الإثنين 16 سبتمبر 2024

اكتشاف أثري في مدغشقر يغير تاريخ تفاعل السكان مع الحضارات البعيدة

مدغشقر

ثقافة16-9-2024 | 00:47

إسلام علي

اكتشف فريق دولي من الباحثين اكتشافًا أثريًا مذهلًا في قلب مدغشقر يمكن أن يغير فهمنا لتاريخ استيطان الجزيرة وارتباطها بالحضارات البعيدة. 
ففي موقع تينيكي، الواقع في جبال إيسالو النائية جنوب مدغشقر، عثر الباحثون على هياكل معمارية منحوتة في الصخر، لا يوجد لها نظير في الجزيرة أو على ساحل شرق إفريقيا.

وقد قام فريق الآثار بقيادة جويدو شرويرز من جامعة برن بسويسرا بتوثيق هذه الهياكل الواسعة، التي تشمل تراسات اصطناعية، ومنافذ محفورة في الصخور، وجدران من الحجر الرملي المنحوت، وأحواض حجرية.

وأثار دهشة العلماء أن أقرب الشبهات الأسلوبية لهذه العمارة توجد على بعد آلاف الكيلومترات في إيران الحالية، وخاصة في منطقة فارس، حيث تم العثور على منافذ صخرية مشابهة، مرتبطة بالمجتمعات الزرادشتية من الألفية الأولى الميلادية أو قبل ذلك.

كان موقع تينيكي معروفًا منذ أوائل القرن العشرين بهياكله الأثرية داخل "السيرك النهري"، بما في ذلك "Grande Grotte" أو "كهف البرتغاليين"، وهو مأوى صخري كبير محاط بجدران من الحجر الرملي، إلا أن التحقيقات الأخيرة كشفت أن الموقع أكبر مما كان يُعتقد، ويضم عدة مناطق أثرية تمتد لكيلومترات خارج السيرك الأصلي.

أظهرت نتائج تأريخ الكربون المشع أن هذه الهياكل تعود إلى الفترة بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، بالتزامن مع وجود سيراميك مستورد من الصين وجنوب شرق آسيا يعود إلى الفترة من القرن الحادي عشر إلى الرابع عشر.
ويُعد هذا الاكتشاف مثيرًا لأنه يظهر أن سكان تينيكي كانوا جزءًا من شبكات التجارة في المحيط الهندي في العصور الوسطى، رغم بُعدهم عن أقرب ساحل بأكثر من 200 كيلومتر.

اقترح فريق البحث، الذي يضم علماء من سويسرا ومدغشقر ودول أخرى، أن هذه الهياكل المعمارية قد تكون جزءًا من مقبرة قديمة بناها مستوطنون من أصل زرادشتي، وإذا تأكدت هذه الفرضية، فسيطرح ذلك تساؤلات جديدة حول تاريخ الاستيطان المبكر في مدغشقر والتفاعلات الثقافية في المحيط الهندي خلال العصور الوسطى.
يضيف هذا الاكتشاف إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن استيطان مدغشقر كان عملية متعددة الثقافات، وأبرزت الدراسات الجينية الحديثة التأثيرات الأفريقية والآسيوية في تكوين السكان الملاجاشيين، مع اختلافات إقليمية في نسب هذه الأصول.

تشير الأدلة الأثرية إلى استيطان متأخر في مدغشقر، ويبرز موقع تينيكي كدليل محتمل على تاريخ أقدم، قد يلقي الضوء على فصل غير معروف من تاريخ الجزيرة، ويعزز وجود هذه العمارة المعقدة والمشاركة في التجارة عبر المحيط الهندي أهمية تينيكي كمركز ديني وتجاري خلال العصور الوسطى.

وتشير الدراسة إلى ضرورة إعادة النظر في النماذج الحالية لاستيطان مدغشقر وشبكات التجارة في المحيط الهندي، كما تثير احتمال وجود الزرادشتيين في مدغشقر تساؤلات حول التنوع الديني والثقافي للجزيرة خلال العصور الوسطى ومسارات الهجرة عبر المحيط.

يؤكد الباحثون على أهمية حماية موقع تينيكي ودراسته بشكل أكبر، خاصة مع تعرضه للنهب والضرر في الماضي، وفهم الأهمية التاريخية للموقع قد يسهم في الحفاظ عليه للأجيال القادمة، وذلك طبقا لما نقله موقع labrujulaverde.