على مدار سنوات طويلة مضت كان المسئولون في مصر ولا يزالون يرفعون شعار «أطفال اليوم هم قادة الغد” ، هكذا كانوا يرددون ويتحاكون في جلساتهم الخاصة والعامة، ويؤكدون على توفير كل سبل الدعم للارتقاء بالطفل المصري صحيا وعلميا ورياضيا وسلوكيا وثقافيا، ووصل الأمر إلى حد إنشاء مجلس قومي للأمومة والطفولة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزراء الشئون الاجتماعية، وؤ والثقافة، والتعليم، والقوى العاملة، والتخطيط، والإعلام، والشباب والرياضة، ورغما عن ذلك بقيت كل قرارات وخطط الاهتمام بأطفالنا حبرا على ورق، ومعه لم نعد نردد المقولة الشهيرة بأن الطفل المصري أذكى طفل في العالم بنفس الثقة التي كنا نرددها في الماضي .
تشير الإحصاءات الرسمية متنوعة الصدور بين جهاز التعبئة والإحصاء ووزارة الصحة والمجلس القومي للبحوث الاجتماعية ووزارة السكان إلى أن الأطفال يشكلون ٣٣٪ من أعداد المصريين ، أى قرابة ٣٠ مليون طفل ، ٢٩ ٪ منهم في مرحلة التقزم ، و ٢٥ ٪ آخرون مصابون بأمراض القلب والسمنة والسكر، ومليون طفل مصابون بالتوحد، و ١٥٠٠ طفل لديهم فشل كلوي ، وعشرة آلاف طفل مصري يداهمهم السرطان سنويا وهى النسبة الأعلى عالميا ، فضلا عن قرابة ٢٠ ألف طفل يعيشون بالشوارع غالبيتهم من الذكور، ٦٠ ألف طفل متسربون من مرحلة التعليم الأساسي ( ابتدائي وإعدادي ) في العامين الأخيرين فقط ، بينهم ٧٦ ٪ من الفتيات.
بينما في الدول المتقدمة وفي مقدمتها اليابان، الوضع مختلف تماما، فتعليم الأطفال عندهم بات صناعة بشر، هم يعرفون قيمة أطفالهم ويدركون جيدا أنهم بناة المستقبل ، يحافظون عليهم ويوفرون كل سبل الرعاية لهم، يدركون جيدا أن الاستثمار الحقيقي ليس في المشروعات العملاقة ولكن في الطفل، ويتعاملون معه بمنطق الدجاجة التي تبيض ذهبا.
هذا ما أطالب به المسئولين ورجال الأعمال في مصر، استثمروا في أطفالنا ، اجعلوا منهم مشروعا قوميا، حافظوا عليهم ووفروا المناخ الجيد لتعليمهم وتثقيفهم واكتشاف النوابغ منهم، وفروا سبل الرعاية الصحية والاجتماعية والبيئة النظيفة لهم، اجعلوا من أطفالنا أبطالا ونجوما نتباهى بهم أمام العالم، اجعلوا وزيرا في الحكومة مسئولا عن أطفالنا، هذا هو الاستثمار الحقيقي، فهل من مجيب ؟!
كتب : محمد السويدى