الجمعة 23 اغسطس 2024

«شومان» أهم مؤلف موسيقي في الحركة الألمانية الرومانسية

روبرت شومان

ثقافة23-8-2024 | 18:50

همت مصطفى

هو مؤلف وعازف البيانو والناقد والموسيقي، العالمي الشهير، والذي يراه النقاد أنه أهم مؤلف موسيقي في الحركة الألمانية الرومانسية، واشتهر بفضل مؤلفاته الرائعة على البيانو،و تمثل مؤلفاته الحالتين النفسيتين المتناقضتين للموسيقى الرومانسية، إحداهما عاطفية نابضة، والأخرى هادئة وتأملية، وهو زوج العازفة  العالمية كلارا شومان، إنه روبرت شومان.

الميلاد والنشأة 

ولد روبرت شومان في زفيكو في ولاية ساكسونيا في شرق ألمانيا 8 يونيو 1810م، من عائلة مستنيرة، كان أبوه يبيع الكتب ويؤلف الروايات، وترجم أعمال بايرون، وكانت أمه عازفة بيانو شهيرة.وأبدى  شومان  رغبة في تعلم الموسيقى منذ صغره،  لكن أبوه أصر  على أن يتلقى التعليم العادي، ودخل في سجله بداية في مدرسة خاصة ثم نقله إلى مدرسة حكومية. توفي والده عام 1826 ثم انتحرت أخته مما سبب له أزمة عصبية نفسية شديدة أحاطته أمه بعنايتها ودللته، فكان سلوكه ينم على سلوك شاب مدلل.

دراسة وقصة حب 

درس « شومان» القانون عام 1828م في جامعة لايبزج، ثم بدأ بأخذ دروس البيانو مع «فيك» فأحب ابنته «كلارا» وتزوجها بعد سنوات طويلة من العذاب ومعارضة الأب، انتقل «شومان» عام 1829م إلى جامعة هيدلبرج، لكن الجامعة أخبرته بأنه غير مناسب لدراسة القانون، فعاد إلى «لايبزج» وكان اهتمامه الأكبر على على الأدب والموسيقى والشعر، فانصرف إلى دراسة الموسيقى جدَّيا  ليأخذ  بنصيحة أستاذه «فيك» الذي استضافه ليقيم في منزله.

درس«شومان» الأوركسترا مع موللر و«التسلل» «الفوغة»

مؤلف «الفراشات»

و«الطباق» »،«الكونتربوان»،  وهي الصيغ الموسيقية،  وبعد أن ألف ثلاثة فالسات وحوارية «كونشرتو» للبيانو، عزف « شومان» أمام جمهور هيدلبرج مؤلفات كلاسيكية لها صبغة رومانسية، وكتب عمله «الفراشات» بتأثير من الأديب والمؤرخ الألماني  «جان بول ريختر». 

تجربة جنونية وأسلبو مبدع 

رغب« شومان» بتطوير تقنيات العزف لديه، وكان يسعى إلى الكمال فقام بتجربة جنونية تلخصت بربط إصبعه الرابع الضعيفة في أثناء التدريب مما سبب له شللًا الأمر الذي أثار جنونه وأصابه بالخيبة فتوجه نحو التأليف.

كتب «شومان» على نحوٍ رئيس للبيانو وابتدع أسلوبا خاصا به يقوم على تركيب اللحن من الأحرف الموافقة لأسماء أشخاص أو أماكن تعنيه بحيث تشكل الأحرف علامات جمل لحنية يطورها ويبني عليها ويوسعها لتشكل محور عمله الموسيقي.

 

واتسمت كتابته للبيانو بأسلوب خاص يستخدم فيه جهاز الضغط في الرجل «البيدال» الممسوك، والأصوات المتوسطة من لوحة البيانو، مما يعطي صوتاً براقاً. وكانت معظم أعماله في عام 1830م تقريبا مهمة وخاصة «متتالية الكرنفال» التي تتكون من عدة قطع تعبر عن مظاهر مختلفة من شخصيته، وعن التناقض بين الجانبين الباطني والظاهري فيها. وتتميز السوناتا  مقام دو الكبير بأسلوب حر جداً، وبلحن غنائي جميل ونسيج عذب لأنغام البيانو،  أما الدراسات السمفونية التي ألفها عام 1834م ونشرت عام 1837م، فهي مجموعة من التنويعات الحرة لها خاتمة مؤثرة.

