عقدت الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، بمقرّ مكتبة مصر العامة بعزبة البرج، ندوة بعنوان: «الفائزون بجوائز ثقافية»، ضمن فعاليات معرض رأس البر الخامس للكتاب، المقام تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة.
وشارك في الندوة كل من الكتاب سمير الفيل، وفكري داود، والدكتور شريف صالح، وخبيب صيام وأدارها الدكتور يوسف بدر.
وبدأ الدكتور يوسف بدر اللقاء بأنه ما يجمع هؤلاء الكتاب الفائزين بالجوائز أنهم كتاب سرد، من كتاب القصة القصيرة والرواية والنصوص، وهم يمثلون أربعة أجيال في الحياة الثقافية المصرية من جيل السبعينيات، سمير الفيل الحاصل على جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية بالكويت، ومن جيل الثمانينيات فكري داود، الحاصل على جائزة القصة القصيرة في مسابقة اتحاد كتاب مصر، ومن جيل التسعينيات الدكتور شريف صالح الحاصل على جائزة ساويرس- فرع القصة القصيرة، ومن أحدث كُتاب القصة القصيرة الشاب خُبيب صيام الحاصل على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024 فرع القصة القصيرة، وتقدم هذه الأمسية تجاربهم الإبداعية.
وبدأ سمير الفيل قائلا: «قرأت أعمال قصصية أثرت فيَ كثيرًا.. "الخطوبة" لبهاء طاهر، و"أوراق شاب عاش ألف عام" لجمال الغيطاني، و"بحيرة المساء" لإبراهيم أصلان، و"الأشواق والأسى" لعبد الحكيم قاسم وغيرها.. انتقلت من كتابة شعر العامية إلى كتابة السرد بتأثير هؤلاء الكُتاب، واكتشفت أنني أكتب القصة القصيرة لأحرر نفسي من الخوف، وأفهم العالم ما الموت؟ ما الحياة؟ ما الحب؟ ما الصداقة؟ ومن محاولات الفهم تعلمت أن الكتابة متعة سواء للقارئ أو الكاتب.
كتبت عن العوالم التي أعرفها سواء من الحياة اليومية في مدينة دمياط، أو من تجربتي في التجنيد، أو من تجربتي في السفر للعمل بالخليج، لم أكتب إلا عما أعرف.. كتبت عن أحياء وشوارع وحواري، اهتممت برصد أحوال المهمشين في مدينة منهمكة في العمل طيلة الوقت.
كتبت ستة أعمال في أدب الحرب، وكتبت عن المسكوت عنه في تجربة الغربة، رصدت تحول المجتمع الدمياطي من مجتمع مبهج ومُغني إلى مجتمع مغلق في أواخر القرن الماضي، كما أنني مهتم بالجمال الحساس الذي يتجلى في الأفعال البسيطة لكل الكائنات.
أرى أن الكتابة لعب باللغة يستمر حتى تتم الاكتشافات المبهجة في النصوص والحياة، أهتم أن تكون أعمالي متاحة وأنشر في دور نشر الخاصة أو دور النشر الرسمية.
أحاول أن أجود أدواتي وأطورها باستمرار. أحاول أن أصل إلى درجة مناسبة من التجريب قدر استطاعتي».
وانتقل الحديث إلى فكري داود قائلا: نشأت بالريف في وسط من الحكائين. حكايات عن العفاريت التي تقفل الشوارع ليلًا، وشجرة التوت الأحمر بالجبانة شاربة دم الموتى، وجنية مكنة الري.
واقع تحكمه عادات وتقاليد وأجواء من الطقوس التي ترتبط بالميلاد والزواج والموت وطبيعة هادئة وخلابة.
تعاملت مع كل ما هو حولي في الثقافة والطبيعة من منظور النزعة الإنسانية، وحلمت أن يكون قارئ أعمالي عنصرًا أساسيًا من كل عمل، كما حلمت دائمًا بكتابة النص الذي يثير حوله الشكوك والظنون.
أستطيع أن أضع تجربتي في محطات عدة: يعد الوالد معلمي الأول، والعم شروش بائع الجرائد صاحب فضل كبير في تكوين أول مكتبة خاصة بي.
محطة معلم اللغة العربية الذي علمني قراءة الكتب.
وقص قصص ألف ليلة وليلة، واقتناء أول نسخة من الليالي.
وكتابة أول قصة قصيرة، محطة الجامعة ومصادقة بائعي الكتب القديمة، والانفتاح على القراءات العربية والعالمية، والنشر في الصحف بالمراسلة البريدية.
العمل بمعهد المعلمين ولقاء محمد علوش ودعوته لي لحضور نادي الأدب بقصر ثقافة دمياط. محطة السفر إلى السعودية وتخليق مشروع كتابي جديد عن الغربة والاغتراب».
وتابع: «نشر كتابي الأول "الحاجز البشري" 1996 وهو جزء من مشروعي الكتابي الأول حول التغيرات الجذرية بالقرية المصرية ومشروع العودة إلى الطفولة. انتهاء الإعارة ونشر "شبك الغنم" والحصول على عضوية اتحاد الكتاب ثم نادي القصة، توالت الإصدارات ما بين رواية "عام جبلي جديد" 2006 إلى "المحارم" 2019، والمجموعات القصصية منها "العزومة" 2013، و"رحيق الجميز" 2023».
