الإثنين 5 اغسطس 2024

تعرف على أشهر معركة أدبية بين زكي مبارك وعميد الأدب العربي

طه حسين وزكي مبارك

ثقافة5-8-2024 | 12:12

أبانوب أنور

تحل علينا اليوم 5 أغسطس ذكرى ميلاد زكي مبارك حيث ولد في مثل هذا اليوم من عام 1892 بقرية سنتريس في محافظة المنوفية بمصر، وهو يُعد أحد أبرز الأدباء والشعراء والنقاد والصحفيين في مصر والعالم العربي في القرن العشرين.

اشتهر بعمله الدؤوب وإنتاجه الغزير، وحصل على ثلاث درجات دكتوراه متتالية، مما جعله شخصية فريدة في المشهد الثقافي العرب، كان مثقفًا واسع الاطلاع، وله آراء قيمة في شتى القضايا الثقافية والفكرية.

كما أشتهر زكي مبارك بمعاركه الأدبية الحادة مع كبار الأدباء في عصره.

هذه المعارك، التي كانت تتصدر صفحات الصحف والمجلات، كانت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي العربي في ذلك الوقت، فقد كان لكل أديب رؤيته الخاصة بالأدب والنقد، مما أدى إلى اختلافات حادة في وجهات النظر حول الأعمال الأدبية، حيث كان زكي مبارك، مثله مثل غيره من الأدباء، يدافع بشدة عن آرائه ومبادئه الأدبية، مما دفعه للمشاركة في هذه المعارك، كانت هناك منافسة شديدة بين معظم الأدباء في ذلك الوقت، مما زاد من حدة الخلافات.

دارت معركة أدبية من جانب واحد بين زكي مبارك وطه حسين وهي تعتبر أضخم معركة أدبية، وذكرت تلك المعركة في كتاب "المعارك الأدبية" لـ أنور الجندي، واستمرت منذ 1931 إلى 1940 -أي لمدة 9 سنوات- على مراحل متعددة منها الخصومة الفكرية ثم خصومة "لقمة العيش" حين أقصى طه حسين زكي مبارك من الجامعة، وأصبحت بينهما خصومة حقيقية كلما أنتج طه حسين شيئا أو كتب عن شيء، كان مبارك له بالمرصاد.

ظل زكي مبارك مشدود البصر إلى طه حسين طوال حياته منذ عرف الأزهر إلى الجامعة عام 1912 وحين ترك الأزهر إلى الجامعة 1916 ثم بعد ثورة 1919 واتجاه زكي مبارك إلى الجامعة نهائيًا كاتصاله بطه حسين وعمله كسكرتير له ثم موقفه منه إبان أزمة الشعر الجاهلي وهو موقف يصفه زكي مبارك بأنه الرجل الوحيد الذي وقف إلى جوار طه حسين ودافع عنه وكتب في المقطم والأهرام يذود عنه خصومة، إلى أن أمره طه بأن يصمت حتى تمر العاصفة بسلام.

ويحرز زكي مبارك الدكتوراه من "الأخلاق عند الغزالي" ويهاجم "الغزالي" صاحب الإحياء رغبة في خلق جو من الشهرة، ثم يحاول أن يسافر إلى أوربا عن طريق الجامعة، فإذا حيل بينه وبين ذلك سافر عن طريق جريدة البلاغ، ثم يرى رأيًا في النثر الفني يخالف رأي المستشرقين ورأي طه حسين ويقع الخلاف بينه وبين أساتذته في السربون ويصر على رأيه ويسجله في رسالة الدكتوراه "النثر الفني" ثم يعود إلى مصر مواصلا الحملة على آراء مسيو مرسيه كبير المستشرقين في السربون، وهنا يصدر كتابه النثر الفني فيلقاه الكتاب بالنقد ويساجلونه في آرائه، إلا أن الدكتور طه فهو الذي يشير إليه إشارة عابرة بأنه "كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب" ثم يقع المعركة بينهما، ويخرج طه حسين من الجامعة في إبان حكم صدقي ويدافع مبارك عن طه، ثم يتاح لزكي أن يعود إليها، مدرسًا بكلية الآداب ويتغير الجو السياسي ويعود طه حسين ويرفض تجديد عقد زكي مبارك.

وفصل طه حسين زكي مبارك من الجامعة فيهاجم طه حسين هجومًا مرًا ويكتب تحت عنوان "لو جاع أولادي لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه" وجاء فيها "لقد ظن طه حسين أنه انتزع اللقمة من يد أطفالي فليعلم حضرته أن أطفالي لو جاعوا لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه ولكنهم لن يجوعوا ما دامت أرزاقهم بيد الله".

وتستمر المعركة بينهما طويلة لا تنتهي، ويصل فيها زكي مبارك إلى حد بعيد من الإسفاف ويرى النقاد أن هذه المعركة لها صلة بالتغريب ونفوذ المستشرقين وآرائهم وتبعية المثقفين الذين يتلقون دروسهم في السربون في ترويج آراء الغرب والإيمان بها ويقولون: إن آراء طه حسين في الشعر الجاهلي كانت آراء مسيو مرسيه وغيره، وأن زكي مبارك حين ناقض هذه الآراء إنما أراد أن يتحرر من سلطان المستشرقين الفكري والتغريبي ولذلك أغروا به طه حسين الذي فصله من الجامعة وألجأه إلى العمل في مجال آخر حتى يكون عبرة لغيره، ويرى بعض النقاد أن "الكرامة" التي حاول زكي مبارك أن يحتفظ بها إزاء طه هي التي صنعت الخصومة ويرون أن زكي مبارك تحول تحولا كبيرًا بعد هذه المعركة فهاجم آراء المستشرقين التغريبية وخالفهم وكشف عن تعمدهم في خلق الشبهات، ودعا إلى بعث أمجاد العرب وظاهر القومية العربية، ودعا إلى التعليم في الجامعة باللغة العربية، وقال النقاد: إن المستشرقين وأساتذة باريس وطه حسين يرون أن زكي مبارك رجل غير مصقول وعاق لأنه خان أمانته للتغريب والحضارة الغربية رسالة الفكر الفرنسي في تسميم الفكر العربي وهدمه والتقليل من شأنه وإثارة الشبهات حوله.