أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، ضمن سلسلة إصدارات "أدباء القرن العشرين"، رواية "أمهات في المنفى" للكاتب الكبير يوسف جوهر.
تنطلق الرواية من عنوانها الذي يفتح آفاق التوقع لدى القارئ، مما يشير إلى احتمالية وجود عدة شخصيات تؤدي دور الأم، مع تنوع قصص النفي. ولكن، عند قراءة الرواية، نجد أن العالم السردي يركز على شخصية واحدة وهي "صفية". صفية هي أم فجعها الموت بزوجها، ولم تحقق آمالها المرجوة في ابنها، ولديها ثلاث بنات؛ إحداهن انتقلت للعيش خارج البلاد مع زوجها، والأخريان انتقلتا لبيت زوجيهما. تبدأ أحداث الرواية من هنا، مصورة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي أصابت المجتمع المصري في نهاية السبعينيات من القرن الماضي من خلال أسرة الأم صفية.
تتجلى في هذا العالم السردي قيم غائبة تتصارع مع قيم حاضرة. القيم الغائبة تشمل الشرف والنزاهة والتفاني في التضحية من أجل الآخرين، وهي القيم التي لم تفارق الأم صفية، على الرغم من أن منزلها هو مأواها وحصن ذكرياتها، تجد نفسها مضطرة للتنازل عنه، ثم مغادرته، ثم العيش في بيوت من استغلوا طيبتها وحبها، وتركها وحيدة في النهاية في دار المسنين. القيم النبيلة تجد نفسها منفية عندما تطغى القيم المادية على الإنسانية.
نجح يوسف جوهر في تقديم رؤيته الاجتماعية من خلال السرد الروائي، متبعًا مسارًا زمنيا يتدفق من الماضي مرورًا باللحظة الحاضرة ومتجهًا نحو المستقبل، ويتخذ السرد مسارات فرعية تكشف جوانب شخصيات مصبوغة بقيم الانتهازية والفساد وانعدام الشرف.
تُعد الرواية علامة من علامات نضج الرواية الواقعية واكتمالها؛ حيث يقدم السارد شخصيات واقعية يمكن للقارئ أن يتعرف عليها في عالمه الحقيقي، ويعرض أزمات اجتماعية شبيهة بتلك التي نراها في الواقع، مما يجعلها أزمات متماثلة ومتكررة نظرًا لتكرر أسبابها وعوامل وجودها.