يأتي تولي مصر رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي خلال شهر أكتوبر الجاري ليؤكد من جديد، استعادة مصر لدورها القيادي في إفريقيا، وتسجيلها حضورا قويا في القارة السمراء على كافة المستويات، وتفعيلها العلاقات النوعية بالدول الإفريقية في كل المجالات.
ويعكس تولي مصر لهذه الرئاسة نجاحات الدبلوماسية المصرية، وجهودها للقيام بدور فعال في دعم وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة الإفريقية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث مثلت ميادين العمل في القارة أحد أبرز النجاحات الدبلوماسية المصرية الخارجية في تحقيق العودة إلى الجذور، وأكدت للجميع أن الدور المصري، عاد على كافة الصعد والمستويات، بداية من الدائرة الإفريقية، مرورا بالدوائر الإقليمية والدولية.
وتؤشر كل المعطيات على أن مصر باتت تتبوأ مكانتها المميزة بين الكبار سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ويعود الفضل فى هذا التوجه إلى منهج الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي رسم سياسة خارجية تقوم على مجموعة من الثوابت والمحددات، أبرزها العمل بالوسائل السلمية والدبلوماسية.
وكانت مصر قد بدأت عهدا جديدا في علاقاتها مع قارة إفريقيا بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث اعتمدت السياسات والتفاعلات المصرية مع دول وشعوب القارة على إدراك واقعي لطبيعة العلاقات والمصالح التي تجمع بين القاهرة وشقيقاتها داخل القارة، وتأكيد الانتماء الإفريقي للدولة المصرية.
كما استندت السياسات المصرية إلى تقدير واع لأهمية التعاون والتقارب بين شعوب القارة لمواجهة التحديات والمصير المشترك فى ظل التطورات المتلاحقة، التى انعكست على حالة الأمن والتنمية وأسفرت عن موجة شرسة من التنافس الخارجي بين القوى الدولية والإقليمية لاستغلال مقومات القارة الغنية.
فيما تم تعظيم وترسيخ دور مصر الريادي في القارة الإفريقية، وتحقيق طفرة كبيرة في العلاقات مع دولها بفضل جهود ورؤية القيادة السياسية التي حددت أهداف العلاقات الخارجية لمصر بعد ثورة 30 يونيو.. فخلال العشر سنوات الماضية نجحت مصر في إصلاح بوصلة العلاقات المصرية الإفريقية وتوجيهها باتجاه المستقبل استنادا لمؤشرات التاريخ وإحداثيات الجغرافيا.. بوصلة تستمد، في دقة وقوة، مؤشرها من طفرات متسارعة غير مسبوقة في التنمية تشهدها كل بقعة في أرض مصر تمهد بها الطريق للجمهورية الجديدة.
وشملت التحركات المصرية لتدعيم العلاقات مع دول وشعوب القارة الإفريقية العديد من الملفات، التي حاولت الدولة المصرية من خلالها تحقيق التوازن بين القدرات والمصالح الذاتية والطموحات الإفريقية.
وبرزت في هذا الإطار مجموعة من الأدوات التي عبرت في مجملها عن تطور في الرؤية المصرية حول علاقاتها مع نظيراتها، وكانت آلية الزيارات والاجتماعات المشتركة من أهم أدوات التفاعل، حيث حرصت القيادة السياسية على القيام بزيارات مختلفة لدول القارة وحضور الفعاليات التي تجمع القادة الأفارقة والمشاركة في تطوير حلول للأزمات والمشكلات الإفريقية، كما استقبلت القاهرة خلال السنوات العشر الماضية العديد من القادة والمسئولين الأفارقة.
وجاءت رئاسة مصر للمنظمة القارية عام 2019 لتحمل فرصا جديدة لتفعيل الحضور المصري في كافة القضايا الإفريقية المشتركة، ولتعبر مصر من خلال هذه الرئاسة عن رغبتها في التقارب مع كافة الدول الإفريقية وتحملها لمسئولياتها إزاء نظيراتها ودعمها للمصالح الإفريقية، سواء داخل القارة على المستوى الثنائي، أو على المستوى الجماعي وعبر منظماتها الإقليمية والفرعية، أو من خلال المشاركة في الفعاليات الدولية التي تتم عبرها مناقشة قضايا القارة وعلاقاتها مع المجتمع الدولي. وقدمت مصر خلال هذا العام العديد من المبادرات. بالإضافة إلى تقديم الدعم لعدد من الدول الإفريقية في مجالات عديدة، كما سعت مصر إلى تطوير بنية السلم والأمن الإفريقي ودعمت مبادرة «إسكات البنادق» التي تعد جزءا مهما من أجندة 2063 لتطوير القارة السمراء.
