الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

إدريس وهمنجواي كاتبان قدما صورة متكاملة عن المجتمع العربي والغربي

  • 18-7-2024 | 15:36

غلاف الكتاب

طباعة
  • دعاء برعي

اهتم الروائي الأمريكي إرنست همنجواي في رواياته اهتمامًا بالغًا بعنصر الشخصية، وجعله محورًا يرتكز عليه عمله الروائي؛ ورسم ملامح شخصياته وتتبع موقفهم من الواقع الاجتماعي الذي يعيشون فيه، فجاءت شخوصه مقنعة يتلقاها القارئ على أنها نموذج حي للشخصية المعاصرة.

أما الشخصية في روايات الكاتب الروائي يوسف إدريس فخاصة؛ يختار فئة معينة من فئات المجتمع، ثم يرصد إيقاع الأحداث اليومية مع رسم ملامح الشخوص ساكني هذه المنطقة، الأمر الذي يبرهن أنه ابن هذا المجتمع، المتشبع بعاداته، والممتزج بتقاليده، والمتشرب واقعه بمرارته وحلاوته من خلال المعايشة المباشرة مع أصحاب هذا المكان.

وانطلاقًا من هذه الرؤية جاءت الدراسة المقارنة للباحث د.أحمد الديداموني محمد في الأدب المقارن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة قناة السويس، والتي حصل بمقتضاها على درجة الدكتوراه، وصدرت حديثًا عن دار العربي بعنوان "رسم الشخصية الروائية بين همنجواي ويوسف إدريس".

يقول الديداموني في مقدمة دراسته: "يعد عنصر الشخصية أهم مرتكزات الرواية، وأحد محددات الفن السردي بوجه عام فلا يقوم النسيج الروائي دون مكون الشخصية؛ وهذا ما يجعل الشخصية الروائية من أهم مداخل النقد الروائي، وهو العنصر الذي يشمل عملية بناء الشخصية، بكل ما تشمله تلك العملية من تحديد أبعاد الشخصية، وما تحتوي عليه من خصائص داخلية وخارجية واجتماعية، وطرق تقديم الشخصية، فضلًا عن تصنيفها، ودراسة العلاقات الناشئة بينها وبين بقية عناصر البنية السردية".

ويشير إلى أن بعض كتّاب الرواية يهدفون إلى جعل رواياتهم متسمة بالواقعية الإيجابية نحو مجتمعاتهم؛ بهدف المشاركة في حل المآزق التي يتعرض لها المجتمع، فأصبحت الرواية ذات مفعول إيجابي، ومساهمة فعالة في حل هذه المشكلات، وتبصير الإنسان بقضاياه وهي تقنيات يستخدمها الكاتب في إنجاح عمله الروائي، فهو يعول في رواياته على الرؤية وقدرته على التخيل، ويعتمد هذا التشكيل على الحدث النامي الذي يتشكل من خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث والوسط الذي تدور فيه هذه الأحداث.

ويلاحظ الباحث أن يوسف إدريس قد عرض لنا الشخصية المأزومة، والشخصية اللامبالية، والشخصية الجادة القلقة عن طريق واقع اجتماعي متخلخل يسوده الجهل والتحلل من المبادئ والقيم. ويؤكد: "نجد يوسف إدريس في رواياته يتتبع ملامح هذه الشخصيات وتكوينها بأسلوب متماسك وشيق، فمن خلاله يعكس واقع القيم الأخلاقية التي اهتزت بشدة، كما أنه يرصد الشباب والسلطة بسبب الإحباطات الشديدة التي تفرضها السلطة على هؤلاء الشباب، فهو يسبح في أعماق شخصياته راصدًا ما يجرى في أعماقها من غليان وإحباطات، ومن الملاحظ أيضا إن كل شخصيات يوسف إدريس تجمعهم الغربة والتمرد الذي غالبًا ما ينتهي إلى إحباط شديد، بسبب اصطدامها بالواقع الخارجي".

