أكد مفتي الجمهورية الدكتور نظير محمد عياد أن الشباب يعد الدعامة الأساسية في المجتمع والثروة الحية الحقيقية والأمل المرتجى على الدوام.
جاء ذلك في كلمة مفتي الجمهورية خلال مشاركته في أعمل مبادرة "الشباب العربي حراس التاريخ والهوية" والتي انطلقت اليوم الإثنين، بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية.
وقال الدكتور نظير عياد: "إن مبادرة اليوم تأتي بدعوة واعية من "مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة" حول "الشباب العربي ودورهم في حراسة التاريخ والهوية" وهو موضوع مهم، يأتي في ظل عالم مشحون باشتباكات فكرية، واستقطاب حاد، ومحاولات مستميتة لتدمير دول وشعوب باستخدام أساليب متنوعة تستهدف المادة الصلبة للوطن، وهم الشباب، وتسعى إلى قطع الشباب عن تاريخهم بدعاوى زائفة، والتاريخ مكون قوي من مكونات الهوية والشخصية الوطنية".
ونوه بأهمية عقد هذا اللقاء الضروري لجمع الشباب حول رؤية واحدة، ولتبصيرهم بما يخطط لهم، وللأخذ بأيديهم إلى ما يجب عليهم، ولبيان حق التاريخ والتراث على الشباب، وموقع التاريخ والتراث من حياة الشباب.
وأضاف : أن الواقع الذي نعايشه ليوجب علينا أن نحصن شبابنا من ذلك السيل القادم إلينا، مرة تحت اسم العولمة وما تحمله من مضامين ومرة تحت اسم الحداثة وما تجر إليه من اغتراب أوجد مساحات كبيرة، وفجوات عميقة بين الواقع المتجدد والتاريخ المشرق الذي يحمل ملامح شخصيتنا وهويتنا، مشيرًا إلى أن من مظاهر التحضر والرقي لدى الأمم أن تعنى بالشباب، وأن تهيئ لهم ما يجعلهم رجالا أكفاء أقوياء تقوم الأوطان على سواعدهم.
وتابع : "لقد جاء الإسلام بمنهج شامل كامل يعلي من قيمة الشباب ويعمل على تربية نفوسهم وتوجيه قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم وقد وصف الله أهل الإيمان الذين أووا إلى الكهف فقال: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى} على كثرة ما لهم من صفات الصبر والثبات والصمود والتحية والبذل؛ إلا أن القرآن خصهم بوصفهم «فتية» فجمع بذلك قوة الشباب واستعدادهم للعمل والبذل مع الإيمان الذي يعصمهم من ظلمات الجهل والضلال".
وأردف قائلًا: "كان النبي عليه الصلاة والسلام محاطًا بشباب الصحابة الذين نقلوا نور الوحي إلى الدنيا، وكثيرًا ما كان صلى الله عليه وسلم يكلفهم للقيام بعدد من المهام الجسام؛ فكان الصحابي الجليل مصعب بن عمير أول سفير للإسلام في المدينة يعلم أهلها، وكان الصحابي الجليل أسامة بن زيد قائد جيش، ولم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاما، وكان زيد بن ثابت المترجم الذي يقرأ لغة اليهود، إلى غير ذلك مما يعكس بصيرة القائد في توظيف قدرات من حوله".
وأبرز أن الإسلام راعى في تشريعه طاقات الشباب وقواهم الكامنة، ووضع السبل التي تعينهم على تسخير تلك الطاقة في الخير والمعروف، وبما يعود عليهم بالفائدة في أنفسهم وأوطانهم، وبما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت اهتمامًا متزايدًا بعلوم الحضارة العربية الإسلامية، سواء من جانب الدارسين العرب والمسلمين أو من جانب المستشرقين ومؤرخي العلم الغربيين، قائلًا : "رغم هذا مازال البعض يتساءل أحيانا عن جدوى البحث في التاريخ، وينظرون إلى كتب التاريخ على أنها ماض لا قيمة له في حاضرنا، ويتساءلون متعجبين بعد أن صرفتهم الحضارة المعاصرة بأدواتها، يتساءلون: ما الفائدة من رصد ما كتب عن تاريخ الأمة، وتحليل عباراته، واستجلاء غوامضه؟.
