الأحد 16 يونيو 2024

الرئيس.. والإمام ومعركتنا ضد التطرف الدينى

1-3-2017 | 11:25

بقلم –  عبدالقادر شهيب

مثلما أنا متأكد من أن الرئيس السيسىيرغب بشدة فىمواجهة جادة وصارمة للتطرف الدينىالذىيصنع لنا وحوشا آدمية تقتل وتحرق وتخرب وتدمر وتمارس العنف والإرهاب، فأنا متأكد أيضاً أن فضيلة الإمام د. أحمد الطيب شيخ الأزهر رجل دين مستنير يؤمن بقيم المواطنة والتسامح والتعايش المشترك وقبول واحترام الآخر، ويرفض بدوره التطرف الديني.. لذلك لم أصدق طوال الوقت أن ثمة أزمة بين مؤسسة الرئاسة والأزهر أو أن هناك توترا فىالعلاقة بين الرئيس والإمام.

فقد تعاملت بشكل مباشر مع د. أحمد الطيب بعد أن تعرفت عليه وهو رئيس لجامعة الأزهر.. تجمعنىمعه الجيرة فىالسكن ونتشارك أحيانا فىصلاة الجمعة بمسجد صغير.. وسمعت الكثير عنه وعن مواقفه وسلوكه وهو يدرس فىباريس من الصديق المرحوم د. محمود عزب.. وشاهدته وهو يتعامل مع الأخوة الأقباط بمحبة عندما زرته مع د. أندريا زكىرئيس الطائفة الإنجيلية وعدد من قياداتها وكوادرها فى منزله بالقرنة بمحافظة الأقصر.

أما الرئيس السيسىالذىغامر بحياته من أجل إنقاذ البلاد من حكم الإخوان الفاشىوالمستبد، وهو يعلم تفاصيل ما أضمروه من شر لبلادنا، وما اتفقوا عليه مع بقية التنظيمات الإرهابية، فهو بالتأكيد يرفض التطرف الدينىبشدة ويبغىمواجهة حازمة وجادة ومستمرة له حتى نحمىأبناءنا من الوقوع فىشرك تلك التنظيمات الإرهابية التىتقتل وتخرب وتدمر وتروع الآمنين.

وهكذا.. هناك ما يجمع ما بين الرئيس والإمام.. وهذا ما دعا الرئيس وهو وزير للدفاع فىالثالث من يوليو ٢٠١٣ أن يدعو د. أحمد الطيب مع البابا تواضروس للمشاركة فىوضع وصياغة خارطة المستقبل للبلاد التىأنهت حكم مرسىوحددت انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة بعد وضع دستور جديد للبلاد، يقر قيم المواطنة والمساواة بين كل المصريين، رغم اختلاف الجنس أو الانتماء الاجتماعىوالعرقىوالسياسى، واختلاف دياناتهم وانتماءاتهم السياسية والأيديولوجية.. فالرئيس السيسىيدرك أهمية الأزهر وهو حريص على ألا يفقد مكانته التى حظىبها دوما فىالعالم الإسلامي، خاصة وأن الانتقاص من مكانة الأزهر يصب فىمصلحة مؤسسات دينية أخرى تميل إلى التطرف الدينىأو تنتهج أفكاره ورؤاه.. وربما إدراك الرئيس السيسىلتلك الحقيقة هو الذىيفسر اقتناع بعض الدوائر والدول الأوربية بها وتعويلها على دور للأزهر يلعبه فىنشر صحيح الدين الإسلامىوتطهيره من أخطار التطرف التىتخلق لنا فىنهاية المطاف وحوشاً آدمية تقتل وتخرب وتدمر فىكل مكان تذهب إليه.

