الخميس 5 سبتمبر 2024

تاريخ من الاستقلال والمصداقية

مقالات5-9-2024 | 20:53

أسس جرجي زيدان مجلة الهلال في عام ١٨٩٢م. يعني ذلك أن المجلة الآن عمرها يزيد على المائة واثنين وثلاثين (١٣٢) عاماً، والحقيقة أن هذه المجلة تعتبر أشهر مجلة شهرية في الوطن العربي، فضلاً عن أنها  أقدم مجلة شهرية أيضاً.

وقد اشتهرت المجلة منذ أن تأسست بتنوع موضوعاتها والعمل على أن تكون الموضوعات المنشورة فيها متميزة مع الالتزام بقدر كبير من الدقة والجدة والأصالة وبكل المبادئ العلمية والأخلاقية في الكتابة وانتقاء الموضوعات التي تتواكب مع المستجدات الفكرية. لقد نجحت المجلة نجاحاً كبيراً في عرض المنتجات الثقافية في مجال الأدب والفكر وفي مجال الفنون وفروع الثقافة المختلفة.

كما نجحت المجلة في التعريف بتاريخ الشخصيات المثقفة في عالم الثقافة والعلوم. 

لقد نجحت مجلة الهلال بحق في أن تقدم نموذجاً متميزاً للطريقة التي يجب أن تكون عليها المجلة الشهرية. ولقد التزمت المجلة التزامًا شديداً بعدد من المبادئ الأخلاقية التي تبعدها عن الابتذال والنفاق أو التردي والذهول عن المقاصد، وفضلاً عن ذلك فقد ابتعدت المجلة ابتعاداً كبيراً عن الميول السياسية والأيديولوجية المختلفة.

ولذلك فقد استطاعت المجلة أن تصمد في الزمن عبر فترات تاريخية مختلفة وعبر نظم سياسية مختلفة. لقد تغيرت النظم السياسية والأيديولوجيات ولكن ظلت مجلة الهلال شامخة وصامدة في مكانها لا تتغير. ويرجع السبب في ذلك إلى أنها كانت منذ نشأتها مجلة مستقلة تحترم رأيها وتتمسك بموقفها ولا تتحيز لأي توجه سياسي ولا تنافق وتتجنب الدخول في مهاترات أو مجادلات سياسية.

لقد توخت الأسلوب الثقافي الرصين الذي يحفظ للمجلة كيانها الثابت ومصداقيتها. وهذا ما جعلها تستمر عبر الزمن قوية شامخة دون أن تسقط أو تغير من طبيعة مسارها المتميز. لذا مجلة الهلال تعرف عبر تاريخها الطويل بأنها تتميز بالرقي والسمو والاستقلال.

ولذلك فقد كانت دائماً قبلة لعدد كبير من المفكرين والكتاب المتميزين. فإذا تتبعنا الأعداد المختلفة للمجلة فسوف نجدها أنها تحولت إلى سجل يضم معظم المشهورين من المثقفين المصريين والعرب.

وعلى هذه الخلفية نستطيع أن نقول إن الذي يقرأ مجلة الهلال يمكن أن يعرف تاريخ وتموجات الحركة الثقافية المصرية والعربية منذ نهاية القرن التاسع عشر مروراً بكل القرن العشرين وبداية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين أي قرابة قرن وثلث من الزمان. إننا هنا نستطيع حين نقرأ الأعداد المختلفة للمجلة أن نؤرخ لتاريخ الفكر المصري والعربي وأن نتعرف على المواقف والاهتمامات الفكرية المختلفة التي تعكسها الموضوعات المتميزة في المجلة، وأعتقد أننا بحاجة إلى هذا النوع من الدراسة.. فإذا كانت المجلة قد مرت بكل هذا الزمن فنحن نحتاج إلى دراسة الموضوعات التي نشرت فيها ونستخلص منها دروساً للتعرف على طبيعة الثقافة وتطورها، وأن نضع أيدينا على التطورات الثقافية في المنطقة العربية وفي مصر على وجه الخصوص.

ونحن سعداء جداً في مكتبة الإسكندرية لأن المكتبة قامت برقمنة أعداد المجلة وكونت لها أرشيفاً خاصاً، ويعد هذا إسهاماً كبيراً لأنه كما ذكرت في بداية الحديث فإن مجلة الهلال من أقدم المجلات وهي مجلة لها احترامها وتقديرها عبر التاريخ.

ويجب أن تتجه الدراسات في المستقبل إلى بحث الإسهامات والموضوعات التي قدمتها مجلة الهلال لتستقي منها دروساً في فهم تاريخنا الثقافي، كما يجب على المجلات الأخرى أن تستفيد من تاريخ مجلة الهلال في الحرفية والاستقلال والمصداقية.. وفي الختام لا يسعني إلا أن أقدم تحية لكل العاملين في مجلة الهلال ورؤساء تحريرها في الماضي والحاضر.