وتؤمن مصر بأهمية العمل الإفريقي المشترك وتسهم بجهد حثيث في تحقيق السلام كركيزة للتنمية في القارة، وهو ما يظهر جليا في المواقف التي تتبناها مصر وجهودها الحثيثة لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والرخاء والتنمية في ربوع القارة.
وليس ثمة شك في أن الانتماء المصري للقارة الإفريقية كان وسيظل في صدارة أولويات دوائر السياسية الخارجية، كما كان يشكل أحد المعالم الرئيسية في تاريخ مصر، فضلا عن دوره في تطوير حاضر البلاد وصياغة مستقبلها.. ذلك المستقبل الزاهر.. بينما تخطو مصر في طريقها بثبات نحو الجمهورية الجديدة.
ويعتبر مجلس السلم والأمن، أحد أفرع الاتحاد الإفريقي الهامة، وهو المسؤول عن تنفيذ قرارات الاتحاد، وهو مشابه إلى حد ما لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وقد تم إنشاء المجلس، كهيئة تعمل على تسوية النزاعات في ظل الاتحاد الإفريقي بواسطة البروتوكول الخاص بالمجلس في يوليو 2002، ودخل حيز التنفيذ في ديسمبر 2003، ليصبح آلية صنع القرار فيما يتعلق بمنع وإدارة وتسوية النزاعات وحفظ السلم والأمن في إفريقيا ويتكون المجلس من 15 دولة، منها 5 دول يتم انتخابها كل 3 سنوات، و10 دول لمدة سنتين تتولى مسئولية قضايا السلم والأمن في القارة الأساسية.
ودعما لإمكانيات مجلس الأمن والسلم في تحقيق مهمته الأساسية، حدد البروتوكول المنشئ للمجلس عددا من المهام الفرعية الأخرى للقيام بها، منها الإنذار المبكر والدبلوماسية الوقائية، وصنع السلم، بما في ذلك استخدام المساعي الحميدة والوساطة والمصالحة والتحقيق وعمليات دعم السلم والتدخل.
وتشمل مهام المجلس تعزيز السلام والأمن والاستقرار في إفريقيا من أجل ضمان حماية وحفظ حياة وممتلكات ورفاهية الشعوب الإفريقية وبيئتها، بالإضافة إلى خلق الظروف المواتية لتحقيق التنمية المستدامة، وترقب ومنع النزاعات وفي حالات حدوث النزاعات تكون مسؤولية المجلس هي تولي مهام إحلال وبناء السلام بغية تسوية هذه النزاعات. وتعزيز وتنفيذ الأنشطة المتعلقة ببناء السلام وإعادة التعمير في فترة ما بعد النزاعات، وذلك لتعزيز السلام والحيلولة دون تجدد أعمال العنف.
فيما يقوم المجلس بالتنسيق ومواءمة الجهود القارية الرامية إلى منع ومكافحة الإرهاب الدولي بكافة جوانبه ووضع سياسة دفاع مشترك للاتحاد طبقا للمادة 4 (د) من قانون التأسيس، وتعزيز وتشجيع الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واحترام قدسية حياة الإنسان والقانون الإنساني الدولي وذلك كجزء من الجهود الرامية لمنع النزاعات.
ومن المتوقع أن تعمل مصر خلال رئاستها للمجلس على تعزيز دوره كجهاز معني بصون السلم والأمن والاستقرار ومعالجة التحديات الأمنية والتنموية التي تشهدها القارة الإفريقة، حيث تأتي الرئاسة المصرية للمجلس في سياق إقليمي ودولي معقد تتزايد فيه التحديات الأمنية وهو ما يتطلب تضافر الجهود والتشاور بشفافية حول سبل مواجهتها عبر مقاربة شاملة بغية إرساء الاستقرار والأمن في القارة الإفريقية وتحقق أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي للتنمية 2063.