ولذلك.. لم أحمل بعض كلمات الرئيس سواء حول الأزهر ورجاله وشيخه أكثر مما تحتمل.. فقد فسرت ما سبق أن قاله الرئيس السيسىفىإحدىخطبه لرجال الدين الإسلامىبأنه سوف يحاججهم أمام الله يوم القيامة، بأنه يشدد فىحثه لهم على ضرورة التعجل بتصحيح الخطاب الديني، وباتخاذ خطوات أكبر وأوسع فىالتصدىللتطرف الديني.. كما فسرت أيضاً ما قاله الرئيس للإمام الأكبر قبل أسابيع: (لقد أتعبتنىيا فضيلة الإمام( بأنه يحثه أيضاً بطريقة المداعبة على إسراع خطى تصدىالأزهر الشريف للتطرف الديني، ولا تعكس شيئاً آخر يضمره الرئيس السيسىللدكتور أحمد الطيب، كما روجت بعض الاجتهادات الصحفية والإعلامية، أو اجتهادات منابر التواصل الاجتماعي، التىذهبت إلى حد اختلاق أخبار غير صحيحة مثل خبر سفر د. الطيب إلى القرنة وتوقفه عن ممارسة مهامه كشيخ للأزهر، أو مثل خبر الإعداد والتجهيز فىالبرلمان لصياغة قانون جديد للأزهر يمكن الرئيس من عزل شيخه، لأن القانون الحالىيقيد الرئيس فىهذا الصدد ويتيح لشيخ الأزهر البقاء فىمنصبه مدىالحياة.

وها هو اللقاء مجددا يجمع ما بين الرئيس السيسىوفضيلة الإمام شيخ الأزهر.. ولعل هذا اللقاء ينهىذلك اللغط الذىثار مؤخراً ونفخ فيه الإخوان من خلال أبواقهم الإعلامية والإلكترونية، خاصة أنهم يعتبرون كلا الرجلين عدوين أساسيين لهما ويتمنيان أن يتخلصا منهما معا، نظرا للنزعات الانتقامية التىتسيطر عليهم، والتىذقنا مرارة طعمها فىذلك العنف الذىمارسه الإخوان ومازالوا يمارسونه ضد بلادهم، وفىمؤامراتهم لتخريب الجهود المبذولة لتجاوز اقتصادنا أزماته ومشاكله.

فهذا اللقاء الذى جمع ما بين الرجلين هذا الأسبوع لا يعنى فقط أن كل ما أثير من معلومات مغلوطة وأخبار مفبركة حول توتر العلاقة بينهما هى أكاذيب، وإنما يعنى أيضا أن الرئيس السيسى يعول بشدة على دور الأزهر من أجل تصحيح الخطاب الدينى، حتى وإن كان رجاله لم يلبوا كل طلبه بخصوص أزمة الطلاق.. بل يعول على ألا يفقد الأزهر مكانته فى العالم الإسلامى وبين كل المسلمين المنتشرين فى أنحاء العالم وأن يعزز هذه المكانة من خلال دور قيادى وريادى فى تصحيح الخطاب الدينى والتصدى بقوة وحزم لأفكار ورؤى التطرف الدينى وتطهير الدين الإسلامى من هذه الأفكار حماية لهذا الدين وسمعة المسلمين التى تضررت بشدة بعد انتشار الإرهاب فى ربوع العالم، وهو ما ظهر بوضوح فى الخلط المتعمد أو غير المتعمد الذى نجده فى الغرب الآن ما بين الإسلام والإرهاب، والذى يلحق الأذى بالمسلمين، وهذا لمسناه فى القرار الذى أصدره الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب يمنع مواطنى سبع دول إسلامية من دخول أمريكا، واتجاه عدد من الحكومات الغربية الأوربية فى منع هجرة مواطنى بعض الدول العربية .

ولم أكن فى حاجة لتصريحات المتحدث الرسمى للرئاسة بعد هذا اللقاء لكى نتأكد كما قال من أن الرئيس يقدر دور الأزهر .. فهذا نلمسه بوضوح فى الكثير من المواقف، مثلما نرى احترامه أيضا لدور الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، خاصة أن دورها يتجاوز نطاق الأراضى المصرية ويتسع ليشمل دولاً أخرى . فالرئيس يتعامل مع كل من الأزهر الشريف والكنيسة باعتبارهما من مؤسسات الدولة المصرية التى يجب الحفاظ عليها مثل الحفاظ على المؤسسة التشريعية (البرلمان) والمؤسسة القضائية وبقية المؤسسات المصرية المختلفة .

