الجمعة 19 يوليو 2024

"جبر الخاطرِ وَأَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ".. موضوع خطبة الجمعة

خطبة الجمعة

تحقيقات19-7-2024 | 09:14

محمود غانم

تأتي خطبة الجمعة، اليوم، تحت عنوان:"جبر الخاطرِ وَأَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ"، حيث تتناول ما في تلك العبادة من عظيم الفضل، مستشهدة بما ورد في ذلك من أحاديث نبوية.

 إلى نص الخطبة:

جبر الخاطرِ وَأَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ

الحمد لله رَبِّ العَالَمِينَ، حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيَّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلَّمْ وَبَارِكْ عَلَيهِ، وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانِ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ: فَمَنْ مِنَّا لَا يُحِبُّ أَنْ يَجبُرَ اللهُ خَاطِرَهُ؟ مَنْ مِنَّا لَا يَرْجُو أَنْ يُسْعِدَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟! مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ بِصِدْقٍ جَبَرَ خَوَاطِرَ النَّاسِ، وَاحْتَرَمَ إِنْسَانِيَّتَهُمْ، وَقَدَّرَ مَشَاعرَهُمْ، وَكَفْكَفَ دُمُوعَهُمْ، وَضَمَّدَ جِرَاحَهُمْ، وَأَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَجَبْرُ الخَوَاطِرِ مِنْ أَرْجَى العِبَادَاتِ الَّتِي نَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): «مَا رَأَيْتُ عِبَادَةٌ أجَلَّ وَأَعْظَمَ مِنْ جَيْرِ الخاطر». 

أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ مَن جَبَرٍ جُبِرَ، وَمَنْ سَعَى بَيْنَ النَّاسِ بِجَبْرِ الخَوَاطِرِ أَدْرَكَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ وَلَوْ كَانَ فِي جَوْفِ المَخَاطِرِ، وَأَنَّ صَنَائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَأَنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَا جَزَاءُ الإِحْسَانِ عِنْدَ رَبِّنَا إِلَّا الإِحْسَانُ، يقول سبحانه:

{هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}، ويقول تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}. وَمَا ظَنُّكَ إِنْ جَبَرْتَ خَوَاطِرَ خَلْقِ الله بِجَبْرِ الجَبَّارِ لِقَلْبِكَ ؟! سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الأَكْرَمِينَ، وَأَجْوَدُ الأَجْوَدِينَ، خَزَائِنُهُ لَا تَنْفَدُ، وَعَطَاؤُهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَجَبْرُهُ لَا حُدُودَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يَقُولُ نَبِيُّنَا (صَلَوَاتُ رَبِّيٌّ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ): (مَنْ نفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةٌ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفْسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةٌ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسْرَ عَلَى مُعْسِر يَسْرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، وَيَقُولُ (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عليه)،:(إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ أتَاهُ المَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ له: هَلْ عَمِلْتَ مِن خَيْرِ ؟ قال : ما أَعْلَمُ، قيل له: انْظُرْ ، قالَ ما أعْلَمُ شيئًا، غير أنّي كُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ في الدُّنْيا - وأجازيهِمْ، فَأَنظرُ المُوسِرَ ، وأَتَجاوَزُ عَنِ المُغسِرِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: أنا أحقُّ بِذا منكَ، تَجاوَرُوا عن عبدي).

يَا مَنْ تُرِيدُ مِنَ اللهِ الجَبْرَ! اجْبُرْ خَاطِرَ المَرِيضِ، حِيَن تُشْعِرُهُ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ قَدْ أَرْقَكَ وَالمَكَ، وَكَدَّرَ خَاطِرَكَ، فَتُخَفِّفُ زِيَارَتُكَ للَّهُ، وَيُطيِّبُ دُعَاؤُكَ قَلْبَهُ، وَهَنِيئًا لَكَ بِجَبرِ الله الكَرِيمِ، (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ

عَادَهُ عَشِيَّةٌ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ). يَا مَنْ تُرِيدُ مِنَ الله الجَبْرَ! اجْبُرْ خَاطَرَ الأَطْفَالِ، وَارْفُقْ بِهِمْ، وَتَوَدَّدْ إِلَيْهِمْ، فَهَا هُوَ سَيِّدُنَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ المَدِينَةِ، فَوَجَدَ طِفْلًا جَالِسًا يَبْكِي حَزِينًا عَلَى طَائِرٍ لَهُ مَاتَ، فَعَطَفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَجَبَرَ خَاطِرَهُ، وَنَادَاهُ مُدَاعِبًا له، مُطَيِّبًا خَاطِرَهُ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (رَضِيَ عَنْهُ): "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَط أَخَفْ صَلَاةٌ، وَلَا أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشُقُ عَلَى أُمِّهِ".

يَا مَنْ تُرِيدُ مِنَ الله الجَبْرَ! اجْبُر الضُّعَفَاءَ وَاليَتَامَى، وَهَلْ هُنَاكَ جَبْرٌ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُرَافِقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجَنَّةِ؟! فَهُوَ القَائِلُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَنَا وَكَافِلُ اليتيم في الجنَّةِ هَكَذَا)، وَأَشَارَ بِالسَّبَابَةِ وَالوُسْطَى.

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ جَبْرَ الخَاطِرِ أَمْرُ يَسِيرٌ، قَد لَا يُكَلِّفُكَ إِلَّا بَسْمَةً صَادِقَةٌ تُسْعِدُ الفُؤَادَ، أَوْ كَلِمَةٌ حَانِيَةٌ تَشُدُّ الأَزْرَ وَتُنْهِضُ العَزِيمَةَ، وَاعْلَم أَنَّ أَوْلَى مَنْ تَجَبْرُ خَوَاطِرَهُمْ هُمْ أَهْلُكَ، أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكَ، يَقُولُ سَيِّدُنَا وَنَبِينَا (صَلَوَاتُ رَبِّ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ) : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَانْظُرْ عَظِيمَ جَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ جَبَرَ خَوَاطِرَ أَهْلِهِ)، يَقُولُ نَبِيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: حَارِثةُ بنُ النعمانِ، كَذَلِكُمُ البِرُّ، كَذلِكُمُ البرُّ)، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ.

وَانْظُرْ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ البَدِيعَةِ مِنْ جَيْرِ الخَاطِرِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، حِينَ جَبَرَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) قَلْبَ زَوْجِهَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا يَرْجُفٌ فُؤَادُهُ، فَطَمْأَنَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَلْبَهُ، وَسَكَنَتْ نَفْسَهُ، وَذَكَّرَتْهُ بِالقَانُونِ الإِلَهِيِّ: أَنَّ جَابِرَ الخَوَاطِرِ لَا يُخْرِيهِ اللَّهُ أَبَدًا، فَقَالَتْ لَهُ: «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ».

اللَّهُمَّ يَا جَبَّارُ اجْبُرْ خَوَاطِرَنَا وَأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا إِنَّكَ أَكْرَمُ الأَكرَمِينَ...