السبت 27 يوليو 2024

سانت كاترين تشهد تطورًا غير مسبوق في عهد الجمهورية الجديدة

مدينة سانت كاترين

تحقيقات27-7-2024 | 14:40

دار الهلال

شهدت مدينة سانت كاترين بمحافظة جنوب سيناء التي تعد أكبر محمية طبيعية في مصر من حيث المساحة، ولها قدسية دينية وقيمة أثرية تاريخية فريدة، تطورا غير مسبوق في عهد الجمهورية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يوجد بها العديد من المشروعات السياحية الكبرى، منها مشروع التجلي الأعظم الذي جاري تنفيذه وافتتاحه أصبح وشيكا والذي يعد نقلة كبرى تجعل المدينة قبلة سياحية عالمية، ويحدث طفرة استثمارية كبرى لجذب مختلف أنواع الاستثمارات، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل، وتستعد الحكومة لتنفيذ حملة وخطة تسويقية مميزة للمشروع.

ويشمل مشروع التجلي الأعظم العديد من المشروعات أبرزها إنشاء مركز جديد للزوار، وساحة السلام، وفندق، ونزل بيئي، ومجمع إداري، وغيرها من المشروعات التي أوشكت على الانتهاء استعدادًا لافتتاحه قريبًا.

وكان محافظ جنوب سيناء السابق خالد فودة، أكد منذ البدء في تنفيذ مشروع التجلي الأعظم أنه يراعي الأثر البيئي للمنطقة ويتناسب مع طبيعتها الأثرية ولا يمس قدسية الأماكن الدينية المختلفة، كما أنّه يحميها من السيول، فضلًا عن توفير آلاف فرص العمل للشباب، موضحا أنه جرى تنفيذه على مساحة 2 مليون متر مربع، ويقع في المنطقة الواقعة بين جبل سانت كاترين وجبل موسي، ويتم تنفيذه من خلال 3 جهات وهي وزارة الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والجهاز المركزي للتعمير.

كما تعتبر سانت كاترين التي يقع بها الديرأكثر مدن جنوب سيناء خصوصية وتميزاً، بجانب أنها أكثر الأماكن المرتفعة المأهولة بالسكان في مصر، حيث تقع على هضبة ترتفع 1600 متر فوق سطح البحر، وتحيط بها مجموعة جبال هي الأعلى في سيناء بل وفي مصر كلها وأعلاها قمة جبل كاترين وجبل موسى وجبل الصفصافة حيث تلك الارتفاعات جعل لها مناخاً متميزاً أيضاً فهو معتدل في الصيف شديد البرودة في الشتاء مما يعطي لها جمالاً خاصة عندما تكسو الثلوج قمم الجبال بالإضافة إنها في قلب جنوب سيناء على بعد 300 كم من قناة السويس وتبلغ مساحتها 5130 كم مربع وتشتهر المدينة بالسياحة الدينية وسياحة السفارى وتسلق الجبال. 

وتعد جنوب سيناء منذ العصور المسيحية الأولى أحد أهم مناطق الجذب للرهبان المسيحيين، وقد أقام هؤلاء الرهبان العديد من الأديرة والكنائس فى أودية سيناء أشهر ما بقى منها دير طور سيناء المعروف باسم دير القديسة كاترين على سفوح جبل سيناء، حيث تلقى موسى الوصايا العشر من الله، وهو دير أرثوذكسي شرقي اسمه الفعلي هو "دير الله المقدس لجبل سيناء"، وتم بناؤه بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (527-565 م) ميلادي لإيواء الرهبان الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة سيناء منذ القرن الرابع الميلادي.

واستشهدت القديسة كاترين في أوائل القرن الرابع الميلادي حيث يحمل الدير اسمها لاكتشاف رهبانها جسدها بالقرب من جبل سانت كاترين في القرن التاسع الميلادي، وحيث يعتبر أقدم دير في العالم، ويعد مزارا سياحيا كبيرا، حيث تقصده أفواج سياحية من جميع بقاع العالم، وهو معتزل يديره رئيس الدير وهو أسقف سيناء والذي لا يخضع لسلطة أية بطريرك أو مجمع مقدس ولكن تربطه علاقات وطيدة مع بطريرك القدس.

