الثلاثاء 17 سبتمبر 2024

نجوم المسرح المصري | عبد الوارث عسر «معلم فن الإلقاء وشيخ الممثلين»

عبد الوارث عسر

ثقافة16-9-2024 | 18:11

همت مصطفى

يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم وموهبتهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، وأسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموه  بعروض مسرحنا المصري.

 ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار ولنسافر معه في سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».

واللقاء اليوم  مع الفنان القدير.. عبد الوارث عسر

ممثل مصري عريق عرف طوال مسيرته الفنية بطيبة قلبه وتمتعه بالأخلاق السامية الحميدة واتسام جميع معاملاته بالتواضع والهدوء والرقي، وذلك بالإضافة إلى تعاونه الكبير ورعايته لجميع العاملين مع، فهو بحق ممثل كبير يستطيع أن يرتفع بأصغر الأدوار، ويحسب له في مسيرته الفنية إخلاصه الشديد وقدراته الفنية الرفيعة التي كانت تضحكنا وتبكينا بنفس المهارة، وتمتع بصوت رخيم قوي النبرات جعل أدائه أشبه بالتراتيل، وكأنه ملحن موهوب يضفي على الكلمات الألحان التي تبرز معانيها،

 الميلاد والنشأة

 ولد عبد الوارث عسر في القاهرة امنطقة الدرب الأحمر بحى الجمالية  فى 16 سبتمبر 1894م، وتعود أصول والده الريفية إلى مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، وهو الأخ الأكبر لشقيقين هما الفنان حسين عسر، وسنية عسر إنه لفنان القدير عبدالوارث علي عسر .

 وحفظ القرآن منذ الصغر وتعلم تجويده، وتدرج فى التعليم حتى حصل على البكالوريا فى مدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا، و كان يرغب في دخول مدرسة الحقوق كوالده الشيخ علي عسر الذي كان محاميا وصديقا مقربا من الزعيم سعد زغلول، لكنه لم يقدم على ذلك لكراهيته التعامل مع السلطات الإنجليزية التي كانت تحتل البلاد اإضافة إلى إضطراره إلى العمل وتحمل مسئولية إعالة أسرته بعد وفاة والده، خاصة

وتزوج عبد الوارث  عسر مبكرا نظرا لإيمانه العميق وإلتزامه بالتعليمات الدينية والاستقامة منذ صباه، وبعد وفاة والده ساعده الزعيم سعد زغلول على الإلتحاق بوزارة المالية عام 1921م فى وظيفة كاتب حسابات ولكنه استقال منها فيما بعد وهو فى سن الأربعين عاما عام 1936م ليتفرغ للفن.

البداية مع الشعر 
بدأت ممارسة هواياته الأدبية والفنية بكتابة الشعر والزجل وكتابة بعض المقالات الصحفية بالصحف والمجلات، تلك المقالات التي تضمنت دعوته للإعتزاز بالشخصية المصرية وتوحيد الزي للمصريين، وتشجيع الصناعات المصرية والدعوة لمقاطعة شراء البضائع المستوردة.

بدأت هوايته للفن مبكرا وبالتحديد في عام 1905م حينما أخذ يتردد على عروض فرقة «سلامة حجازي»، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا أخذ يمارس هوايته في حفلات جمعية «أنصار التمثيل والسينما»، ثم نجح عام 1912 في الإنضمام إلى فرقة «جورج أبيض»، وكان أول دور له يؤديه هو دور قسيس أسباني يقف وراء الكاردينال رئيس محكمة التفتيش في مسرحية «الساحرة» (ثريا الأندلسية، عام 1913، ثم قام بدور مدير المسرح فى مسرحية «الممثل كين»، والذي أسند إليه لغياب الممثل الأساسي للدور.

 وكان نجاحه في أداء الدور أكبر حافز على إحترافه للتمثيل والتفرغ له، وأمضى موسمين بفرقة «جورج أبيض» واشترك بمسرحيات: «أوديب»، «عطيل»، «هاملت»، «لويس الحادي عشر» وغيرها.