وقال :"للأسف الشديد تشير هذه الأسئلة إلى علاقة تشبه القطيعة بين البعض والتاريخ، أو بين الحاضر والماضي، وبخاصة لدى الجيل الجديد من الشباب الذين تشبعوا بالحضارة الغربية ومعارفها، وأفاقوا على ما قدمته من منجز تقني وعلمي وتكنولوجي أبهرت به العالم، وغيرت نظرته وتفكيره ومجرى حياته، وجعلته ينساق خلفها، في الوقت الذي يحظى فيه تاريخنا وهويتنا باهتمام كبير من قبل هيئات عالمية، تدرك قيمته ودوره في المحافظة على الهوية والخصوصية الثقافية للأمم والشعوب".
وأضاف: إن هذا الموقف المتباين مدعاة للجميع، أفرادا ومؤسسات، للعمل على سد هذه الفجوة، والتصدي لخطرها، والحد من آثارها في نفوس الشباب الذين لو انقطعوا عن تاريخهم وماضيهم فلا مستقبل لهم"، مشددًا على أن ما يخطط له أعداء الأمة من قطع الشباب عن تاريخهم يتطلب العمل في مسارين لا غنى عنهما معا، الأول خارجي يتعلق برصد هذه المحاولات الخبثة التي تسعى لإيجاد قطيعة بين الشباب وبين هويته وتاريخه، والثاني داخلي يتعلق بهؤلاء المتأثرين بهذه الدعوات الزائفة، التي تعمل على تسطيح القضايا الكبرى للأمة، وتسييل المفاهيم – إن صح التعبير- أو إغراء الشباب بالاندفاع العاطفي غير المنضبط الذي يترتب عليه تخريب وتصدع في بنيان المجتمع الذي ينبغي أن يظل متماسكًا ضمانا لقوته.
وأكد على ضرورة أن تتبنى المؤسسات المعنية والحكومات الواعية عملا منظما يقوم على إحياء التاريخ وتأكيد الهوية في نفوس الشباب، وأن تعمل على وضع برامج واضحة الأهداف، متنوعة الأساليب، مبدعة جذابة، بعيدا عن الخطابات الباهتة الصماء التي لا تكاد تلامس قلبا أو تحرك شعورا.
واستطرد مفتي الجمهورية قائلا: "في ظل هذا الغزو الفكري الذي يستهدف شباب الأمة فإن هذه البرامج المنشودة لا بد أن تجمع إلى التلقي المعرفي الحوار الإقناعي، وتضم إلى التربية الإيمانية التقويم السلوكي، وتزاوج بين التأصيل العلمي المبني على علوم التراث وبين العلوم المعاصرة التي تمكنهم من استعمال أدوات العصر الحديثة من مواقع تواصل وأساليب إقناع وتأثير".
وأضاف أن هذه المهمة بهذا الوصف ليست خاصة بالدعاة والمشايخ وحدهم، بل يجب أن تتكاتف فيها جميع المؤسسات المعنية، بل هي مسؤولية كل مسلم بقدر طاقته وإمكانه، لافتًا إلى أن ما يعتقده البعض من أن التراث الإسلامي لا يناسب الإنسان في حياته المتجددة، ولا يعالج مشكلاته الراهنة، ولا يساير وعيه المعاصر، ولا يدور مع فكره المتطور يعد خطأ كبيرًا.
وأوضح في هذا الصدد أن الحياة المعاصرة لا يمكن استيعابها إلا بالجمع بين أمرين، أولهما: ضرورة هضم التراث هضما جيدا، والتعرف على التراث حق المعرفة واستيعابه بالشكل الصحيح، حتى نستطيع التواصل البناء مع منابع ثقافتنا وروافدها، فالارتباط بالجذور مسألة مؤثرة في ثبات هوية الشباب أمام الغزو الثقافي الذي يتعرضون له في كل وقت، وثانيها: معاصرة الواقع الحالي ومواكبة التطور العلمي والمعرفي، قائلًا : "يجب علينا جميعا أن نهيئ الشباب ونوجهه للتعامل مع مكونات التراث بمنحى يمكنهم من التواصل الفعال مع منجزاته جنبا إلى جنب مع مواكبة العصر، فلا يتخلفوا عن ركبه الحضاري.