ، وذلك لأنه لم يعد لدى المصريين قدرة على تحمل جرعات سياسية أخرى ؛ لدرجة جعلت الناس تنفض عن أى حديث سياسى ، ولو تحدثت بصراحة فإن المصريين عاشوا أياما سوداء خلال السنوات الماضية ، وبالتالي هذا انعكس على جميع البرامج التليفزيونية ، ففجأة تحولت حياتنا إلى سياسة بحتة ؟!! ، ومن الطبيعى بعد الانغماس فى هذا التيار البغيض الذى لم نكن نتصور أن نعيشه يوما ما ، أن ينتفض الناس مللا ، ويبدأون حياتهم مرة أخرى ، والإنسان خلق ليعيش ، ولم يخلق ليموت ، ولذلك من المهم أن نراعى نفسية المشاهد ونسعى في محاولة سعادته وهذا هو هدفنا ، وأنا شخصيا أرى أن البلد بدأ يقف على قدميه فمن حق الناس أن تفرح ، وأن حقن الجرعات الترفيهية اليومية فى البرامج ليس هدفها الاستخفاف بعقول الناس ، ولكن هدفها التخفيف من معاناتهم ، وبالمناسبة ليست جميع برامجنا ترفيهية ولكن الناس هى التى انشغلت بالإيجابيات التى لها معنى مثل بناء المصانع وإنشاء الطرق والكباري، ولو تحدثت عن قناة عمرها 15 عاما مثل المحور ؛ فنحن بلا منافس نتميز بمحتوى قيم ومفيد ، لأنها قناة مهمومة طوال الوقت بمشاكل المواطن ، مثل الحملة التى بادرت بها الإعلامية منى عراقي لمحاربة ارتفاع الأسعار ، وإن تحدثنا عن اتجاه الناس للبرامج الترفيهية ، فليس لدينا تفسير غير أن الشعب المصرى حدثت له صحوة محمودة و " وعايز يعيش لأنه شعب محب للحياة"، باختصار نحن في هذا الإعلام المصري سياساتنا في إدارة القنوات ؛ ليست توجيها من الدولة ولكنها انعكاس لما يريده الناس.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة