في وقت تُقدر قيمة الاقتصاد الرقمي العالمي بتريليونات الدولارات، وتسهم التكنولوجيا الرقمية في خلق ملايين من فرص العمل الجديدة، لا تزال المنطقة العربية تستغل جزءًا ضئيلاً من هذه الإمكانات الهائلة.
وتشير معظم التقارير الدولية إلى تزايد نسب مساهمة الاقتصاد الرقمي في نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول المتقدمة، بنسبة تزيد كل يوم تقريبا، بينما لم تتجاوز هذه النسبة في العديد من الدول العربية أرقاما ضعيفة لا تحقق طموح الشعوب في التنمية المستدامة، مما يتطلب تسريع وتيرة التحول الرقمي في منطقتنا العربية.
وعن كيفية تسريع وتيرة التحول الرقمي في المنطقة العربية، وتعزيز دورها الريادي في هذا المجال، يقول الدكتور محمد وجيه أستاذ الوراثة والبيوتكنولوجي بجامعة نيوبرونزيك ورئيس الاكاديمية الكندية للعلوم، إن الاستثمار في الإنسان هو لبنة المستقبل الرقمي، مؤكدا أهمية الاستثمار في العنصر البشري كركيزة أساسية لتحقيق التحول الرقمي المنشود.
ودعا إلى ضرورة تطوير المناهج التعليمية في جميع المراحل الدراسية لتشمل المهارات الرقمية والتفكير النقدي والإبداعي؛ بما يمكن الشباب من مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة مع الاهتمام بدعم الأنشطة العلمية والابتكارية في المدارس والجامعات، وتوفير بيئة محفزة للإبداع والابتكار.
وأضاف وجيه، أن التعاون الإقليمي يمثل قوة دافعة للتغيير، مشيرا إلى أهمية التعاون الإقليمي بين الدول العربية في مجال التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي مع تفعيل دور المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية وأمانة مجلس التعاون الخليجي والاسكوا والاسيسكو في تنسيق الجهود وتبادل الخبرات والمعرفة، كي تستفيد الدول العربية من نقاط قوتها وتتغلب على تحدياتها المشتركة، وتحقق قفزات نوعية في مجال التكنولوجيا.
وأشار إلى الدور المحوري للشركات الناشئة في دفع عجلة الابتكار وتطوير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المنطقة، داعيا إلى توفير بيئة محفزة لنمو هذه الشركات، من خلال تسهيل الإجراءات وتوفير التمويل اللازم.
وشدد على أهمية الشراكات بين الشركات الناشئة والحكومات والقطاع الخاص لتسريع وتيرة الابتكار، مؤكدا أهمية الأخلاقيات في تطوير وتطبيق التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وطالب الدكتور محمد وجيه، بوضع إطار أخلاقي واضح لاستخدام هذه التقنيات؛ بما يضمن حماية الخصوصية والأمن السيبراني، وتجنب الآثار السلبية المحتملة.
كما شدد على أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات في استخدام التكنولوجيا لتحقيق الخير للمجتمعات العربية، موضحا أن التحول الرقمي يمثل فرصة ذهبية لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في المنطقة العربية.
ودعا إلى الاستثمار في البنية التكنولوجية، لافتا إلى أن المنطقة العربية تواجهها العديد من التحديات في مسيرتها نحو التحول الرقمي، على الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتوفر فيها.
وأشار إلى أن من هذه التحديات عدم كفاية الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات، مما يؤدي إلى ضعف سرعة الإنترنت وتغطيته، خاصة في المناطق الريفية.
وقال إن مواجهة هذه التحديات تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات والشركات والمجتمع المدني لتجاوزها وتحقيق التنمية المستدامة، وأيضا تواجه الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا صعوبة في الحصول على التمويل اللازم للنمو والتوسع، كما يواجه رواد الأعمال العرب صعوبة في الوصول إلى الأسواق العالمية.
وأشار الدكتور محمد وجيه إلى أن الاعتماد على كابلات الألياف الضوئية الدولية يجعل المنطقة عرضة للتأثر بقطع هذه الكابلات أو زيادة أسعارها بالاضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين الدول العربية في مستوى البنية التحتية الرقمية، كما يعاني سوق العمل العربي من نقص في الكفاءات اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية نتيجة اختلاف جودة التعليم الرقمي بين الدول، مما يؤثر على مستوى الكفاءات بين الخريجين.
وأضاف أن جزءا كبيرا من المجتمع العربي يفتقر إلى الوعي بأهمية التكنولوجيا الرقمية وكيفية استخدامها بشكل فعال، حيث يخشى البعض من التغيير والتأثيرات المحتملة للتكنولوجيا على حياتهم ووظائفهم.
واقترح الدكتور محمد وجيه عدة حلول للتغلب على تلك التحديات، منها تعزيز الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وزيادة الاستثمارات الحكومية والخاصة في تطوير شبكات الاتصالات وتوسيع تغطيتها، مع تشجيع الشراكات بين القطاع العام والخاص لتمويل المشاريع الرقمية الكبرى.
وأشار إلى أن هذا يحدث في بعض دول الخليج ومصر التى تفسح مجال للقطاع الخاص لشراكات في مشروعات كبيرة في مجال التحول الرقمي.
ولفت إلى أهمية تطوير البنية التحتية السحابية لتوفير خدمات رقمية متقدمة والتوسع في إنشاء مراكز تدريب متخصصة في مجال التكنولوجيا وتشجيع برامج التدريب المهني في مجال تكنولوجيا المعلومات وتطوير برامج تبادل الخبرات مع الدول المتقدمة وتشجيع استخدام التكنولوجيا في الحياة اليومية مع دعم المبادرات التي تهدف إلى تمكين المرأة والشباب في مجال التكنولوجيا.
واقترح الدكتور محمد وجيه إنشاء صناديق استثمارية لدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا مع توفير الحوافز الضريبية للشركات التي تستثمر في التكنولوجيا و تسهيل إجراءات تأسيس الشركات وتسجيل الملكية الفكرية مع تعزيز الأمن السيبراني والاستثمار في أنظمة الأمن السيبراني وتدريب الكوادر المؤهلة وسن تشريعات وقوانين لحماية البيانات الشخصية والأمن السيبراني والتعاون الدولي لمواجهة التهديدات السيبرانية.
وأكد أن التحول الرقمي يمثل فرصة تاريخية للمنطقة العربية لتحقيق التنمية المستدامة وهو ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة ملحة لبقاء المنطقة العربية تنافسية في الاقتصاد العالمي من خلال الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتطوير الكفاءات، وتعزيز الشراكات، حيث يمكننا تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال وبناء مستقبل رقمي مزدهر للأجيال القادمة.