رحلة مع المسرح 

واتسم  عبد الوارث عسر  بأدائه لمختلف الأدوار بفرقة جورج أبيض» بالأداء التمثيلي الكلاسيكي الذي اتسم به أداء جميع أعضاء الفرقة، وكان يدربه على التمثيل آنذاك الفنان القدير منسى فهمي. ونظرا لأن هذا الأمر لم يستهويه اتجه للإنضمام إلى فرقة «عبد الرحمن رشدي عام 1917، وشارك بتجسيد شخصية الوزير بمسرحية«الضمير الحي»، والطبيب بمسرحية «الموت المدني»، كما شارك في مسرحيات: «الأرليزية»، «عشرين يوم في السجن»، «المحامي المزيف، «النائب هالير»، «مدرسة النميمة»، انضم بعد ذلك إلى فرقة «أخوان عكاشة»، ثم فرقة «جورج أبيض» مرة أخرى، وفي عام 1924م شارك في مسرحيات: «سفينة نوح»، «المرأة المجهولة»، «باسم القانون»، «نكبة البرامكة»، «سفيرو توريللي» وغيرها. التحق في صيف 1926 بفرقة “فيكتوريا موسى« وشارك في مسرحيات: «زهرة الشاي»، «الساحرة»، «المرأة الكدابة»، «طاقية الإخفاء»، «كريم شيكولاتة».
 

انضم إلى فرقة «فاطمة رشدي» والتي كان يديرها الفنان القدير عزيز عيد، وبالتالي فقد أصبح هو نفسه بعد ذلك من رواد هذه المدرسة. خاصة وقد التقى في الفرقة بمديرها - لفترة محددة - بالمخرج عمر وصفي الذي وجهه إلى أداء شخصية الأب


واشتهر عبد الوارث عسر  بصفة عامة بأداء شخصيات المشايخ والشخصيات الدينية، وأيضا أدوار الانسان المصري البسيط المتمسك بقيم الشرف والكرامة والعطاء، رب الأسرة المكافح، كذلك الموظف الصغير المحنك بخبرات الحياة.

مؤلفا للمسرح 

واستمر في العمل بالمسرح وشارك في تأسيس فرقة «أنصار التمثيل والسينما»، وكان من الأعضاء البارزين بالجمعية، واشترك في إحياء مواسمها السنوية، و شارك صديقه المقرب سليمان نجيب بترجمة واقتباس بعض المسرحيات من الإنجليزية والفرنسية، وأيضا شاركه كتابة أربع مسرحيات من بينها: الزوجة الثانية، الأمل ، قدمت بالفرقة القومية، كما قام بتأليف بعض المسرحيات ومن بينها: «النضال»، «الموظف»، وغيرهما، وذلك بخلاف عدد كبير من التمثيليات الإذاعية.

صانع للنهضة المسرحية المصرية
 

وحاول الفنان عبد الواراث برفقة صديقيه محمد كريم وسليمان نجيب النهوض بفن التمثيل والتأليف وتدريب الوجوه الجديدة، فتمكن من تعليم الممثلين فن الإلقاء ومن تلاميذه كل من النجوم: عماد حمدي، سميرة أحمد، ليلى طاهر، لبنى عبد العزيز، كما ظل يدرس مادة الإلقاء بالمعهد العالي للسينما منذ عام 1959م

ألف كتاب “«فن الإلقاء، عام 1976م، أودعه خلاصة خبرته الطويلة في التمثيل، وكان - عاشقا للغة العربية ومتفقها فيها وفي الشعر والأدب، وكان أداؤه بصوته المميز المتفرد يشف الآذان بقدرته البديعة على التعبير، وبوضوح جميع حروفه وكلماته التي تتواصل فورا مع المتلقي فتثير مشاعره وأحاسيسه وخياله.
 

