يصدر قريبا عن المركز القومي للترجمة كتاب «عالم مرتضى الزَبيدِي: حياته وشبكة علاقاته ومؤلفاته»، تأليف المؤرخ والباحث ستيفان رايخموت، وترجمة الدكتور محمد صبري الدالي.
وكما ورد في مقدمة المترجم الدكتور محمد صبرى الدالى "فإن أهمية هذا الكتاب للمؤرخ الألماني ستيفان رايخموت تأتى في إطار محاولة بعض المؤرخين الغربيين لإعادة النظر في مفهوم ومظاهر "الحداثة" قبل القرن التاسع عشر، وإثبات أنها لم تكن قاصرة على أوربا، بل طالت بلاداً أخرى مثل مصر، وإن ركز اهتمامه على الزَبِيدي: العَالِم المُجدد، العربي الأصل، الهندي المولد والنشأة، اليمني في تكوينه التعليمي الأول، المصري في نُضْجِهِ الفكري وعطائه ومُستقره حتى وفاته.
اعتمد المؤلف في الأساس على مؤلفات الزَبِيدي، واستخدم عدة مناهج لدراسته في سياق عصره ومُتغيُّراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية (محلياً وإقليمياً وعالمياً).
لقد أوضح أن الزَبِيدي قام بغربلة وإحياء العلوم الإسلامية وتوضيحها لمعاصريه، مع الإضافة إليها في مجالات دينية وأدبية وعلمية، ودافع فيها عن قيمة كل عملٍ جديد "مُحْدَث"، فكان بذلك رائداً في طرح قضية "التحديث التجديد" قبل القرن التاسع عشر.
كما أنه أحيا أفكار علماء مسلمين كُثُر مثل ابن سينا وابن مسكويه، ووسَّع من تراث الغزالي، ودمج تخصصات مختلفة مثل الحديث والفقه والكلام وأصول الدين والتصوف والشعر والنثر وعلم الأنساب والتاريخ والطب والفلك وعلوم تجريبية وطبيعية أخرى.
في هذا السياق التقى الزَبِيدي وتشابه مع مفكرين وعلماء أوربيين حتى القرن الثامن عشر (مثل إسحق نيوتن، وآدم سميث، وأنصار المذهب الطبيعي) في قضايا إنسانية الإنسان ومكانته في الكون، والعقل والنفس البشرية، وقضية العدالة الإلهية، والصداقة، وقواعد السلوك، والمعرفة الموسوعية والاهتمام بالعلم التجريبي، وبجمع المخطوطات، بما يعني أن تيار الإنسانية والعلم في أوربا لم يكن قائماً بنفسه. والنتيجة أن رؤية الزَبِيدي كانت رؤية تراثية نقدية تجديدية في آن، لاسيما وقد كان له دوره المهم –من خلال تلامذته- في التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في العديد من البلاد، بمثل ما كان أستاذاً للعديد من رموز عصره، ومن أبناء القرن التاسع عشر.
هكذا فتح "رايخموت" باباً جديداً في البحث حول ما إذا كانت بعض الكتابات المصرية والعربية والإسلامية (حتى القرن الثامن عشر) تنتمي إلى "مرحلة تقليدية متأخرة" أم إلى "مرحلة حداثة مبكرة".
المؤلف ستيفان رايخموت ألماني من مواليد 1950م، وهو أستاذ الدراسات الشرقية والإسلامية جامعة بوخوم، ألمانيا. حصل على الماجستير في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة برلين الحرة 1976م في دراسة عن معجم "كتاب تقويم اللسان" لابن الجوزي.
وفي 1983م نشر رسالته للدكتوراه في موضوع "اللهجات العربية والتراث التاريخي الشفاهي لقبيلة الشكرية في شرق السودان". عمل باحثاً ببرنامج الدراسات الأفريقية بجامعة بايرويت (بافاريا) ثم مدرساً مساعداً (84-1991)، حيث قام بإجراء دراسة ميدانية حول تطور التربية والتعليم الإسلامي في نيجيريا، وتناولت أطروحته "تاريخ تعلم اللغة العربية والإسلامية ومؤسساتها في إمارة إيلورين الإسلامية منذ حوالي سنة 1800م".
عمل أستاذًا للدراسات العربية والإسلامية في جامعة الرور ببوخوم (1994-2016م)، ثم أستاذاً متفرغاً (2016-2019م) وهو الآن أستاذاً متفرغاً في المؤسسة نفسها. خلال عمله في جامعة بوخوم، قام بإدارة العديد من المشروعات العلمية البحثية، منها "شبكات التعليم الإسلامية في السياقات المحلية والعابرة للحدود الوطنية منذ القرن الثامن عشر" و"الطب اليوناني الإسلامي ووضعه في جنوب آسيا". عمل مُستشاراً حكومياً إقليمياً لتجربة "التعليم الإسلامي باللغة الألمانية" في المدارس الابتدائية والثانوية. عمل عضواً في لجنة التقييم التابعة لصندوق البحث الألماني، ورئيساً لقسم الإسلاميات في الجمعية الشرقية الألمانية. شغل رئاسة تحرير المجلة الدولية "عالم الإسلام"، ولا يزال حتى الآن عضواً في هيئة تحريرها. ومن أحدث بحوثه المنشورة: الدين واللغة (2009م). المفهوم العربي للدين والعلوم الدينية الإسلامية في القرن الثامن عشر الميلادي-حالة مرتضى الزبيدي (2016م). التنقيب عن السلاسل صوفية باعتبارها روابط مع الرسول: مرتضى الزبيدي وأعماله الموسوعية في السلاسل. كما شارك في تحرير العديد من الكتب، ومنها: التربية الإسلامية في الاتحاد السوفييتي والدول التي ورثته (2010م). الاتجاه الإنساني والثقافة الإسلامية-التراث التاريخي والتحديات المعاصرة (2012م). الديناميات الدينية في عصر الاستعمار (2017م).
أما مترجم الكتاب فهو الدكتور محمد صبري الدالي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان- مصر. يتركز اهتمامه البحثي في دراسة تاريخ الدين التصوف والتعليم والثقافة والمجتمع في مصر منذ القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن العشرين، وكذلك في تاريخ الدولة العثمانية وعلاقتها بأوروبا وله أكثر من عشرين بحث منشور في مصر وخارجها، وسبعة كتب.