الجمعة 2 اغسطس 2024

"الرزق وأسبابه الخفية التقوى".. موضوع خطبة الجمعة اليوم

خطبة الجمعة

تحقيقات2-8-2024 | 08:53

محمود غانم

تأتي خطبة الجمعة، اليوم، تحت عنوان "الرزق وأسبابه الخفية التقوى"، حيث تتناول الخطبة هذا العنوان مستشهدة بما ورد في القرآن الكريم وسير الصالحين من أدلة على ذلك، بما يؤكد على أن عاقبة التقوى رزق يأتي من حيث لايدري الإنسان أو يحتسب.

 إلى نص الخطبة:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بَدِيعِ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، وَنُورِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَادِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيهِ، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَاتِهِ وَمُرْسَلِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سَيْدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيَّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلم وبارِكْ عَلَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ غَرَضَنَا فِي هَذِهِ الخَطْبَةِ الحَدِيثُ عَنْ أَبْوَابِ خَفِيَّةِ وَمُهَجُورَةٍ تُفْتَحُ بِهَا أَبْوَابُ الرِّزْقِ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الأَسْبَابِ الخَفِيَّةِ لِلرِّزْقِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ، وَنَتَكَلَّمُ اليَوْمَ عَنْ بَابٍ خَفْيِ آخَرَ مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ أَلَا وَهُوَ التَّقْوَى.

وَلَيْسَ غَرَضُنَا اليَوْمَ الحَدِيثَ عَنِ التَّقْوَى وَحْدَهَا، فَطَالَما تَحَدَّتْنَا عَنْهَا، وَإِنَّمَا حَدِيثُنَا اليَوْمَ عَنِ التَّقْوَى بِاعْتِبَارِهَا سَبَبًا تُسْتَمْطَرُ السَّماءُ بِهِ، وَيَنْزِلُ الغَيْثُ، وَيُوَسَّعُ الرِّزْقُ وَيُبَارَكُ فِيهِ. وَالتَّقْوَى مِفْتَاحُ الخَيْرَاتِ، وَبِهَا تَتَنَزَّلُ الأَرْزَاقُ وَالبَرَكَاتُ، هِيَ سَبَبُ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ، وَتَفْرِيج الكُرُوبِ، وَشَرح الصُّدُورِ التَّقْوَى حَارِسٌ لَا يَنَامُ، تَأْخُذُ بِاليَدِ عِنْدَ العَثْرَةِ، وَيُنزِلُ الله بها النِّعْمَةَ وَالرَّحْمةَ . فَيَا مَنْ تُرِيدُ رِزْقَ رَبِّكَ لَا تُخْلِقُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ بِالمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا سَبَبُ كُلِّ ضِيقٍ وَتَفْسِيقِ وَبَلَاءِ وَحِنْةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ العَبْدَ يُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، فَلَا تَكْذِبُ، وَلَا تَسْخَرْ، وَلَا تَتَنَمَّرْ، وَلَا تَتَكَبَّرْ، وَلَا تَحْتَقِرَنَّ أَحَدًا، وَلَا تَنْظُرُ إِلَى حَرَامٍ أَبَدًا، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُكَ دَائِمًا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهدى والتقى والعفاف والغنى.

وَإِذَا كَانَتِ التَّقْوَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَذَابِ الله وقَايَةً، فإنها تَتَأَنَّى تِلْكَ الوِقَايَةُ بِالابْتِعَادِ عَنِ الآثَامِ وَالذُّنُوبِ وَكُلِّ مَا يُغْضِبُ الله جَلَّ وَعَلَا، وَبِذَلِكَ تَتَحَقِّقُ ثَمَرَاتُ التَّقْوَى وَبَرَكاتُها، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهُ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، فَعَاقِبَةُ التَّقْوَى رِزْقٌ يَأْتِي مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي الإِنْسَانُ، وَمِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو أَوْ يُؤَمِّلُ أَوْ يَحْضُرُ بِبَالِهِ أَوْ يَكُونُ فِي حُسْبَانِهِ!

اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله يَرْزُقُكُمُ اللهُ رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا وَاسِعًا! فَهَذِهِ التَّقِيَّةُ السَّيِّدَةُ هَاجَرُ أُمُّ سَيِّدِنَا إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطَاعَتْ أَمْرَ رَبِّهَا سُبْحَانَهُ حِينَ أَسْكَنَهَا زَوْجُهَا الخَلِيلُ إِبْرَاهِيمُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِ اللهِ الْمُحَرَّمِ، وَأَصابَهَا العَطَشُ وَالجُوعُ هِيَ وَوَلدُهَا، فَأَفَاضَ عَلَيْهَا الرَّزَّاقُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَكْرَمَهَا مِنْ وَاسِعِ جُودِهِ، وَرَزَقَهَا وَوَلَدَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ فِي هَذِهِ البُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ؛ فَفَجَّر سُبْحَانَهُ لَهَا بِئرَ زَمْزَمَ مَاءً طَيِّبًا، لَا يَزَالُ يَشْرَبُ مِنْهُ الصَّالِحُونَ فَيْرَتَوُونَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُحَقِّقُ هُمْ مَا يَرْجُونَ. اتَّقُوا اللهَ يَرْزُقُكُمُ اللهُ ! فَصَاحِبُ التَّقْوَى إِنْ كَانَ فِي ضِيقٍ فَعَاقِبَتُهُ السَّعَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي فَعَاقِبَتُهُ العَافِيَةُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: "أَنَا اللهُ، إِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ، وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي مَرَضِ منتهى".

الحَمْدُ اللهِ رَبِّ العَالَينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَيَا مَنْ تُرِيدُ سَعَةَ الرِّزْقِ اتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ اتَّقِ اللهَ فِي زَوْجِكَ اتَّقِ اللهَ فِي وَلَدِكَ، اتَّقِ اللهَ فِي رَحِمِكَ، اتَّقِ اللهِ فِي عَمَلِكَ اتَّقِ اللهِ فِي مُجتَمَعِكَ؛ تَجِدْ عَاقِبَةَ التَّقْوَى رَشَدًا، وَتُذْقَ بَرَكَة الرِّزْقِ وَسَعَتَهُ، وَهَذِهِ هِيَ التَّقِيَّةُ الوَرِعَةُ السَّيِّدَةُ مَرْيَمُ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) حِينَ اتَّقَتْ رَبَّهَا، وَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ سُبْحَانَهُ، سَاقَ الرَّزَّاقُ إِلَيْهَا رِزْقَهَا مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا اعْتِبَارِ لِقَوَانِينِ فُصُولِ الأَعْوَامِ، فَكَانَتْ فَاكِهَةُ الصَّيْفِ تَأْتِيهَا فِي الشَّتَاءِ، وَفَاكِهَةُ الشَّتَاءِ تَأْتِيهَا فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا تَنْفَدُ خَزَائِنُهُ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ مَا يَرْزُقُه وَمَنْ يَرْزُقُهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَخْشَى الفَقْرَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَخَافُ العَوَزَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِقُدْرَتِهِ؟ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلرِّزْقِ : كُنْ؛ فَيَكُونُ، وَاللَّهِ دَرُّ القَائِلِ: تَوَكَّلْتُ فِي رِزقي عَلى اللَّهَ خَالِقِي وَأَيْقَنتُ أَنَّ اللهَ لا شَك رازقي وَما يَكُ مِنْ رِزْقِي فَلَيسَ يَفوتَني وَلَو كان في قاع البحارِ العَوامِقِ سَيَأْتِ بِهِ اللهُ العَظِيمُ بِفَضلِهِ وَلَو لَم يَكُن مِنِّي اللسانُ بِناطِقِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسَرَةً وَقَد قَسَمَ الرَّحَمَنُ رِزْقَ الخَلائِقِ !

 اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنْ فَضْلِكَ العَظيمِ إِنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ...