الإثنين 29 يوليو 2024

مذكرات جرجي زيدان | الفصل الأول «أصل عائلتنا» (7-4)

جرجي زيدان

ثقافة29-7-2024 | 02:29

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

يتناول الفصل الأول من هذه المذكرات، أصل أسرته، وعصامية والده ووالدته، وما كانا عليه من جد ونشاط، على الرغم مما أحاط بهما من ظروف قاسية.

الفصل الأول: أصل عائلتنا

أما أصل عائلتنا فليس له خبر مدون، لأن والدي برح بيت أبيه مع سائر العائلة أشبه بالهاربين، وهو طفل لا يعرف شيئًا، فلا ندري هل لها خبر مدون في "عين عنوب" أو لا، وقد ربى والدي في بيروت أميًّا فقيرًا،وشغل بإعالة العائلة، فلم يهتم بالبحث عن أصل أرومتنا، فلما شببت وأردت البحث عن ذلك، كاتبت بعض أهل "عين عنوب" عما يعلمونه عن عائلة مطر هناك وأصلها، فجاءني جواب من شيخ من أهلها، أنه يذكر أن بضعة من آل مطر أتوا "عين عنوب" غرباء أشداء لا يعلم أصلهم، وأن أحدهم  "زيدان" تقدم في خدمة "الست حبوس".

وسمعت من رجل آخر، عن طريق أخي يوسف، أن عائلة والدي توالى منها في "عين عنوب" بضعة أعقاب آخرهم والدي، وأما أول من نزل منهم هناك فيزعم بعض آل مطر أن فرع "عين عنوب"، أو "الشوف" على الإجمال هو أحد ثلاثة فروع أصلها من جهات طرابلس، أو أهدن، وكانوا ثلاثة إخوة فروا من ظلم حاكم هناك منذ قرنين تقريبا، فأتی أحدهم "الشوف"، وذهب الآخر إلى "حاصيبا"، وآخر إلى "المتن".

وكل ما يقال من هذا القبيل ظنون لا يعول عليها، ويغلب على ظني أن أصل عائلتنا - مثل أصول أكثر عائلات طائفة الأرثوذكسية في الشوف - والغالب فيها أن تكون من حوران، على أن ما كان يلاقيه عرب تلك البلاد من الضنك أو الفقر، كان يدفعهم إلى الالتجاء إلى الجبل على عادة أهل البادية من الرحلة إلى المدن والقرى، والغالب في اعتقادي أن أكثر أهل جنوب لبنان الروم من عرب حوران، ولعلهم هم الغساسنة، وربما كان بين عرب حوران رهط أو بطن يسمى  "بنو مطر" وبين آل مطر جماعة من بني مطر يقال لهم "بنو مطر الحوارنة"، فربما كان جدنا الأعلى منهم.

وكل ذلك من قبيل الحدس والتخمين، ولم يثبت عندي إلا ما حدثني به والدي عن أبيه كما تقدم، وكان والدي يحدثني أنه، بعد أن نزل بيروت وصار شابا، جاءه جابي الخراج من الجبال يطالبه بالمستحق على أرض له في "عين عنوب"، ولم يكن يكترث بذلك ولا يدفع الخراج، فلما تكرر رفضه سقط حقه في الأرض، فشغل ذلك ذهني، فاغتنمت ذهابي للاصطياف في لبنان سنة 1896 وحدثت بعض رجال الحكومة من أهل "عين عنوب" عما يعلمه من هذا القبيل، فوعدني بمراجعة سجلات الحكومة، ثم عاد وأخبرني أنه لا يزال في القرية المشار إليها أرض تعرف باسم  "شير مطر" والشير شبه سفح - وأنه الآن ملك الحكومة، فعلمت أنه البقعة التي أمسك والدي عن دفع خراجها فعادت إلى الحكومة.