ويتضمن برنامج الرئاسة المصرية للمجلس عقد المشاورات السنوية بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي، والثلاثي الإفريقي بمجلس الأمن، ولجنة الأمم المتحدة لبناء السلام، كما سيتم عقد جلسة مشتركة بين مجلس السلم والأمن ولجنة المندوبين الدائمين الفرعية للإشراف العام وتنسيق الميزانية والشئون المالية والإدارية - التي ترأسها مصر - بهدف دراسة تمويل عمليات السلام الإفريقية، بالاضافة إلى جلسات أخرى حول مكافحة الإرهاب، والوضع الإنساني في القارة، وقضايا المرأة والسلم والأمن، والمناخ والسلم والأمن.
جدير بالذكر أنه تم انتخاب مصر لمقعد العامين بمجلس السلم والأمن بالإجماع خلال اجتماعات المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في فبراير 2024، كممثل عن إقليم شمال إفريقيا، وهو ما يعكس تقدير وثقة دول إقليم شمال القارة السمراء، وكذا كافة دول القارة لجهود مصر والتزامها بتعزيز السلم والأمن والاستقرار في إفريقيا.
وتعد مصر من أهم الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية في مايو عام 1963 والتي تحول اسمها فيما بعد إلى "الاتحاد الإفريقي"، وقد برز الدور المصري في الحفاظ على روح ميثاق المنظمة منذ أول قمة إفريقية استضافتها القاهرة في يوليو 1964، وأصبح تقارب الدولة المصرية مع إفريقيا في هذه المرحلة هو محور حركة سياستها الخارجية، وعوامل هذا التقارب متعددة، يرتبط بعضها بطبيعة التهديدات الأمنية الراهنة للدولة المصرية، ويرتبط البعض الآخر بالأجندات الدولية والإقليمية في منطقتي الشرق الأوسط والمؤثرة بطبيعتها على الأمن القومي، والبعض بالاحتياجات المائية والتداعيات المترتبة على بناء سد النهضة.
وقد شاركت مصر في جميع اجتماعات المنظمة وكان لها صوت مسموع في الدعوة لاستقلال ناميبيا وفي معارضة التفرقة العنصرية وفي جهود الوساطة وحل النزاعات وفي المشاكل الاقتصادية والديون المتراكمة على الدول النامية.
ولمواجهة التطورات السياسية والاقتصادية والعالمية ظهرت الحاجة إلى تفعيل منظمة الوحدة الإفريقية بما يتماشى مع هذه التطورات فأصدر زعماء دول المنظمة الإفريقية في سبتمبر عام 1999 إعلانا مشتركا في قمتهم التي عقدت في مدينة (سرت) الليبية والذي عرف "بإعلان سرت" دعوا فيه إلى إقامة الاتحاد الإفريقي الذي حل محل منظمة الوحدة الإفريقية لكى يصبح للقارة الإفريقية دورا مؤثرا في الاقتصاد العالمي الذي أصبح لا يعترف إلا بالتكتلات الكبيرة.
وشاركت مصر في أعمال الدورة 23 لقمة الاتحاد الإفريقي بمالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، في 26-27 يونيو 2014، لتكون بداية لمرحلة جديدة من التضامن والتعاون المثمر لتحقيق طموحات الشعوب الإفريقية في التنمية، وقد لاقت المشاركة المصرية ترحيبا من الاتحاد الإفريقي.
وأعلن الاتحاد الإفريقي في يناير 2018 أنه تم انتخاب مصر بالإجماع لرئاسة الاتحاد في دورته الحادية والثلاثين لعام 2019، وذلك تقديرا لدورها الريادي في القارة السمراء.
وتحتفل مصر يوم 25 مايو من كل عام مع أشقائها الأفارقة بيوم إفريقيا، والذي يتزامن مع ذكرى إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، التي عكست إرادة شعوب دول القارة للاستقلال وتوظيف ثرواتها البشرية ومواردها الطبيعية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتلبية تطلعات شعوبها في الحرية والتكامل والاتحاد.