يتحدث الناس عن أن طب العصور الوسطى في أوروبا كان مليئا بالخرافات والأشياء الساذجة والعلاجات الغير فعالة، فإن هذه الصورة كانت في أساسها حملة تشويه ضد النظام الطبي المتبع في تلك الفترة والذي كان يتصف بالعقلانية فكان ما نعرفه من أنظمة طبية في العصور الوسطى كان جزءا من نظام طبي أكثر تعقيدا.
فعلى سبيل المثال، عرف في القرن التاسع الميلادي بأوروبا وغيرها من المناطق العلاج ضد آلام الرأس عن طريق خلط دماغ النسر بالزيت واستخدام ذلك الزيت في أنف المريض للشفاء التام من ذلك المرض، أو أن يلف قلب النسر بلجد الذئب لتكون تميمة لصاحبها ضد المس الشيطاني، ورغم أن هذه العلاجات تعتبر غير معتادة في العصر الحديث وساذجة إلا أن هذه الممارسات كانت جزءا من إطار أوسع للشفاء.
وتشير الأبحاث الحديثة عن طب العصور الوسطي أنها لم تكن مرحلة من الجهل والخرافات كما هو معتقد من قبل العامة، بل أن الطب في تلك الفترة كان يتصف بنوع من العقلانية والتنظيم، وأن ما نراه من وصفات تعتبر في المنظور الطبي الحديث غريبة وليست منطقية هي في الأصل كانت لأكل دمج الفلسفة الطبية مع العقيدة المسيحية في تلك الفترة.
وفي الفترة ما بين 400 إلى 1000 ميلاديا، كانت الوصفات الطبية تصنع داخل الأديرة المسيحية، حيث كانت تناقش وتكتب وتطبق، كان من المعروف أن العلماء كانوا على دراية بأعمال أبقراط وجالينوس، لكن النصوص الطبية لهما لم تكن متداولة على نطاق واسع قبل القرن الثالث عشر.
ففي تلك الفترة العصيبة، كان الأطباء يخافون من سلطة الكنيسة من تصنيفهم كسحرة أو مشعوذين، لذا دائما ما كان يسعى العلماء في تلك الآونة إلى تطوير حجج قوية حول الطب، فقد عمل الأطباء على تعزيز الصلة بين الطب والعقيدة المسيحية، مما يعكس تزاوجا بين الدين والعلم في ممارساتهم الطبية.
فالطب في تلك الفترة كان يعد تكاملا بين الدين والعلم، ومن هنا بدأ الطب في العصور الوسطى في أوروبا يحظى بالتقدير العلمي، فبدأت الجامعات الأوروبية في استقبال الأطباء وتدريبهم، فضلا عن ممارسة الجراحون وخبراء الأعشاب والمعالجات مهنتهم.
اعتبر المفكرون الدينيون أن الطب العقلاني لا يتعارض أبدا مع الإيمان، فكانت العلاجات العشبية تدوَن في هوامش النصوص الدينية واللاهوتية، مما يعكس تقديرهم للمعرفة الطبية.
اعتمد الطب في العصور الوسطى على الملاحظة والتشخيص من خلال متابعة الأعراض الظاهرة على المريض مثل السوائل التي يفرزها الجسم وذلك بسبب انعدام الوسائل التكنولوجية التي بين أيدينا الآن لرؤية حالة الجسم، فكان الإعتماد الأكبر على نظرية العناصر الأربعة وهي: الماء والهواء والنار والأرض، وأن صحة الجسم تعتمد على التوازن بين هذه العناصر.
استخدم الأطباء في العصور الوسطى طرقًا مثل الفصد والصيام والعلاجات العشبية لضبط السوائل في الجسم ولتخفيف الأمراض، كانت هذه العلاجات تتماشى مع فهمهم للكيفية التي تتفاعل بها المواد في الجسم، وتحاكي التغيرات الطبيعية في البيئة.
وأثبتت بعد العلاجات التي جائت لنا من العصور الوسطى صحتها ونفعها في علاج بعض الأمراض مثل استخدام النبيذ لعلاج التهابات العين، وبالرغم من أن بعض العلاجات قد تكون غير فعالة، فإن الفهم العقلاني للطبيعة والمرض كان جوهريا في تطور الطب.
وتأثر الطب الحديث بالطب القديم في بعض نوعية العصائر المستخدمة في العصور الوسطى للتخلص من السموم، مما يدعونا إلى التفكير في مدى استمرار بعض أفكار الطب التقليدي في العصر الحديث.