"سيبني يا حبيبي خلص"، كلمات بسيطة وجهها الشاب الفلسطيني محمد صلاح بهار لكلب أطلقه عليه الاحتلال الإسرائيلي لينهش لحمه حيا، قبل دقائق من مصرعه، فلم يرحم الاحتلال إعاقة الشاب الذهنية وإصابته بمتلازمة داون لينهوا حياته بأبشع الطرق دون رحمة وهو جالس في منزله بحي الشجاعية في غزة، الذي نزحت إليه الأسرة بعد ويلات الحرب.
مقتل الشاب محمد صلاح بهار
من ويلات الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر على قطاع غزة، حاولت أسرة محمد بهار حمايته وتوفير بيئة هادئة لمعيشته رغم رحيلهم ونزوحهم قسريا لنحو 15 مرة، ليستقروا أخيرا في منزلهم في شارع النزاز في حي الشجاعية، الذي اقتحمته قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثالث من يوليو الجاري، واصطحب الجنود عشرات الكلاب البوليسية.
كانت الأسرة تجلس في غرفة ومعهم محمد البالغ من العمر 24 عاما، قبل أن يقتحم جنود الاحتلال منزلهم ليحطموا كل شيء فيه، حتى وصلوا برفقة كلب بوليسي إلى الغرفة التي كانوا يتواجدون بها، فأرادت الأم حماية نجلها، وطلبت من الاحتلال أن يبتعدوا عنه قائلة لهم "إنه معاق، معاق، ارحموه فهو معاق، أبعدوا الكلب عنه".
وأوضحت نبيلة بهار، والدة محمد، البالغة من العمر 70 عاماً، أنها رأت الكلب وهو يهاجم ابنها محمد، فتقول في تصريحات صحفية لها،: "هاجمه الكلب وعض صدره ثم يده، لم يتكلم محمد، فقط كان يتمتم: لا، لا، لا، وعض الكلب ذراعه وسال الدم، أردت الوصول إليه لكنني لم أستطع، لم يتمكن أحد من الوصول إليه، وكان يربت على رأس الكلب ويقول: "خلص يا حبيبي، سيببني، كفى كفى".
وبدأ الكلب في تمزيق جسد الشاب الذي بدأ ينزف، وما أن حدث ذلك، حتى نقله جنود الاحتلال إلى غرفة أخرى، بعيداً عن الكلب، وحاولوا علاج جروحه، وهو في حالة رعب شديد، بمفرده في غرفة مع جنود الاحتلال وأغلقوا الباب عليه، إلا أن أسرته كانت بعيدة عنه، إذ وجه جنود الاحتلال الأسلحة صوب رأسهم في غرفة منفصلة، وما أن أصروا على عدم تركه بمفردهم اعتقل الاحتلال اثنين من أشقاء محمد، فيما نقلوا بقية أفراد الأسرة إلى مبنى كان قد تعرض للقصف في وقت سابق لاستخدامه كمأوى.
اعتقدت الأسرة أن الاحتلال اعتقل محمد، لتفاجئ الأسرة بعد ذلك أنه ميتا في غرفته، فيقول شقيقه: "كانوا يحاولون وقف النزيف، ثم تركوه دون خياطة أو رعاية، قاموا بالإسعافات الأولية فقط، وتركوا ينزف وحده في المنزل حتى فارق الحياة، كنا نظن أنهم أخذوه".
واختتمت والدته حديثها قائلة، مع "بي بي سي"، أن "هذا المشهد لن أنساه أبدًا عندما رأيت الكلب يمزقه، والدم ينزف من يده.. إنه دائمًا أمام عيني ولا يفارقني للحظة.. لم نتمكن من إنقاذه، لا منهم ولا من الكلب".
ولم يكن هناك تشريح للجثة ولم تصدر شهادة وفاة لمحمد، فيما تطالب عائلته بإجراء تحقيق في الحادثة، لكنهم يتوقعون صعوبة في الأمر بسبب استمرار الحرب على القطاع وسقوط الكثير من القتلى.
حياة الشاب محمد بهار
في سنوات ما قبل الحرب، كان الشاب محمد بهار يعيش برفقة أسرته لكنه ظل يعاني من التنمر في المدرسة بسبب إعاقته بل والاعتداء عليه، فما كان من أسرته إلا أن تقدم له كل أوجه الرعاية والدعم، فلم يكن يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يغير ملابسه أو يفعل أي شيء لنفسه، كما توضح والدته، فكانت هي من تطعمه وتغير له ملابسه وحتى حفاضاته.