ويحتوى الدير على مصلى بوش المحترق (المعروف أيضًا باسم «كنيسة سانت هيلين») أمر ببنائه الإمبراطورة كونسرت هيلانة، والدة قسطنطين الكبير في الموقع الذي من المفترض أن يكون نبي الله موسى قد رأى فيه الشجرة المشتعلة، كما أن من أهم مباني الدير الكنيسة الكبرى، وكنيسة العليقة، والمسجد، والمكتبة بالإضافة إلى قلايا الرهبان ومعصرة وطاحونتين ومخازن حبوب ومؤن وآبار للمياه. 

وتعتبر الكنيسة الكبرى هي أقدم الآثار المسيحية وترجع إلى عهد الإمبراطور جستنيان في القرن السادس الميلادي وقد صممت على شكل البازيليكا الرومانية الذي كان شائعا وقت بنائها عام 527م، وتقع في الجزء الشمالي من الدير وتسمى الكنيسة الكبرى أو الكاتدرائية، وقد عرفت باسم كنيسة التجلي، وبداخل الكنيسة صفان من الأعمدة وهي 12 عموداً تمثل شهور السنة وعلى كل جانب يوجد 4 هياكل يحمل كل منها اسم أحد القديسين، ورغم ما تعرضت له هذه الكنيسة في مختلف العصور فإن الجزء الأكبر من سقفها ظل محفوظاً، وتوجد بعض الكتابة القديمة على أجزاء منه، وفي صدر الكنيسة قبة مستديرة حلي سقفها وجوانبها بالفسيفساء، حيث إنها من أشهر الفسيفساء المسيحية في العالم كله ولا يضارعها في قيمتها الفنية إلا فسيفساء أيا صوفيا في اسطنبول. 

وتمثل هذه الفسيفساء مناظر من العهد القديم والعهد الجديد، والمنظر الرئيسي فيها يمثل المسيح في الوسط وعلى يمينه العذراء وعلى يساره موسى ، بينما بطرس مستلقيا عند قدميه، وعلى الجدار يوجد منظران يمثل أحدهما موسى يتلقى الشريعة فوق جبال سيناء، والثاني يمثل موسى وقد ركع أمام الشجرة وامتدت إليه من فوق لهيبها يد الله مشيرة إليه.

وتحت سقف هذه القبة والفسيفساء يوجد التابوت الذي وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة، وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة، وفي الناحية الأخرى صندوقان كبيران من الفضة على كل منهما صورة القديسة كاترين وبداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك والموسرين إلى الدير، وفي كل مكان بالكنيسة تنتشر الأيقونات الجميلة ذات الأهمية التاريخية الكبرى حيث تعرض نحو 150 أيقونة من مجموع حوالي 2000 أيقونة من بينها أيقونات نادرة المثيل صنعت في القرن السادس، ويعود جزء منها إلى أوائل العهد البيزنطي، وقسم منها يعود إلى الفترة من القرن الحادي عشر حتى الخامس عشر.

وتتدلى الثريات الثمينة حتى تبدو الكنيسة أشبه بمتحف للفنون، أما أقدس مكان في الكنيسة فيقع خلفها ويمكن الوصول إليه من الجانبين وهو هيكل الشجرة، أي المكان الذي يعتقد أن موسى وقف فيه عندما تجلى الله له وخاطبه.

وأما كنيسة العليقة المقدسة، قامت بتأسيسها الإمبراطورة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادي عند شجرة العليقة المقدسة، وعند بناء الإمبراطور جستنيان لدير طور سيناء في القرن السادس الميلادي، أدخل الشجرة ضمن الكنيسة الكبرى بالدير، وأطلق على هذا الدير "دير سانت كاترين" في القرن التاسع الميلادي بناء على القصة الشهيرة للقديسة كاترين، وكنيسة العليقة تنخفض أرضيتها 70 سم عن أرضية كنيسة التجلي، وتحتوي على مذبح دائري صغير مُقام على أعمدة رخامية فوق بلاطة رخامية تحدد الموقع الحقيقي للشجرة، ويُقال إن جذورها لا تزال باقية في هذا الموقع.

وتعتبر شجرة "العليقة" المُقدسة حاليًا بدير سانت كاترين، هي الشجرة التي ناجى عندها نبي الله موسى ربه، وهذا النوع من نبات العليق لم يوجد في أي مكان آخر إلا في سيناء، وهي شجرة غريبة ليس لها ثمار خضراء طوال العام، وفشلت محاولة إعادة إنباتها في أي مكان في العالم.

وشجرة "العليقة" الحالية بالدير أصلها داخل كنيسة العليقة المقدسة وأغصانها خارجها ولا يدخل هذه الكنيسة أحد، إلا ويخلع نعليه خارج بابها اقتداء بنبي الله موسى عليه السلام الذي لبي نداء ربه وخلع نعليه.

