تعد جائزة «نوبل»، أشهر جائزة عالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب من الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
ونلتقي اليوم مع الأديب الألماني «هاينريش بول»
الميلاد والنشأة
ولد «هاينريش بول» في مدينة كولونيا غرب ألمانيا في 21 ديسمبر 1917م، وكان الابن السادس للأب فيكتور بول، الذي عمل نجارا، وأمه ماريا هي الزوجة الثانية لأبيه،. ونشأ الابن وسط عائلة برجوازية.
التحق «هاينريش» من بين 1924م و 1928م بالمدرسة الشعبية الكاثوليكية، ثم التحق بمدرسة القيصر فيلهلم الثانوية الحكومية. وبعد حصوه على الشهادة الثانوية في سنة 1937م بدأ بدراسة علم المكتبات في «ليمبيرتس» في بون، غير أن تركها بعد أحد عشر شهرا. وقد بدأ هاينريش في كتابة محاولات أدبية في تلك الفترة.
الأديب الأسير
عمل «هاينريش» لمدة عام في وظيفة حكومية وفي سنة 1938م، ثم بدأ في سنة 1939م، في دراسة علوم اللغة الألمانية، وكذلك الفيلولوجيا الكلاسيكية في جامعة كولونيا، وكتب في تلك الفترة روايته الأولى «على حدود الكنيسة»، واستدعي في نهاية صيف عام 1939م، لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الألماني، وكانت الحرب قد بدأت فظل في الحرب حتى أبريل 1945م حيث وقع في أسر القوات الأمريكية، وأطلق سراحه في سبتمبر من العام نفسه.
تزوج «هاينريش» خلال إحدى إجازاته من الجيش في سنة 1942م من أنا ماريا تشيش، وكان قد تعرف عليها منذ مدة طويلة، ومات طفلهما الأول كريستوفر في سنة 1945 ولما يكمل عامه الأول، ثم أنجبا ثلاثة أولاد هم ريمون ورينيه وفينسنت.
بداية الرحلة ..زوج وطالب
كان «هاينريش» بول يكتب الرسائل،أثناء الحرب وبعد أن انتهت استأنف الكتابة الروائية والقصصية، إضافة أنه عمل في العديد من المهن ليكسب قوته، ثم التحق بالجامعة ليستكمل دراسته، وكانت زوجته تعول الأسرة من خلال دخلها الثابت من عملها كمعلمة.
ظهرت الرواية الأولى لـ «هاينريش» في سنة 1946 بعد الحرب بعنوان «صليب بلا حب»،و قد كتبها ليشترك بها في مسابقة أدبية، ثم بدأ في سنة 1947م في نشر قصصه القصيرة في المجلات، والتي يمكن أن تصنف ضمن «أدب ما بعد الحرب» و«أدب الأنقاض».
ومثلت تجارب الحرب والحياة الاجتماعية المضطربة بعد الحرب الموضوعات الأساسة في هذه الأعمال. وقد جمعت هذه القصص ونشرت في مجموعة قصصية بعنوان «أيها الجوال، هل تأتي إلى إسبـ» والتي أسست لشهرة «هاينريش» ككاتب قصصي، (وكلمة إسبـ.. اختصار لـ إسبرطة، وهذا العنوان مقتبس من قصيدة مشهورة للشاعر الإغريقي سيمونيدس في القرن السادس ق.م، وتسجل هذه القصيدة معركة «الثيرموبولاي» أو مضيق الجبل، التي قادها الملك ليونيداس ضد الفرس مع ثلاثمائة من جنود الإغريق، سقطوا جميعا في هذه الحرب
نشر «هاينريش» القصص الأخرى التي كتبها في السنوات الأولى بعد الحرب، وضمها في مجموعة قصصية بعنوان «الجُرح» في سنة 1983م
مؤلفات مهمة
ومثلت سنة 1950م بداية لمرحلة إبداعية مهمة في حياة الأديب الألماني «هاينريش بول» حيث اتسم بغزارة الإنتاج الأدبي حينذاك بدءا من ذلك العام، ومن أشهر مؤلفاته وإنتاجه الأدبي: روايات «أين كنت يا آدم؟ 1951م، «ولم يقل كلمة واحد » 1953م ، «بيت بلا حراس» 1954م، مذكرات آيرلندية «أدب رحلات 1957م، «الصمت المتراكم للدكتور موركيس» (قصة قصيرة 1958م، وروايتي « بلياردو في الساعة التاسعة والنصف» 1959م، «تأملات مهرج» 1963م، «عندما اندلعت الحرب» قصة 1965م، «صورة جماعية مع السيدة» رواية 1971م.