بدأ  عبد الوارث عسر الظهور في السينما ببداية ثلاثينيات القرن العشرين، وقام بأداء نفس الأدوار التي تميز بها في المسرح، وشارك عام 1935 في أول فيلم قصير ينتجه  استديو مصر،  وهو فيلم «إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، ومن الأفلام المهمة التي شارك بها في مرحلة بداياته السينمائية مع الموسيقار المطرب محمد عبد الوهاب بفيلم «يحيا الحب» والذي تم تصويره في فرنسا، عام 1938م، حيث قام بتجسيد شخصية «رضوان باشا» والد محمد فتحي (محمد عبد الوهاب)، ومنذ ذلك التاريخ  ازدادت بالموسيقار محمد عبد الوهاب وبالمخرج محمد كريم، حيث شاركهما بعد ذلك في تقديم سلسلة أفلام الفنان محمد عبد الوهاب، فكان يكتب السيناريوهات الخاصة بها، وكان قد سبق له كتابة أول سيناريو سينمائي عام 1937م عن مسرحية إنجليزية وذلك لفيلم «الحل الأخير» الذي أخرجه عبد الفتاح حسن.

 مشاكات مهمة في السينما

 وتضم قائمة الأفلام التي كتب لها السيناريو الأفلام التالية: يوم سعيد، ممنوع الحب، لست ملاكا، الدكتور، زينب، أخيرا تزوجت، أصحاب السعادة، دليلة، ناهد، ، قلب من ذهب، أماني العمر، توبة.
ويذكر أنه قدّم خلال مشواره ما يقرب من مائتي وخمسين فيلما ومسرحية، وكتب العديد من السيناريوهات، وكانت بداية شهرته الحقيقة مع كوكب الشرق أم كلثوم حينما قدم معها تمثيلا وكتابة فيلمي: «سلامة« و«عايدة»، بعدها توالت أعماله والتي يذكر منها دموع الحب، يوم سعيد»، «حب فى الظلام» مع النجمة فاتن حمامة، «عيون سهرانة» مع النجمة شادية، و«شباب امرأة» مع الفنانة تحية كاريوكا، و«صراع فى الوادي» و«الأستاذة فاطمة» وغيرها الكثير


وأصبح عبد الوارث عسر  منذ أربعينيات القرن الماضي من الأصوات المرموقة والشهيرة بالإذاعة المصرية، خاصة مع إجادته التمثيل باللغة العربية الفصحى فاشترك في مئات البرامج والتمثيليات الدرامية.
عندما تم تأسيس فرق التليفزيون المسرحية في أوائل ستينيات القرن الماضي شارك في بطولة عدة مسرحيات من بينها: الأرض، السكرتير الفني، الشيخ رجب، خلف البنات.

 

حصاد الرحلة .. تكريمات وجوائز 

حصل على عدد كبير من الجوائز في التمثيل و جائزة عن سيناريو فيلم «جنون الحب»، كما حصل على تكريم من الملك فاروق، وكذلك حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الزعيم جمال عبد الناصر، وجائزة الدولة التقديرية، ووسام الفنون من الرئيس السادات، وحتى بعد وفاته قامت الدولة بتكريمه أيضا في عدة مناسبات، ومن أهمها إصدار طابع بريد بصورته واسمه،كان آخر ما قدمه في التليفزيون هو مسلسل «أحلام الفتى الطائر» مع الفنان عادل إمام.

 

 وزواج مستمر  لقصة حب حتى الرحيل .
تزوج الفنان عبد الوارث من ابنة خالته وأنجبا ابنتين فقط هما: لوتس وهاتور ، وأسماهما بأسماء فرعونية اعتزازا بحضارته الفرعونية، وحفيده هو الفنان محمد التاجي. توفيت زوجته فى 3 مايو 1979، وكان يحبها جدا ومرتبطا بها إلى أقصى درجة، وبعد وفاتها حزن حزنا شديدا عليها ودخل على إثرها المستشفى في شبه غيبوبة كاملة، وظل فترات طويلة بمستشفى “حتى توفي بالمستشفى فى 22 أبريل عام 1982 عن 87 عاما، و اكنه سيظل خالدا بذاكرتنا عبر الزمن ورمزا وقدوة دائمة للأجيال التالية بأدواره المتنوعة البديعة.