السبت 5 اكتوبر 2024

خط بارليف الذي دمرته القوات المصرية في أكتوبر 1973

لواء دكتور/ سمير فرج

تحقيقات5-10-2024 | 14:28

لواء دكتور/ سمير فرج

تحتفل مصر هذه الأيام بذكرى مرور واحد وخمسون عاما على اغلي انتصار في العصر الحديث؛ ليس للقوات المسلحة المصرية فحسب، وإنما لكل الشعب المصري وجميع الشعوب العربية. فلقد خرجنا من هزيمة يونيو 1967، وقد فقدت مصر شبه جزيرة سيناء بالكامل، وفقدت سوريا هضبه الجولان، وفقدت الأردن الضفة الغربية، فضلاً عن فقدان القدس الشرقية.

لم تقتصر الخسارة على الأراضي، بل فقدت مصر أيضاً 70 بالمائة من عتادها العسكري، وما يزيد عن 80 بالمائة من قواتها الجوية، التي تم تدميرها وهي على أرض المطارات العسكرية. فلم يكن الاستعداد لحرب أكتوبر بالشيء الهين، ناهيك عن الانتصار الساحق فيها. 

لقد تضافرت الجهود المصرية والعربية، استعدادًا لاسترداد الأرض، واستعادة الكرامة ... جهود شارك فيها كل فرد، قدر استطاعته، ومن منطلق إمكاناته، وإحساسه بالمسئولية ... فلا ننكر دور شركة المقاولون العرب، مهندسيها وعمالها، الذين بأيديهم، وبدماء وتضحيات شهدائهم، تم بناء حائط الصواريخ، الذي كان أساس تأمين عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس. 

هذا الحائط الذي كان سببًا في تلقي أسعد خبر، من وجهة نظري، المتواضعة، يوم السادس من أكتوبر، أثناء تواجدي في غرفة عمليات القيادة المصرية، عندما التقطت أجهزة المخابرات المصرية، إشارة مفتوحة أصدرها قائد القوات الجوية الإسرائيلية، إلى جميع طياريه، يأمرهم فيها بالابتعاد تمامًا عن قناة السويس، ويمنعهم من الاقتراب منها لمسافة 15كم، وهي مدى حائط الصواريخ. أصدر أوامره في إشارة مفتوحة، غير مشفرة، للحد من خسائره، غير عابئ بالتقاط القوات المصرية لتلك الإشارة، وما لها من دلالات. حينها تأكدت من أن القوات المصرية سوف تعبر قناة السويس، دونما تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية، فتمتمت لنفسي أهنئها بنجاح العبور، واقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف "الحصين" كما وصفه العدو الإسرائيلي. 

بعد هزيمة يونيو 67 كنت قائد سرية مشاة، أدافع عن الضفة الغربية لقناة السويس، في منطقة تسمى جنوب البحيرات المرة، وظللت في هذا الموقع طيلة ما زاد عن ست سنوات، هي عمر حرب الاستنزاف ... وأمام عيني شهدت بناء خط بارليف، على بُعد 200 متر من موقعي، هي عرض قناة السويس ... وسُمي هذا الخط باسم بارليف، نسبة إلى حاييم بارليف، رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت، وهو من اقترح بناءه، ضمن خطته للدفاع عن سيناء وتأمينها، على غرار خط ماجينو، الذي بناه الفرنسيون لصد هجوم هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية. 

وصنف هذين الخطين، بارليف وماجينو، بأنهما أقوى الخطوط الدفاعية، في تاريخ العلم العسكري، في العصر الحديث ... وفي حين تجنب الألمان خط ماجينو الفرنسي، واخترقوا فرنسا عن طريق جبال الأردين في بلجيكا، فقد قرر المصريون اقتحام خط بارليف، ونجحوا في تدميره، والقضاء على أسطورة تحصينه، حتى أن الجنرال بارليف، صاحب فكرة إنشاء هذا الخط، قال بعد هزيمته في حرب 73، أن خط بارليف كان مثل قالب الجبن السويسري المثقوب ... من السهل اختراقه. 

بدأ الإسرائيليون، في البداية، في  بناء هذا الخط باختيار أهم النقاط الحاكمة، على طرق الاقتراب، إلى عمق سيناء، كذلك تأمين والدفاع عن الأهداف الحيوية، مثل مدينة القنطرة شرق، حيث تم بناء 3 نقاط قوية، حول القنطرة، وأمام مدينة بورفؤاد، على الطريق الساحلي، المؤدي إلى العريش، ولقد استخدم الإسرائيليون قضبان خط السكة الحديد، الذي كان يبدأ من الفردان حتى مدينة العريش، لصناعة أسقف كل نقاط خط بارليف، وصبوا فوقها فلنكات السكة الحديد، ثم أعلى ذلك وضعوا الرمال، بارتفاع 6 أمتار، فكان من الصعب تدمير هذا الخط، بأي نوع من أنواع المدفعية أو الطيران، لاختراق هذه المواقع.