الاتجاه الفكري لـ«هاينريش بول»
اتسم «هاينريش بول» بنزعة سياسية يسارية، لكنه لم ينضم إلى حزب معين، و ترأس في سنة 1970م نادي القلم الألماني الأدبي حتى سنة 1972م، وترأس في الفترة نفسها في سنة 1971م «نادي القلم الدولي» حتى سنة 1974م
نوبل لماذا؟
حصل «هاينريش بول» على جائزة نوبل للآداب في سنة 1972، وذلك تبعًا لتقرير لجنة الجائزة «لكتاباته، والتي ساهمت من خلال الجمع بين منظور واسع في وقته ومهارة حساسة في التوصيف في تجديد الأدب الألماني».
وتعد رواية «شرف كاترينا بلوم الضائع» من أشهر رواياته على الإطلاق، وقد ترجمت إلى أكثر من 30 لغة، وحولت إلى فيلم سينمائي، وبيع منها في ألمانيا وحدها حوالي 6 ملايين نسخة.
وكان بول يدعم «حركة السلام» وهي مجموعة من الناشطين ومحبي السلام، تعارض توجه التسلح الذي اتبعه حلف الناتو، وشارك في عام 1982م في مظاهرة قام فيها المتظاهرون بالاعتصام أمام قاعدة إطلاق الصواريخ في «موتلانجن».
وكان آخر مؤلفات «هاينريش بول» الأدبية رواية «نساء أمام طبيعة نهرية»، التي كتبها في بون وصدرت في سنة 1985، والتي تعتبر تمجيدا لتاريخ «بون» عاصمة ألمانيا الغربية الاتحادية بين سنتي 1949 حتى سنة 1989م.
ومن كلمات هاينريش بول «لقد عرفت أن الحرب لن تنتهي أبداً، طالما ظل ينزف في مكان ما، جرح سببته الحرب»، و«قوة الكلمات قد تكون أحياناً أعنف من قوة الصفعات والمسدسات».
مؤلفات «هاينريش بول»
كتب هاينريش بول الكثير من الألوان الأدبية ومنها: «الرسالة» 1947م، وصل القطار في موعده» 1949م، «على الجسر» 1949م، «أيها الجوال هل تأتي إلى إسبـ» 1950 (مجموعة قصصية)، «أين كنت يا آدم؟»، «الخراف السوداء»، «ليس فقط في أعياد الميلاد»، «عمي فريد» 1951م، «الضاحك»، «مصير فنجان بلا مقبض» 1952م، «تيودورا التي لا تموت»، «اعترافات صائد كلاب »، «ملك شاب»، «هنا تيبتن» 1953م.
وكتب هاينريش بول أيضا.. «ولم يقل كلمة واحدة 1953،« بيت بلا حراس»، «ضيوف لا تحصى »،« لقد حدث شيء» 1954م، خبز السنوات الأولى » 1955م، «الصمت المتراكم للدكتور موركيس» 1955م، «مذكرات آيرلندية» 1957، «صحيفة العاصمة » 1957، «المستهزئ» 1957م
وكتب «محطة قطارات تسيمبرين» 1958م، «بلياردو في الساعة الثانية عشرة»، «تأملات مهرج» 1963م، «نهاية رحلة خدمية 1966م، «حين نشبت الحرب» 1966، «صورة جماعية مع السيدة» 1971، «الشرف الضائع لكاترينا بلوم» 1974م، «أنت تسافر كثيرا إلى هايدلبرج» 1977م (مجموعة قصص)، «الجرح» 1983م، «نساء أمام طبيعة نهرية 1985م.