متأثرا  بأسرته وعائلته 

كان « شومان» يعاني مشكلة صحية عصبية، وأصيب بعد وفاة أحد إخوته وزوجة أخيه عام 1833م بانهيار عصبي لم يشف منه حتى العام التالي، وكان سابقة للانهيار الكبير الذي أصابه عام 1854.

عمل شومان في العمل بالصحافة الموسيقية وحرر واحدة من أهم الصحف الموسيقية آنذاك« Neue Zeitschrift Für Muzik» مع بعض زملائه، وقام بشن حملة نقد ضد المتعصبين في الفن باعتبارهم مكررين لموسيقى موتسارت وبتهوفن  وهايدن.

أسماء مستعارة

وكتب«شومان» بأسماء مستعارة، منتحلاً شخصيتين الأولى أُزبيوس «Eusebius» التي تمثل الجانب التأملي من شخصيته، والثانية «فلورستان» التي تمثل اندفاعه.

أحب« شومان» إرنستين فون فرايكن،وبعد انفصالهما قدم مؤلفه «الكارنفال»  9 ت(1834)، و«دراسات سمفونية» op13،  وبعد وفاتها عام1836م، كتب إحدى روائع أعمال البيانو «الفانتازيا» op17. التي يظهر فيها مقدرته الفنية وعمق بصيرته الشعرية.

 

توجه « شومان» إلى فيينا عام 1839م ليبحث عن ممول لأعماله بعد أن كانت أعمال شوبرت آنذاك تباع سريعا،  في تلك المرحلة كان تعلقه ب«كلارا» قد نضج وبلغ أشده، فكتب لها عدة سوناتات تبين تعلقه الشديد بها وقرر بعدها إلغاء الحظر الذي فرضه والدها على زواجهما، فتزوجا عام 1840 وكانت قد بلغت الحادية والعشرين.

136 أغنية «ليد175  بسبب حب «كلارا»

كتب « شومان» عن قصة الحب هذه 136 أغنية «ليد» Lieder من أصل 260 مجمل ما ألفه منها مثل «حب وحياة امرأة» و«حب الشاعر» و«رومانس» و«بالاد». يعبر الشعر في هذه الأغنيات عن مشاعره الذاتية، ويمكن إسقاطه على قصته مع كلارا. أما تقنياً فقد تحول شومان من تأليف الموسيقى الآلية إلى المرافقة للشعر والغناء مما سمح لـه بمزيد من التعبيرية توجد في مقدمات ونهايات الأغنيات خاصة، فكان البيانو يحاور الصوت ويوسع العاطفة التي ترد في بيت الشعر.

شهد عام 1840 بداية عمل «شومان» الناجح بالسمفونية، وقدمه مندلسون n عام 1841 مما شجعه على كتابة بداية عمل سمفوني آخر «السمفونية الرابعة» مقدمتها على شكل سكيرتسو (سريعة)، ثم جعل خاتمتها مختلفة تماماً. في هذه الأثناء كانت كلارا عازفة ناجحة، وعزفت فيما بعد الحركة الأولى من حوارية البيانو مقام Aminor.

 

وأنجب شومان أول ابنة لهما عام 1841 لكن ذلك لم يعق كلارا عن التدريب والعزف فقامت بجولات في شمالي ألمانيا عام 1842، وكانت شهرتها تضاهي شهرة زوجها.

«شومان» وموسيقى الحجرة 

وقف«شومان» وقته عام 1842م لتأليف موسيقى الحجرة  فألف 3 رباعيات وترية op14 وخماسية للبيانو Mi bémol ورباعية للبيانو كلتيهما شهيرتين. لكن التوتر والضغط الذي كان يعانيهما للحفاظ على مستوى فني عال إضافة إلى ظروف ولادة طفلة ثانية، الأمر الذي اضطر كلارا إلى التوقف عن التدريب والعزف، كل هذا ترك آثاره على شومان. وبدأ منذ عام 1843 يصاب بانهيارات عصبية متكررة، وصار الأمر في حياته مألوفا،  وقد يعود أحد أسباب ذلك إلى الاستعداد الوراثي العائلي.

 

دور كلارا  في رحلة شومان

لم يكن «شومان» عازفاً ممتازا  ببداية رحلته ، مع أنه كان ناقدا وصحفيا وكاتبا من الدرجة الأولى، إلا أن هذا لم يكن كافيا ليزوده بما يحتاج إليه لإعالة أسرته،  وكانت شهرة كلارا العازفة كانت تنتشر بعد جولاتها التي كانت تقوم بها والتي كان« شومان» يعاني في أثناء غيابها صعوبةً في التركيز والتأليف، ومع أنه استطاع أن يشغل مراكز ممتازة، إلا أنه لم يتمكن من الحفاظ عليها، فقد شغل منصب أستاذ التأليف في معهد لايبزغ المؤسس حديثاً عام 1842.