ويجمع الديداموني في دراسته بين الروائيين، يوسف إدريس وهمنجواي للكثير من القواسم المشتركة بينهما، حيث يلفت إلى أن كلاهما عمل في الصحافة، فيوسف إدريس نشر مقالًا في مجلات ثورية حتى سجن وأبعد عن الدراسة، كما إنه أسهم في تحرير مجلة التحرير التي أصدرها الجيش بعد قيام ثورة يوليو 1952م، فضلًا عن أنه كتب عددًا من المقالات في مجلة "صباح الخير"، ثم بعد ذلك كتب في جريدة الجمهورية، وبالطبع كتب فيها عددًا من المقالات وبعضًا من القصص مثل قبر السلطان والمستحيل وقاع المدينة. كما عمل همنجواي صحفيًا بصحيفة Trapez and Tabula  داخل القسم الرياضي في أثناء دراسته للثانوية، وبعد أن تخرج في الثانوية عمل صحفيًا في جريدة Kanas city Star، ثم عمل موظفًا في Toronto Star، وصحفيًا في جريدة In out Time أيضًا عمل مراسلًا حربيًا عام 1941م حيث الحرب العالمية الثانية.

 

ويعدد القواسم المشتركة التي بمقتضاها جمع بين الروائيين في دراسته فيقول: "كلاهما خاض الحروب والثورات، فيوسف إدريس أثناء دراسته للطب اشترك في عدد من المظاهرات ضد المستعمرين البريطانيين وضد الملك فاروق، ثم بعد ذلك انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال ضد المستعمرين الفرنسيين، فأصيب بجرح؛ لذلك منحه الجزائريون وسامًا لتقديرهم لجهوده في سبيل حريتهم، وحينما عاد إلى مصر كتب في جريدة الأهرام سنة 1973م فقد اعترف به كاتبًا مهمًا من كتاب عصره. أما همنجواي فقد انضم كسائق إسعاف في الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الأولى، وفي أثناء خدمته فاز بالميدالية الفضية الإيطالية تقديرًا لشجاعته، لكنه أصيب بعدة إصابات دخل على إثرها المشفى في ميلان".

 

ويضيف: "عانى كلاهما في بداية حياته من الفقر والفاقة، فيوسف إدريس ولد في فاقوس وكان يعمل فلاحًا بالأجر مع والده، أما همنجواي ولد في سيسيرو في شيكاغو، ثم ذهب به والداه إلى شمال ميشيجان في كوخ العائلة، وهناك تعلم الصيد، وكلاهما حصل على عدد من الجوائز تقديرًا لمهارتهما، فيوسف إدريس حصل على وسام من الجزائر1961م، وعلى وسام الجمهورية 1963م، وعلى وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1980م. أما همنجواي توج بجائزة "بوليتزر" في الصحافة عام 1953 وجائزة نوبل في الأدب 1954، عن رواية "الشيخ والبحر"، وتحول منزله في كوبا إلى متحف يضم مقتنياته".

ويواصل: "رسم الشخصية هو العنصر البارز والمسيطر على أسلوب هذين الروائيين، مما سيتيح الفرصة أمام الباحث استكشاف جوانب سردية جديدة، مثل استخدام زوايا الرؤية الخيالية والرؤية القولية معًا في إنشاء عالم محكوم بقوانين النسبية. ومثل استخدام التنوع في أساليب رسم الشخصية لرسم صورة متفردة لكل سارد".

 

ويرى الباحث أن دراسة شخصيات هذه الأعمال هي المفتاح الأول لتفسير أي عمل قصصي أو روائي عند الكاتبين؛ وذلك لاهتمامهما بعنصر الشخصية في هذه الأعمال أكثر من غيرها، وإن الشخصية في هذه الأعمال ليست عنصرًا من عناصر البناء الروائي فحسب، وإنما العمود الفقري الذي تستند إليه باقي عناصر البناء الروائي عندهما، وأن دراسة الشخصية من جوانبها كافة في هذه الأعمال تفيد في فهمنا للأشخاص الذين نتعامل معهم، وتساعدنا على التنبؤ بسلوك الشخصيات في الأعمال الأخرى.

تضم المادة الروائية في هذه الروايات البيضاء، والحرام، والعسكري الأسود، والعيب نموذجًا لرسم الشخصية، ويسلط الديداموني الضوء على أسباب اختياره لهذه الروايات فيقول: "إن رسم الشخصية هو العنصر البارز والمسيطر على أسلوب هذه الروايات؛ ما سيتيح الفرصة أمام الكاتب كي يستكشف جوانب سردية لم تتوافر في روايات أخرى، مثل استخدام زوايا الرؤية الخيالية والرؤية القولية معًا في إنشاء عالم محكوم بقوانين النسبية، ومثل استخدام التنوع في أساليب رسم الشخصية؛ الرسم صورة متفردة لكل سارد".