لكن ذلك لا يعنى فى تقديرى أن الرئيس يبغى مزيدا من الجهد فى تصويب الخطاب الدينى ومزيداً من التفعيل والتنشيط لعملية مواجهة التطرف الدينى، فنحن نخوض حرباً ضارية وشرسة ضد إرهاب هو الأكثر وحشية من أى إرهاب سبق أن واجهناه، والأكثر قدرة لتنظيماته سواء تسليحاً أو تمويلاً أو استخداماً للتكنولوجيا فضلاً عن ارتباط تنظيماته بعلاقات تعاون وتنسيق فيما بينها على مستوى العالم كله، بالإضافة إلى تورط دول وحكومات وأجهزة مخابرات دولية فى دعم ومساندة هذه التنظيمات الإرهابية.. وحتى ننتصر فى هذه الحرب نحن نحتاج لما هو أكثر من تصفية هذه التنظيمات الإرهابية والتخلص من عناصرها وكوادرها وحصارها مالياً وتكنولوجياً .. نحتاج لتجفيف منابع الإرهاب بحرمان هذه التنظيمات من قدرتها على تجديد دمائها، من خلال غواية عناصر جديدة وضم أعضاء جدد وتجنيدهم للانخراط فى أنشطتها وأعمالها الإرهابية.. ولن يتحقق ذلك إلا إذا حمينا شبابنا من الوقوع فى غواية هذه التنظيمات.. هذه الحماية سوف تتم إذا حاصرنا التطرف الدينى من جذوره فى مجتمعنا .. وهنا يأتى دور رجال الدين .. أو دور الأزهر تحديدا.. وهو ما يقتضى أن يبدأ الأزهر بنفسه ورجاله أولا ومناهجه .

صحيح أن مواجهة التطرف فى المجتمع هى عملية مجتمعية شاملة يتعين أن تتسع ليشترك فيها المجتمع كله مع رجال الدين فيه بمفكريه ومثقفيه وإعلامييه وفنانيه ومدرسيه وكوادره السياسية ونشطاء المجتمع المدنى فيه.. ولكن يبقى دور رجال الدين .. - وتحديدا رجال الأزهر - مهما لحصار فتاوى التطرف الدينى بل والإجهاز عليها من خلال تفنيدها وإثبات ضلالها وكذلك عدم صحتها.

أعرف أن المهمة ليست سهلة وتحتاج وقتا وجهدا، خاصة أن هذا التطرف الدينى الذى نعانى منه لم يداهمنا فجأة، وإنما هو مخاض تراكم الكثير من الجهد فى هذا الصدد لمن روجوا له، ونتيجة أيضا تراكم الكثير من التخاذل فى التصدى لهذا التطرف الديني، بل واستغلاله سياسياً فى بعض الأوقات، مثلما حدث حينما استخدمت الجماعة الإسلامية - خاصة فى الجامعات - فى السبعينيات من القرن الماضى للتصدى للناصريين واليساريين الذين كانوا يسببون صداعاً للحكم وقتها .

وإذا كان الدكتور الطيب يفتح ذراعيه مرحباً بالمفكرين والمثقفين ويسعى لإشراكهم فى أنشطته المجتمعية التى تندرج فى خانة مواجهة التطرف الدينى ونشر قيم المواطنة والتسامح، فإن على المفكرين والمثقفين أن يجربوا أسلوب التعاون والاقتراب مع قيادة الأزهر لتشجيعها على المضى قدما وبخطى أسرع فى مواجهة التطرف الدينى ومن أجل تصحيح الخطاب الدينى، ولمساعدتها على تخطى أية عراقيل سواء من داخل أو خارج الأزهر تعطل تصحيح الخطاب الدينى أو تكبح جماح تصويب الخطاب الدينى. فلنجرب أسلوب التعاون مع الأزهر فى هذا الصدد بدلا من أسلوب الصدام حتى لا نخسره فى معركتنا ضد التطرف الدينى، وبالتالى نخسر هذه المعركة.