 

قاد «شومان» فرقة للغناء في العام نفسه، وفي عام 1845م استقر في «درسدن» بعد جولة في روسيا صحبته فيها «كلارا»، فأكمل تأليف حوارية البيانو بإضافة حركتين أخريين. وكتب السمفونية مقام C major (الثانية،  قام بعدها بجولة صغيرة في فيينا مع كلارا، لكن موسيقاه لم تستقبل بحماس مما دفعه إلى التخلي عن مخططاته حول الانتقال إلى العيش هناك، وبقيا في درسدن حتى عام 1847 إلى حين قيامه بقيادة فرقة الغناء للذكور. في العام التالي أسس اتحاد الكورال، وهرباً من أحداث الثورة التي كان فاجنر  منغمساً فيها، ذهب شومان إلى الريف، وهناك ألف أوبرا «جنوفيفا»  التي لم تلق نجاحاً حين قدمت في لايبزغ عام 1850م، وهي السنة التي انتقل فيها إلى دسلدورف وقاد هناك جمعية الكورال، كما قاد عدة حفلات للأوركسترا، وكان آنذاك معيلاً لأطفاله (أربعة فتيان وثلاث فتيات) لكنه لم يحقق نجاحاً في هذا المجال.

عاش «شومان» بعض الفترات الحسنة والجيدة كان فيها سعيداً ومنتجاً، لكن عدم كفاءته لقيادة أوركسترا والذي لا يعود لضعف إمكانيته الفنية، وإنما لعجزه عن التواصل مع الموسيقيين في فرقته، عرضه لنقد شديد في الصحافة المحلية، فأصيب عام 1852 بانهيار عصبي آخر،  وقاد الأوركسترا في عام 1853 في مهرجان الراين لكن العازفين وجدوه ضعيفاً جداً مقارنة بخلفه هيلّر . وبعد أن قدم حفلاً فاشلاً في دوسلدورف في تشرين الأول من العام ذاته، تقاعد نهائياً عن قيادة الأوركسترا. في العام نفسه عقد شومان صداقات جديدة مع برامز الذي كان في العشرين من عمره، كما قام بجولات ناجحة مع كلارا في هولندا.

 

وتفرغ للتأليف مجددًا فألف بعض الافتتاحيات التقليدية، وبعض موسيقى المناسبات، و«مغناة» (كانتاتا)،  وبدأت تظهر عليه منذ شباط عام 1854م علامات اضطرابات عقلية جدية، فقد حاول الانتحار بإلقاء نفسه في نهر الراين لكن رجل إطفاء أنقذه، وأدخل إلى مصح خاص قرب بون حيث أمضى فيه السنتين الأخيرتين من حياته.

كان«شومان»  أحد  أشهر مؤلفي البيانو،و أغنى أعماله بمجموعة من المؤلفات ذات الصبغة الشعرية تمتزج فيها البنية الكلاسيكية مع التعبير الرومنسي،  مؤلفاته للغناء وموسيقى الحجرة مميزة جداً تتمتع بالحيوية والنضارة والشاعرية، وهذا ما يميز أعماله الأوركسترالية أيضاً. انتُقد توزيعه الأوركسترالي أحياناً بأنه كثيف ويفتقر إلى الطلاوة والمرونة، وقامت عدة محاولات لتعديل مخطوطاته منها محاولات مالرMahler. لكن اتجاه الكثيرين من الموسيقيين مالوا إلى تركها كما هي متمتعة بعفوية شومان الخاصة. أما أغانيه وخاصة المجموعات منها فهي من أهم روائع الليدر.

 المؤلفات الموسيقية لـ «شومان»

كتب «شومان» في مختلف المؤلفات الموسيقية، منهامسرحية غنائية «مانفريد» والسمفونيتان الأولى «الربيع» 1841م، والثالثة «Rhenish»1850م، وهما من أصل أربع سمفونيات كاملة، وعدد من الحواريات للبيانو وللكمان وللتشيلو مع الأوركسترا، والكثير من موسيقى الحجرة، والموسيقى الغنائية، ومختلف القطع الموسيقية للأوركسترا،والقطع الخاصة للبيانو مثل لحن ومنوعات «Abegg» (1830م،  و«الفراشات» 1829م ـ 1831م.

 وتوفي الموسيقي العالمي «شومان» في إندينيخ قرب دوسلدورف في ألمانيا في 29 يوليو 1856م