وانتقل الحديث إلى الدكتور شريف صالح: «أريد أن أتحدث في أربع نقاط، أراها مركزية في تكوين الكتابة وأيضًا في تكوين الكاتب، النقطة الأولى: الوعي المزدوج بالوجود.. عشت أجواء القرية وما فيها من وعي غريب ومختلف، العفاريت والجن وأبو رجل مسلوخة والنداهة، وغير ذلك من حكايات، وسمعت من ستي بهية حكايات كثيرة تتشابه مع حكايات شعبية عالمية، الوجود بصياغة غامضة ومثيرة تقدمه القرية، ووجود مختلف بالمدينة لافتات المحلات وأضواؤها والأسواق وأنواعها والقطار وكل زخم المدن. وتلقي الأشياء فنحن أول بيت أشترى تليفزيون بالقرية، وكان يأتي إلينا كل أبناء الحارة لمشاهدة المسلسلات، وأثناء مشاهدة مسلسل "إبراهيم الطاير" تكسرت طرابيزة السفرة من عدد الجالسين عليها. الإذاعة وما تقدمه من برامج متنوعة صباحًا ومساءً، وكيف شاركت في تربية الخيال ببرامجها.
من كل تلك الأجواء بدأ نوع من الشك في الوجود، ونشأت ازدواجية الوعي بالوجود عند كاتب شاب أحب يوسف إدريس، وبدأ بكتابة تلخيص الأفلام.
النقطة الثانية: تشجيع الآخرين، أن يهتم بعملك من حولك.
جاءت البداية من تشجيع المدرسين في مدرسة كفر سعد الثانوية، ثم التعرف إلى المؤسسات الثقافية وبخاصة بيت ثقافة القرية، وما وجدته من حفاوة حتى أصبحت رئيس نادي الأدب، بالإضافة إلى تعرفي على الأدباء.. التشجيع وحس الموهبة جعلني أتقدم لمسابقة القصة القصيرة في كلية دار العلوم، وحصلت على المركز الأول، وكان محكم الجائزة الأستاذ الدكتور الطاهر مكي، وذهبت عام 1987 إلى قصر ثقافة دمياط ومنه انطلقتُ. أجواء التشجيع في الأسرة والمدرسة والمجتمع هي سر استمرار الكاتب.
النقطة الثالثة: وعي الكاتب باللغة لكونها الوسيط الأساسي في عمله، وإدراكه لأهمية الإيقاع والمستوى التعبيري، واللغة مرتبطة بوجهة النظر التي يريدها الكاتب.
والنقطة الرابعة: هي وجهة النظر، وهي مهمة جدًا؛ لأنها تأتي من تضافر التخيل الذاتي مع الشخصية- القالب الذي يتم تقمصه- أو التقمص الدرامي».
وأخيرًا تحدث خبيب صيام قائلا: الكتابة تبدأ من الخيال، وهو مخزون الطفولة دائمًا، كنت صغيرًا عندي مجموعة عربيات ملونة، اسميت كل عربة باسم، الأزرق سعيد والأحمر محمد، وتعاملت مع كل عربة كصديق يشاركني عالمي.
سمعت حكاية "المعزات الثلاث" من والدي ومن جدي، كل واحد منهما حكى الحكاية بطريقته، ولا أنسى أبدا المُدرسة في الحضانة، والتي هددت زميلي إبراهيم بأنها ستمده، وخلع حذاءه ووضعتهُ فوق الدولاب، فذهبت إلى البيت وحكيت لأسرتي أن المُدرسة مدتني، وذهب أبي في اليوم التالي إلى المدرسة يشكو المُدرسة إلى المدير، ومن جانبه شهَد المدير زملائي في الفصل، هل المُدرسة مدتني؟ فنفى الجميع ذلك إلا أنني أصريت، وتركت المُدرسة الفصل والمدرسة، وفي المرحلة الإعدادية كنا في رحلة لأحد ملاجئ دمياط وقابلت واحدة منتقبة، جاءت وسلَمت عليَ وقالت: أنا اللي مديتك يا خبيب وضحكنا. قرأت "مغامرات في أعماق البحار"، وعندما درست المجموعة الشمسية؛ كتبت مغامرات في أعماق الفضاء. أكتب على اللاب والتليفون دائمًا، ولا أحب الكتابة على الورق.
وتعرفت على الكتابة من تجربة أليمة.. ما حدث أنني كنت طالبًا متفوقًا في إعدادي كلية الهندسة جامعة المنصورة، وأعلنت وزارة البترول عن منحة دراسية في إحدى جامعات ماليزيا، وتقدم للمسابقة 3000 متسابق، وفاز بالمنحة 15 متسابقًا كنت واحدًا منهم، وبعد ظهور النتيجة قامت أحداث 25 يناير، فألغت وزارة البترول المنحة، وعدت للدراسة بعد انتهاء الترم الأول، وضاع العام الدراسي، وتحولت حياتي من طالب متفوق إلى شخص يعيد السنة، وكان الإحباط هو مدخلي للكتابة.
وبعد فترة اكتشفت أنني دخلت عالمًا سحريًا وجميلًا، وهو عالم الكتابة، ووجدت نفسي فيه، وكأنني أبحث عنه طوال حياتي، وتعرفت على الأستاذين سمير الفيل وفكري داود، وقد شجعاني كثيرًا، سافرت واشتغلت، وفي الغربة تشكل وعيي، ودائمًا ألمح ملامح تطور حياتي من خلال ما أكتب، تقاطعات وأشياء كثيرة تشكلك والكتابة دائمًا تنقذني».