الأحد 18 اغسطس 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الأول «مسكن العائلة» (7-5)

جرجي زيدان

ثقافة31-7-2024 | 13:31

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

يتناول الفصل الأول من هذه المذكرات، أصل أسرته، وعصامية والده ووالدته، وما كانا عليه من جد ونشاط، على الرغم مما أحاط بهما من ظروف قاسية.

الفصل الأول: مسكن العائلة

ولدت في بيروت، في بيت لالياس الشوري، وكان في محل مدرسة الآباء اليسوعيين الآن، مؤلفا من طبقتين: الطبقة السفلى مؤلفة من ثلاث غرف كبيرة ودار، ثم نقلنا إلى بيت آخر وآخر، فبلغ عدد البيوت التي تنقلنا فيها في أثناء عشرين سنة نحو 16 بيتا، وهي على سبيل التوالي: "1" بيت الشوري، "2" الفرنيني، "3" عرمان بحارة اليهود، "4" جانب كرخانة (مصنع حريز) الدحداح، "5" بيت الشوري ثانية، "6" عيسى سرور، "7" الخوري موسى، "8" كركر، "9" القسيس، "10" الشوري مرة ثالثة، "11" بيت ثابت، "12" الحاج حسين، "13" بيت حبيقة، "14" بيت رعد، ""15" بيت التبان، "16" بيت الحايك.

والفائدة في تعداد هذه الأسماء أننا لم نكن أهل ملك، والمستأجر بيته على ظهره، وأكثر هذة البيوت في شرقي المدينة وشماليها، وأكثرها مؤلف من غرفتين: غرفة للنوم، وأخرى لاستقبال الناس، ودار للجلوس أو الطعام، وبعضها من ثلاث غرف، ولم تكن الحاجة ماسة لكثرة الغرف، لأنهم لم يكونوا يستخدمون الأسرة للرقاد، فالغرفة الواحدة يمكن استقبال الناس فيها نهارا، والرقاد فيها ليلا، لأنهم كانوا يطوون الفرش عند النهوض من الرقاد، ويرصونه بعضه فوق بعض، على خزانة أرضية يستخدمونها لوضع الآنية، فيضعون الفرش فوقها، ويلقون أمامها سترا، ويعبرون عن هذا المكان باليوك، فلا يظهر الفرش للناس، ويكون في الغرفة غالبا مقعد يحسنون هندامه، وينظفونه جيدا، وأهل بيروت مشهورون بالنظافة، خصوصا أبناء الطائفة الأرثوذكسية، وفيهم المغالون بالنظافة إلى حد الوسواس، وأشهر هؤلاء: بيت طراد، وبيت فياض، ومنهم من يغسل حبال الغسيل ورخام البيت والأبواب بالصابون كل يوم، وإذا رأوا زائرا أمسك شيئا من الآنية غسلوها بالصابون، وفيهم من يغسل بالصابون الحطب عند حمله إلى البيت، ولم يبق إلا أن يغسلوا الصابون بالصابون.