الخميس 29 اغسطس 2024

محاضرات مكيافيلي | أسباب بقاء بعض الملوك في الحكم لفترات طويلة (2_50)

نيقولا مكيافيلي

ثقافة28-8-2024 | 22:38

إسلام علي

يعد كتاب "الأمير" لنيقولا مكيافيلي من أشهر الكتب السياسية في القرون الوسطى، وذلك لإحتواءه على العديد من الأفكار والأنماط التي اتبعها السياسيون عبر العصور والتي بفضلها تمكنوا من السيطرة على مقاليد الحكم لصالحهم.

ويتحدث مكيافيلي عبر الفصل الثاني عن الأساليب التي يتبعها الملوك والأمراء عبر العصور والأزمنة للتغلب على الأمم الضعيفة والتحكم في طرق معيشتهم، بل ويعطي نيقولا أيضا دروسا للملوك والأمراء ضعفاء الشخصية لأجل التحكم في العرش لصالحهم والتي لن يفيدهم ذكائه. فيقول" إن التمكن من الممالك الموروثة لا يحتاج إلى حيلة من الحيل السياسية التي تمتاز بالذكاء والدهاء". 

ويكمل مكيافيلي حديثه "وذلك لأن الملك أو الأمير الذي يرث العرش من اجداده يجب عليه أن يقتفي الأثر في كل من سبقه من الملوك في سياستهم الاقتصادية والإجتماعية والتجارية بل في شتى المجالات المختلفة وذلك للتمكن من السيطرة الكاملة على البلاد". 

ويضيف "وحتى إذا هجمت عليه إحدى الممالك القوية واغتصبت عرشه بالقوة فإنه إذا اتبع ما سبق من الإرشادات في حكمه فسوف يستطيع أن يسترد عرشه في يوم من الأيام". 

ويفسر نيكولا أيضا في حديثه أسباب استطالة الملوك في العرش وذلك بسبب أن لدى الملك أو الأمير سلالة دم قوية ولها جذور في الحكم والسياسة مثل الفونسو الأول ديستى دوق فيرارا، والذي ذكر نيقولا سيرته وطبق عليها طرق عدم خروج الشعوب من طوق حكامها والتي منها أن الأمير يجب أن لا يسبب الأذى بشعبه وأن لا يتصف بعيوب وذنوب تنفر منه الرعية.

وأكمل في مجمل حديثه: وأن السبب في ضياع الحكم والسلطة هو تفريط الملك أو الأمير في القوانين السياسية والتي فرضها الحكام اللذين سبقوه في الحكم، بحيث إذا فرط في بعض من قوانين أسلافه وبدأ في سلب الأموال والحكم بين الناس بالظلم والعدوان، فمن المؤكد ضياع الحكم منه.".

وأضاف: أنه في تغيير القوانين التي تسير عليها الدولة منذ مئات السنين حتى لو كانت بسيطة سوف تمهد السبيل للكثير وهذا يهيج سخط العامة.

القوانين القديمة.. حجر أساس الملوك والأمراء 

وفي مجمل حديث مكيافيلي عن الملوك اللذين ساروا على نهج القوانين القديمة ومنهم ألفونسو الأول ديستى، دوق فيرارا، والذي يعتبر مثالاً للملك الذي احتفظ بالسلطة وحافظ على عرشه لأنه لم يغير السياسات القديمة، بل اتبع أساليب الحكم التي ورثها عن أسلافه.
وبهذا، استطاع الحفاظ على ولاء شعبه واستمرارية حكمه، ويذكر مكيافيلي أنه من الأسباب التي جعلت دوق فيرارا يحافظ على حكمه هو عدم تسببه في أذى لشعبه وعدم اتخاذه سياسات تضر بالرعية.
وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب، حاكم الدولة الأيوبية في مصر، حريصًا على اتباع تقاليد وقوانين الأسرة الأيوبية التي أسسها جده صلاح الدين الأيوبي، بفضل سياساته المحافظة، تمكن من الحفاظ على استقرار الدولة الأيوبية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.

وعلى الجانب الأخر، يعتبر الإمبراطور أغسطس 27 ق.م – 14 م، أول إمبراطور لروما، والذي اتبع الكثير من القوانين والتقاليد التي وضعها أسلافه في الجمهورية الرومانية، وأسس نظام حكم استبدادي ولكن مستقر، وهو ما ساهم في بقاء الإمبراطورية لعدة قرون بعد وفاته.

الملك هنري السابع من إنجلترا 1485-1509 م، أسس سلالة تيودور في إنجلترا واهتم بتعزيز سلطة التاج واحترام القوانين التي وضعها أسلافه لضمان استقرار الحكم ومنع الاضطرابات الداخلية.


تعديل القوانين.. ضياع للسلطان 

ويجد العديد من الأمثلة للملوك اللذين فرطوا بالقوانين القديمة، مثل لويس السادس عشر ملك فرنسا، رغم أنه لم يذكر في نص مكيافيلي، فإنه يُعتبر من الأمثلة الشهيرة للملوك الذين فقدوا حكمهم بسبب التفريط في السياسات والقوانين القديمة، فكانت تغييرات لويس وإهماله للأزمات الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا أدت في النهاية إلى الثورة الفرنسية والإطاحة به.

الملك تشارلز الأول من إنجلترا 1625-1649م، تحدى العديد من القوانين والتقاليد البرلمانية التي وضعها أسلافه، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية الإنجليزية وإعدامه في النهاية، وفقدان النظام الملكي لبعض الوقت في إنجلترا.

وتجاهل القيصر نيكولاس الثاني من روسيا حكم من 1894 إلى 1917، الإصلاحات الضرورية ولم يتبع سياسات أسلافه الأكثر حذراً في التعامل مع المعارضة السياسية والاجتماعية، مما أدى إلى اندلاع الثورة الروسية وفقدان الحكم الإمبراطوري لأسرة رومانوف.