الأحد 6 اكتوبر 2024

محطات العَمري

مقالات1-10-2024 | 14:59

خطفتني في أولى صفحات مجموعتها القصصية "رحلة قطار"، جملة "تأججت نيران العضب في صدري"، فمن الصعب أن أتخيل صديقتي الحالمة في تلك الحالة وهذا الغضب المخيف، حتى إن كان لاعتبارات القصة، فهي المتسامحة صاحبة الوجه المشرق البشوش المتفائل الذي لم تغب عنه الابتسامة.

 فأنا على يقين تام بأن صاحب القلم دائما ما يضع نفسه بطلا للقصة، حتى ولو حاول طوال الوقت تمويه ذلك، للتهرب من حقيقة مشاعره المخفية بين سطوره.

إيمان العمري روائية تجيد العزف على التفاصيل، لم تهدر ولم تقلل من أحد حقا أو جهدا، فرغم غضبها من زميل لها، الذي يشاركها عملها، كانت أول من يشيد به وباجتهاده في عمله.

وما بين قضيتها الأساسية وما تحاول أن تخفيه بقضية أو لعبة القطار والذكريات وحلقات العمل، عندما ذهبا معا للمشاركة في إنجازه، إلا أنني أرى أن قضيتها الأساسية هي الإنسانية والتسامح، وطالما الصراع من أجل العمل فلا داعي لخسارة أنفسنا في لحظات الغضب، مبادئ بالفعل تعود بنا لأصول المهنة وأخلاقياتها.

وبعدها سرعان ما تنتقل بنا الروائية من حالتها المرئية الممتعة لفصول مجموعة قصصها المختلفة، تراها الكاتبة وهي الأحق بالتأويل، أنها قصص لشخصيات، ولكني أراها محطات زمنية تذكرني بأحد عروض المبدع المخرج عصام السيد، وعرض مسرحيته "نازلين المحطة الجاية"، وهي إحدى العروض التي افتتحها مسرح التليفزيون.

رحلة قطار مجموعة من القصص المنفصلة المتصلة في آن واحد، تربطها خيوط حريرية غير مرئية، لكن القصة الحقيقية أجدها في افتتاحية المجموعة، فهي محور العمل ككل، وتخفي وراءها العديد من المعاني.

قراءتي لم تكن نقدية أو عرض لفصول المجموعة، بقدر ما كانت تحليلة لما وراء الحكي، لكاتبة في أهم المجلات العربية التي تتحدث باسم المرأة "حواء".

 تكرار الكاتبة اسم أدهم زميلها في العمل في أغلب بدايات مجموعتها أغفلني، بل جعلني أتناسى السؤال عن اسم البطلة، وما بين السياسة والتاريخ والحالات الاجتماعية جذبني أسلوبها في السرد.

فرغم أنها لعبة غالبا ما شاركنا فيها جميعا، فإنها تحمل في مكنونها تنقلات نفسية، حالات من الحب المختلفة، يغلفها الطابع العائلي والترابط الأسري، وكانت الذكريات عاملا أساسيا فيها.

 استوقفتني نهاية بعض القصص/ خاصة أنها لم تأخذ الطابع التقليدي، ورغم أنني قرأتها أكثر من مرة، فإني أجد نفسي أميل لقراءتها مرة أخرى.

ففي كل مرة  تظهر سطور مسحورة مختبئة خلف ستار الحكي، وبما أنها متعة منفصلة متصلة، أنتظر منها كتابة أجزاء جديدة، فعربات القطار كثيرة، وقصصه لا تتوقف.