كما أن شجرة "العليقة" وجبل موسى في سيناء يمثلان قيمة لكل الأديان من يهودية ومسيحية وكذلك الإسلام حيث وردت قصة نبى الله موسى وبني إسرائيل في عدة سور بالقرآن الكريم ولقد كرم الله سبحانه وتعالى جبل الطور، حيث قال تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ»، سورة التين الآيات من 1-3.

أما المسجد الفاطمي يقع في دير القديسة كاترين حيث بُني عام 500 هـ / 1106 م في عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، وجاء بنائه داخل الدير ثمرة العلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين التي شهدت ذروتها في الخلافة الفاطمية، كما عمل الخلفاء الفاطميين أثناء فترة حكمهم على بناء المساجد في الأماكن المقدسة، وحيث يقع المسجد في الجزء الشمالي الغربي داخل الدير ويواجه الكنيسة الرئيسية، حيث تتعانق مئذنته مع برج الكنيسة وتخطيطه مستطيل ينقسم لستة أجزاء بواسطة عقود نصف دائرية من الحجر الجرانيتي المنحوت ثلاثة عقود موازية لجدار القبلة وأربعة متعامدة عليه وله ثلاثة محاريب الرئيسي متوج بعقد ذو أربعة مراكز كالموجود فى الجزء القديم من الجامع الأزهر وله منبر خشبي آية في الجمال يعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمي، و للجامع مئذنة، تتكون من دورين قطاعهما مربع في منظر لا يتكرر إلا في مصر هذا التعانق والوحدة التي تجمع الأديان في بوتقة واحدة.

وبخصوص المكتبة بدير سانت كاترين غنية بالمخطوطات وتقع في الطبقة الثالثة من بناء قديم جنوب الكنيسة الكبرى وتضم إلى جانب المخطوطات النادرة عدداً من الوثائق والفرمانات التي أعطاها الخلفاء والحكام للدير، أشهرها ما يقال بأنه وثيقة من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يعطي فيها الأمان للدير والرهبان والوثيقة على نحو ما يعتقد كتبها عمر بن الخطاب.

الوثيقة المحمدية "العهدة النبوية" في دير سانت كاترين، هي مستند يمثل ميثاقًا يفترض أن كاتبه علي بن أبي طالب وصادق عليه النبي محمد منح الحماية والامتيازات الأخرى للرهبان المسيحيين في دير سانت كاترين ، العهدة مختومة ببصمة تمثل يد النبي.

«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله في خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً،كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها، فصيحها وعجميها، معروفها ومجهولها.. كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً، ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم، ولا يدخل شئ من بناء كنائسهم في بناء مسجد، ولا في منازل المسلمين، فمن فعل شئ من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزيةً ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر في المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه"
وفي أخر المخطوطة مكتوب: "وكتب على بن أبي طالب هذا العهد بخطه في مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وشهد بهذا العهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم: أبو بكر بن أبي قحافة، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، والزبير بن العوام».

والمكتبة عبارة عن ثلاث غرف في صف واحد تضم آلاف المخطوطات الأثرية باللغات العربية واليونانية والسريانية ويبلغ عدد المخطوطات 6000 مخطوط نادر من بينها مخطوطات تاريخية وجغرافية وفلسفية إضافة إلى نحو 2000 وثيقة وفرمان أعطاها الولاة للدير ومعظمها من العصر الفاطمي، إلى جانب ذلك يضم الدير معصرة لاستخراج الزيت من الزيتون، وبئر ماء وشجرة العليقة ومخزن قديم للطعام وحوله حديقة واسعة بها حجرة للجماجم تجمع رفات الرهبان . . وفى أعلى جبل موسى كنيسة صغيرة يصعد إليها الزائرون وعلى مقربة منها مسجد صغير. 

و تأسست في وقت ما بين 548 و 565، وهي أقدم مكتبة تعمل باستمرار في العالم. تحتفظ مكتبة الدير بثاني أكبر مجموعة من المخطوطات والمخطوطات المبكرة في العالم والتي لا يفوقها عدد سوى مكتبة الفاتيكان، تحتوى على مخطوطات وكتب يونانية ومسيحية فلسطينية و آرامية وسريانية وجورجية وعربية وإثيوبيّة / جعزية ولاتينية وأرمنية وسلافية وكتب ألبانية قوقازية ومخطوطات وكتب عبرية نادرة جدًا، وبعض الكتب القبطية.