و نشر بعد رحيل«هاينريش بول» من مؤلفاته.. «وصمت الملاك» 1992م ــ «الكلب الشاحب» 1995م ــ «صليب بلا حب» 2002م ــ «على حدود الكنيسة» 2004م ، « قرية القتلة» 2007م.
تراجم إلى العربية
ترجمت لـ«هاينريش بول» قصص قصيرة إلى العربية في الستينيات من القرن اماضي، وتزايد الاهتمام ببمؤلفاته بعد حصوله على جائزة نوبل فترجمت الروايات التالية «ولم يقل كلمة» ترجمة ياسين طه حافظ، دار المدى، لبنان، 1998م، وصل القطار في موعده: ترجمة أحمد عمر شاهين، دار الهلال، مصر، 2000م، «شرف كاتارينا بلوم الضائع» ترجمتان/ واحدة لنوال حنبلي (سورية) وأخرى لشحاتة ياسين، عن مؤسة دار الهلال، مصر 2001م، و «نساء أمام طبيعة نهرية» ترجمة صلاح حاتم، دار المدى، مكتبة نوبل، لبنان، 2003م، »صورة جماعية مع سيدة» ترجمة صلاح حاتم، دار المدى، لبنان، مكتبة نوبل، 2004 م، «وكان مساء» ترجمة سمير جريس، دار المدى، لبنان، مكتبة نوبل، 2015م، «نهاية مأمورية» ترجمة علاء الدين ندا، دار المدى، مكتبة نوبل، لبنان، 2017م ،« الملاك الصامت» ترجمة طلعت الشايب، دار دال، سورية».
جوائز وأسمة
حاز «هاينريش بول» على العديد من الجوائز منها: جائزة «مجموعة 47» الأدبية عن روايته «الخراف السوداء» 1951م، وجائزة إدوارد فون دير هايت الثقافية من مدينة فوبرتال1958م، جائزة جيورج بوشنر - عن مجموع أعماله الأدبية1972م، ونال ميدالية كارل فون أوسيتسكي، ونال وسام «المواطن الفخري» في مدينة كولونيا، ولقب بروفيسور من ولاية نوردراين فيستفالن.
المرض والوفاة
في بداية شهر يوليو 1985م نقل «هاينريش بول» إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية أخرى في ساقه، بعد هذه العملية عاد بول في يوم 15 يوليو إلى لانجنبرويش، وتوفي في صباح السادس عشر من يوليو من العام نفسه، أجريت مراسم دفنه وجنازته بعد ثلاثة أيام في بلدة ميرتن القريبة من كولونيا وذلك تبعاً للمراسم الكاثوليكية.
وقد حضر جنازته الآلاف من الألمان، سواء من الأدباء والسياسيين وغيرهم من عامة الشعب، كما حضر الحفل التأبيني ريتشارد فون فايتسكر الرئيس الاتحادي لألمانيا الغربية.
تكريم بعد الرحيل
تمنح مدينة كولونيا كل عامين جائزة «هاينريش بول» الأدبية للأدباء تقديرا لأعمال معينة أو لمجمل أعمالهم، وتقدر قيمتها ب 20 ألف يورو، وأطلق اسمه على مؤسسة حزب الخضر الألماني المعنية بشؤون بحوث المناخ والسياسة الأوروبية وحقوق الأقليات «مؤسسة هاينريش بول»، كما أعلن في ذكرى وفاة «هاينريش بول» الـ 25 عام 2010 م كمواطن شرف لمدينة بورنهايم التي عاش فيها أعوامه الأخيرة.
وحاز «هاينريش بول» على جائزة العرفان من مركز سوليدارنوسك الأوروبي، لدعمه لحركة سوليدارنوسك العمالية في بولندا.في عام 2015م، وفي عام 2017م أصدر البريد الألماني طابع بريد من فئة 0.70€ في مئوية ميلاد هاينريش بول.