 

ويتابع: "أيضًا دراسة هذه الروايات حسب المنهج المحدد، تقدم سندًا على عدم انغلاق النص على قضايا شكلية أو لغوية أو علي أعمال بهذه الجوانب دون سواها؛ فيوسف إدريس وهيمنجواي من أبرز المنادين بتحميل الأدب بالقضايا السياسية والأيديولوجية، وبخاصة في الفترة التي كتبا فيها هذه الروايات، وجاءت هذه الروايات كذلك زاخرة بالفكر الأيديولوجي والرؤى السياسية. ومن هنا ستستطيع أن تثبت هذه الدراسة أن العمل الأدبي لا يتجزأ. كذا دراسة شخصيات هذه الأعمال هي المفتاح الأول لتفسير أي عمل قصصي أو روائي عند الكاتبين؛ وذلك لاهتمامهما بعنصر الشخصية في هذه الأعمال أكثر من غيرها".

 

ويوضح: "إن الشخصية في هذه الأعمال ليست عنصرًا من عناصر البناء الروائي فحسب، وإنما العمود الفقري الذي تستند إليه باقي عناصر البناء الروائي عندهما. كما أن دراسة الشخصية من كافة جوانبها في هذه الأعمال تفيد في فهمنا للأشخاص الذين نتعامل معهم، وتساعدنا على التنبؤ بسلوك الشخصيات في الأعمال الأخرى".

 

ويذكر الباحث أن الكتاب يعتمد على المنهج المقارن وفق مفهوم المدرسة الأمريكية بمنهجها النقدي، حيث تهتم بدراسة الأدب أو الظواهر الأدبية في شموليتها، وليس الأدب من خلال العلاقات والصلات التاريخية بين الآداب والأدباء والوسائط، فالمنهج المقارن وفقًا لذلك يقوم على إجراء مقارنة بين ظاهرتين، بقصد الوصول إلى أوجه التشابه والاختلاف بينهما وأسباب ذلك ودلالاته.

 

يحمل الكتاب الذي تناول الدراسة في 300 صفحة، ثلاثة أبواب، الأول منها جاء في ثلاثة فصول، وتناول أبعاد الشخصية الروائية بين همنجواي ويوسف إدريس، التي اشتملت على البعد الخارجي للشخصية، والجنس، والعمر، والسمات الجسمانية للشخصية ومتعلقاتها، والأمراض والعاهات والإصابات، كما تناول البعد الداخلي للشخصية، والبعد الاجتماعي. أما الباب الثاني من الكتاب فسلط الضوء على آليات تقديم الشخصية، من تقديم مباشر للشخصيات، ووصف البعد الخارجي والداخلي والاجتماعي، وكذا آليات التقديم غير المباشر للشخصية من حوار ومونولوج. فيما يضئ الباب الثالث للكتاب حول علاقة الشخصية بعناصر البنية الفنية، وضم علاقة الشخصية بآليات الزمان والمكان، من حيث المكان وعلاقته بالشخصيات والأحداث، وزمن الأحداث، والزمن النفسي للشخصية، كما تناول علاقة الشخصية بالحدث، وعلاقة الشخصية باللغة من أسلوب السرد، والوصف، والحوار، والحجج، والسير الذاتية، واستخدام لغة التصوير المباشرة.     

 

وتخلص الدراسة النقدية المقارنة للباحث د.أحمد الديداموني محمد إلى عدة نتائج كشفت وأزاحت الستار عما تخفيه الروايات المختارة لكلا الكاتبين وتضمنتها خاتمة الكتاب في نقاط، نذكر منها ما يلي..

-برع همنجواي ويوسف إدريس في رسم شخوصهم بطريقة دقيقة ومهارة فائقة من خلال تكثيف الدلالات الخاصة حول هذه الشخصات فرسما ملامحهم وتحركاتهم وسكونهم وسلوكياتهم مع مراعاة البعد الداخلي والخارجي والفكري.

-استطاع عنصر الشخصية كشف النقاب عن مصادر الكاتبين التي اعتمدا عليها في بناء رواياتهم؛ لذلك فعنصر الشخصية مهم لكشف الأعمال الروائية.

-اعتمد الكاتبان في رسم شخصياتهم المحورية على انسجام هذه الشخصيات وتأثرهم مع بعضها بعضا، وعلى ما بينهم من تشابه واختلاف جعل الشخصيات أقرب للواقع، كما أعطاها فرصة أن تتفاعل مع بعضها بعضا، فتنمو تلك الشخصيات نتيجة لهذا التأثر الذي يشكل مجرى الأحداث التي تدور الرواية حولها.