كان الموقع مكون من ملاجئ لإقامة الجنود، ثم فتحات ونوافذ تطلق منها الرشاشات والمدافع على أي قوات تعبر القناة، ومصاطب تعتليها الدبابات لتضرب بنيرانها بزوايا، نطلق عليها نحن العسكريون، النيران الجانبية، التي تحقق أكبر تدمير للعدو المهاجم، دون أن يكتشف مكانها، علاوة على أبراج مراقبة، والأكثر من ذلك أن تم وضع أنابيب نابلم في قاع قناة السويس، مهمتها ضخ النابلم الحارق في مياه القناة، لتحويل مياهها إلى جحيم، يحرق أية قوات مصرية، وأية قوارب، تحاول العبور واقتحام القناة. وقد نجح أبطال الصاعقة البحرية المصرية، قبيل العبور، بالسباحة في عمق قناة السويس، وقاموا بسد جميع فتحات أنابيب النابلم بأنواع خاصة من الخرسانة التي تعمل تحت المياه المالحة، وتتجمد في فترة وجيزة. وبفضل الله، وبفضل بسالتهم، نجحت قواتنا في عبور قناة السويس، دون أن تنطلق شحنة نابلم واحدة، من أي نقطة من دفاعات خط بارليف، لتدحض بذلك خطط العدو الإسرائيلي. 

وكان خط بارليف مؤمناً، كذلك، بقوات احتياطية من المدرعات، والمشاة الميكانيكية، بين نقاطه ... وعندما بدأ عبور القوات المصرية، تجمدت تلك الاحتياطات في مواقعها، ولم تستطع التحرك، بسبب قوة نيران المدفعية المصرية. وفي العمق كان هناك احتياطيات محلية، واحتياطيات قريبة من الدبابات والعربات المجنزرة ... كلها تم تدميرها عندما حاولت الاقتراب لنجدة نقاط خط بارليف، إذ كانت الموجات الأولى من قوات عبور قناة السويس، كلها، مدعمة بالصواريخ المضادة للدبابات، التي تصدت لتلك التحركات الإسرائيلية، وأفشلت محاولاتها الهجومية، فلم تستطع دعم نقط بارليف، التي سرعان ما تهاوت أمام الهجمات المصرية القوية.

وهكذا سقط خط بارليف "الحصين" ... سقط بفضل من الله، وبفضل المقدم المهندس باقي زكي يوسف، الذي انتقل إلى جوار ربه منذ أسابيع قليلة، صاحب فكرة استخدام ضغط المياه لإحداث ثغرات في الساتر الترابي، اعتماداً على خبرته في بناء السد العالي، واستخدام مضخات المياه لتجريف المنطقة التي سيتم فيها بناء السد ... سقطت نقاط خط بارليف بالكامل، فمنهم من تم تدميره، ومنهم من طلب الاستسلام، وحضر الصليب الأحمر مراسم تسليم الموقع إلى القوات المصرية ... وهكذا انتهت أسطورة خط بارليف على يد القوات المسلحة المصرية، لتسطر في التاريخ العسكري الحديث نصراً عظيماً، تتحاكى به الأجيال المصرية، وتفخر به عبر تاريخهم العظيم. 

وهنا يجب أن لا ننسى الدور العظيم للفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الذي أعد توجيه 41، والذي نظم فيه عبور المانع المائي في 12 موجه من القوارب المطاطية، سلالم الحبال لعبور الساتر الترابي، وصمم سترة الجندي الذي سيعبر بها. ويستمر يقاتل العدو حتى وصول. الدبابات وعربات الإمداد ثم وضع خطة لمهاجمة كل نقطة من نقاط خط بارليف طبقا لشكل الدفاعات الإسرائيلية، كما تم تخصيص عناصر من الصاعقة البحرية أثناء التمهيد النيراني لسد فتحات النابلم في نقاط خط بارليف، وهكذا كان توجيه 41 هو الخطة التفصيلية لتدمير خط برليف، وأني أتذكر قيام الفريق سعد الشاذلي. بعد إعداد التوجيه 41، أنه أمضي يومين في كلية القادة والأركان مع الدارسين في الدورة 25، وكنت أنا واحد منهم، ناقشنا هذا التوجيه في كافة جوانبه المشاة والمدفعية والمدرعات والمهندسين. إلى آخره، وكان ذلك أحد أسباب نجاح تنفيذ هذا التوجيه، لذلك سوف تظل مصر دايما فخورة بأبنائها ورجالها من أبناء القوات المسلحة الذين حققوا هذا النظر العظيم في 10 من رمضان، 6 من أكتوبر 73.