كشمس ساطعة في سماء الأدب، أضاء عقول العديد من الشباب، فبلغة قريبة لهم، وأسلوب أدبي جذاب، استطاع "محفوظ" أن يحفر اسمه داخل وجدان الشعوب، فهو لم يكن مجرد أديبًا فكان فيلسوفًا ذات عقل راجح وسليم، كان قريبًا لقلوب المصريين بأعماله التي غلبت عليها أوضاع البلد والحارة، فتشعر عند قراءة رواياته أنك تعيش معهم الأحداث وتتأثر بمشاعرهم، فهو أحد أبرز الأدباء في مصر، وأول أديب عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، ونشر حوالي 34 رواية وأكثر من 350 قصة قصيرة والعشرات من سيناريوهات الأفلام وخمس مسرحيات، تحولت معظم مؤلفاته إلى الأعمال السينمائية والتلفزيونية، إنه الأديب العالمي نجيب محفوظ التي تحُل اليوم ذكرى وفاته، فهو النجيب "ابن حارتنا" الذي سيظل محفوظ في الذاكرة.
وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911، في حي الجمالية بالقاهرة، يُعد أصغر أشقائه، أطلق عليه والده اسمًا مركبًا تقديرًا للطبيب، الذي استطاع انقاذ حياته هو ووالدته أثناء ولادته، التحق بالكُتاب وتعلم القراءة والكتابة، ثم استكمل تعليمه.
التحق "محفوظ" بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليًا" في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، ثم قرر البدء في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، ولكن ما لبث إن غير رأيه وقرر التركيز على الأدب.
عندما كان "محفوظ لازال طالبًا جامعيًا، ترجم كتاب "مصر القديمة"، للكاتب الإنجليزي جيمس بيكي، الذي تناول بطريقة مُبسطة لمحات من تاريخ مصر القديمة، فأراد محفوظ أن يتعمق في دراسة الشخصية والوجدان المصري، فبدأ الكتابة في منتصف الثلاثينات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة "الرسالة" فخرج لنا برواية "عبث الأقدار" ثم "رادوبيس"، و"كفاح طيبة".
عُرف عن "محفوظ" كرمه، فكان لا يخجل ولايرد أحد، فإذا لجأ له صحفي ساعده وأعطاه ما يريد من معلومات بسخاء واستفاضة، فكانت أحاديثه تحتوي على آراء وحكايات ووقائع، كما كان دقيقًا ومحبًا لتنظيم وقته وجلساته.
لم يكتب سيرته الذاتية استكفى بنقاشته، ولكن هناك كتابي لجمال الغيطاني حملا عنواني "نجيب محفوظ يتذكر" و"المجالس المحفوظية"، كما هناك أعمال لـ "محفوظ"، كـ "أصداء السيرة الذاتية"، "أحاديث فترة النقاهة"، ولكنهم ليس سير ذاتية بل أصداء في الذاكرة والوجدان.
استخدم نجيب محفوظ لغه التراث الصوفي 45 مرة، في 15 رواية من رواياته، وظهر ذلك في "اللص والكلاب"، و"ليالي ألف ليلة"، و"بين القصرين"، و"قصر الشوق"، و"قلب الليل"، و"العائش في الحقيقة".
استمر "محفوظ"، في غزارة انتاجه الأدبي، حتى حصل على جائزة نوبل عن رواية "أولاد حارتنا" ضمن أربع روايات أخريات، ولكن بقدر ما جلبت تلك الرواية السعادة كأول مصري يحصل على نوبل، إلا أنها كانت ستكون سببًا في وفاته.
ففي يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994، اقترب شابًا ارهابيًا ذات عقليه سطحيه ورجعيه ليسدد طعنه نافذه في عنق نجيب محفوظ، وكان من وجهه نظره أنه قام بعمل بطولي وطبق شرع الله، رُغم جهله برواياته وخاصة "أولاد حارتنا"، فقد رأى محرضينه أنه يستحق ذلك لقيامه بإزدراء الأديان من وجه نظرهم، بسبب إضافة اسم "الجبلاوي" لأسماء الله الحسنى وكان الغرض من تلك الصفه، إضفاء حسه الأدبي.
رُغم كل ما تعرض له من هجوم ومحاولة اغتيال إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة، فلمحفوظ العديد من الروايات ومنها، السمان والخريف، ملحمة "جلجامش" السومرية، أول ملحمة إنسانية معروفة، "الحرافيش"، "حديث الصباح والمساء"، وغيرهم من أعماله التي خلدتها الدراما في الأفلام والمسلسلات المصرية.
تدرج محفوظ في العديد من المناصب الحكومية ومنها: عمل سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة، وعمل مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرقابة على المصنفات الفنية، عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون، وصولًا لأخر منصب حكومي وهو رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما ، وتقاعد بعدها ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.