-ظهرت ثلاثة أبعاد في شخصيات همنجواي ويوسف إدريس جسمية، ونفسية واجتماعية، وتفاوتت هذه الأبعاد حسب مدى تصوير الروائي لكل شخصية، وقد تكاملت هذه الأبعاد مكونة شخصية متكاملة مؤدية دورها على أكمل وجه.

-جميع شخصيات همنجواي ويوسف إدريس جاءت مترابطة، ومتماسكة متصلة بالشخصية الرئيسة؛ لتحريك الأحداث إلى الأمام.

-لم يقتصر الكاتبان في رسم شخصياتهم على البعد الجسماني، إنما جنحا إلى التحليل الداخلي للشخصيات، وسبر أغوارها، والغوص في خلجاتها، ولمس عقلها الباطن، الأمر الذي أحدث تواؤم وانسجام بين البعد الداخلي والخارجي، فتتبع الكاتبان تطور الشخصية اجتماعيًا وفكريًا وثقافيًا، الأمر الذي جعل الشخصيات تنمو وتتطور تطورًا طبيعيًا وليس فجائيًا أو عشوائيًا.

-اعتمد الكاتبان في رسمهما للشخصيات على تقنية التقطير في تقديم تلك الشخصيات فقدما شخصياتهم من خلال إشارات سريعة منثورة على صفحات الرواية، ولم يقدما تلك المعلومات دفعة واحدة، وجعلا تلك المعلومات تتداخل مع تطور ونمو الشخصيات ومصائرها، ما جعل القارئ شديد الانتباه متشوقا لما يأتي بعد.

-استخدم همنجواي ويوسف إدريس أسلوبين في رسم شخصياتهم وهما: التقديم المباشر للشخصية لعرض الصفات العامة لها سواء أكانت هذه الصفات مادية أم معنوية. لكن عندما ينشأ الصراع بين الشخصيات أو صراع الشخصية مع نفسها تبدأ الشخصية في وصف هذا الصراع ومدى أثره عليها، وفي هذه الحالة يعتمد الكاتبان على تقنية التقديم غير المباشر للشخصية.

 -تهدف روايات همنجواي إلى نشر الثقافة والسلام، ونبذ الحروب، وتقريب هوة الاختلاف، أما روايات يوسف إدريس تهدف إلى نشر المعرفة والثقافة، وتعلم اللغة الإنجليزية، والتعرف على ثقافة الغرب من أجل نمو الذات لخدمة المجتمع والوطن.

-جاءت بعض شخصيات يوسف إدريس بسيطة يصيبها ما يصيب الإنسان العادي من مشاعر وحب وكره ونفاق ومجاملات، وهذا ما يريد الكاتب إيصاله للقارئ، وهي أن البساطة والطيبة جاءت لكون هذه الشخصيات ملتزمة دينيا، ومتمسكة بأخلاقه ومبادئه، وهذا ما لا نراه عند همنجواي فطيبة الشخصية عنده جاءت من قلة الخبرة والسذاجة.

-جاء البعد الاجتماعي عند همنجواي ويوسف إدريس نابعا من فهم الكاتبين للحياة من خير وشر وصلاح وفساد.

-اهتم همنجواي ويوسف إدريس بعلاقة المكان بالشخصيات الروائية، فكل روايات همنجواي ويوسف إدريس اهتمتا بذكر أسماء الأماكن التي تحركت فيها الشخصيات، بل وذكر أوصاف ذلك المكان وعلاماته البارزة فيه، بحيث يتجسد ذلك المكان في ذهن المتلقي حينما يتنقل على عرش كلمات الرواية.

 

-استطاع همنجواي أن يقدم صورة متكاملة عن المجتمع الغربي، وكذلك يوسف إدريس استطاع أن يقدم صورة متكاملة عن المجتمع العربي، من خلال مناقشة عدد من القضايا الاجتماعية في رواياتهم.

-جاءت لغة روايات همنجواي ويوسف إدريس سهلة بسيطة فصيحة، رغم استخدامهما كثيرًا من الكلمات العامية.

-جاء الحوار في روايات همنجواي قصيرًا ومتوسط الطول، أما الحوار في روايات يوسف إدريس جاء متوسط الطول وطويلا.

-يغلب على روايات همنجواي ويوسف إدريس طابع التشاؤم، وذلك بسبب هزيمة الشخصية في نهاية الرواية، إما بدخولها السجن، أو موتها ، أو إصابتها بعاهة مدى الحياة.

-إن الأحداث عند كلا الكاتبين يغلب عليها الطابع الثوري أو طابع المقاومة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة