الإثنين 7 اكتوبر 2024

دراسة: جنوب إفريقيا شهدت استمرارية سكانية دون تداخل لمدة 10.000 عام

ملجأ أوكهيرست الصخري

ثقافة7-10-2024 | 16:48

إسلام علي

كشفت الجينومات البشرية القديمة المعاد بناؤها من بقايا ملجأ صخري في جنوب أفريقيا عن استمرارية وراثية كبيرة عبر الزمن، فأظهرت دراسة بحثية حديثة  عبر ملجأ أوكهيرست، أن تاريخ سكان جنوب أفريقيا يختلف عن مناطق أخرى في العالم.

ملجأ أوكهيرست الصخري

يعد ملجأ أوكهيرست الصخري موقع أثري يقع قرب بلدة جورج على الساحل الجنوبي لجنوب أفريقيا، حيث يقع الملجأ في جرف من الحجر الرملي فوق مجرى مائي وسط وادٍ تغطيه أشجار صفراء قديمة.

يُعتبر الموقع واحدًا من أبرز الأماكن الأثرية في المنطقة، حيث تم التنقيب فيه لأول مرة في ثلاثينيات القرن العشرين، ويعود تاريخ استيطان البشر في ملجأ أوكهيرست إلى حوالي 12,000 عام، مما يجعله ذا أهمية خاصة لفهم تاريخ الإنسان في جنوب أفريقيا.

يتميز الموقع بوجود بقايا بشرية قديمة، بما في ذلك 46 مدفنًا، وهو أمر نادر في جنوب أفريقيا، حيث تُعثر عادةً على مدافن فردية، إلى جانب ذلك، تم اكتشاف أدوات حجرية، شظايا خزفية، وفنون صخرية، مما يقدم رؤى مهمة حول الحياة القديمة في المنطقة.

ويُعتبر ملجأ أوكهيرست الصخري أحد المواقع الأساسية لفهم التنوع الثقافي والوراثي في جنوب أفريقيا والمنطقة المحيطة بها.

بدأت عمليات التنقيب في أوكهيرست في ثلاثينيات القرن العشرين، ويتميز الموقع بتاريخه الاستيطاني الذي يعود إلى 12 ألف عام، وقد تم العثور على فنون صخرية وأدوات حجرية وشظايا خزفية.

اكتشافات نادرة

اكتشف العلماء بالإضافة إلى ذلك، بقايا 46 شخصاً، وهو اكتشاف نادر مقارنة بمعظم المدافن القديمة التي تم اكتشافها في جنوب أفريقيا منذ 40 ألف عام والتي كانت غالباً لأفراد منفصلين.

التكنولوجيا الحديثة والآثار

تتيح التكنولوجيا الحديثة استمرار دراسة المواد الأثرية المكتشفة مسبقاً، وقد قدم موقع أوكهيرست فرصة لفريقنا لإعادة بناء جينومات سكانه عبر الزمن وتقييم العلاقات الوراثية مع الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة اليوم.

يمثل الجينوم المعلومات الوراثية الخاصة بالكائنات الحية، والتي تنتقل من جيل إلى جيل، ما يسمح بدراسة الماضي، ويساعد علم الوراثة الأثرية في فهم تاريخ البشر وتحديد حركات السكان.

تاريخ السكان بجنوب أفريقيا

وأظهرت النتائج أن تاريخ السكان في جنوب أفريقيا يختلف عن باقي العالم، حيث لم تحدث موجات من السكان لتحل محل الآخرين، بل كانت هناك استمرارية جينية طويلة للأفراد بين 10 آلاف و1300 عام.

وحقق علم الوراثة الأثرية نجاحات كبيرة في آسيا وأوروبا، ولكن التحديات البيئية أعاقت تقدمه في أفريقيا، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تدهور الحمض النووي، حتى الآن، نُشرت أقل من عشرين جينومًا من جنوب أفريقيا وبوتسوانا وزامبيا.

وتعتبر أفريقيا ذات أهمية لأنها تضم أعلى مستوى من التنوع الجيني، وكل التنوع الجيني في العالم هو جزء من التنوع الأفريقي، ما يجعل فهم التاريخ البشري مستحيلاً دون دراسة القارة الأفريقية.

مساهمة الكربون المشع في علم الوراثة

بدأت دراسة الفريق في أوكهيرست عام 2017، وضم علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الآثار والوراثة، وقاموا بأخذ عينات من 13 فردًا، تراوحت أعمار اثنين منهم بين 9 و10 آلاف عام، بينما تراوحت أعمار البقية بين 5 و6 آلاف عام، و4 و5 آلاف عام، و1000 و1500 عام، تم تحديد الأعمار باستخدام الكربون المشع،  وشملت العينة 5 نساء و8 رجال.

وتعد تقنية الكربون المشع (C-14) مهمة جدًا في علم الآثار وهي تُستخدم لتحديد عمر المواد العضوية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، فهذه التقنية تعتمد على قياس الكميات المتبقية من النظير الكربوني المشع في العينات الأثرية، مثل العظام، الأخشاب، والألياف النباتية.

فعند موت الكائن الحي، يبدأ نظير الكربون المشع (C-14) في التحلل بنصف عمر يبلغ حوالي 5730 سنة، يقوم العلماء بقياس نسبة الكربون المشع المتبقية في العينة وتحديد الزمن الذي مضى على وفاتها، وهو ما يساعد في تحديد عمر العينة بشكل تقريبي.

ويمكن استخدام هذه التقنية لتأريخ الأشياء التي يصل عمرها إلى 50,000 سنة تقريبًا، ما يجعلها أداة قيمة لتأريخ المواقع الأثرية القديمة.

بالرغم من فائدة هذه التقنية، إلا أنها ليست خالية من الأخطاء، حيث أن العوامل البيئية والتلوث يمكن أن تؤثر على النتائج، ولذلك يتم استخدام أساليب أخرى بجانب الكربون المشع لضمان دقة التواريخ.

وعلى الجانب الأخر، واجه العمل الوراثي تحديات بسبب سوء حفظ الحمض النووي، ولكنهم استطاعوا استخراج الجزيئات وتسلسلها، وتبين أن الجينومات القديمة تشبه جينومات شعب سان وخويخو المعاصرين، دون وجود أي أسلاف من خارج المنطقة خلال 10 آلاف إلى 1300 عام.

هذه الاستمرارية الوراثية مدهشة، خاصة بالمقارنة مع أوروبا وآسيا، حيث تظهر تغييرات كبيرة نتيجة حركات سكانية، لكن التغيير الثقافي كان واضحًا في جنوب أفريقيا، فقد شهدنا ابتكار ثقافات جديدة مع مرور الوقت، بما في ذلك التحولات في صناعة الأحجار.

ومنذ حوالي 2000 عام، وصل وافدون جدد للمنطقة جالبين معهم الرعي والزراعة ولغات جديدة، ومع ذلك، ظل السكان الذين عاشوا قبل 1300 عام متشابهين وراثياً مع الأجيال السابقة، وذلك طبقا لما ذكره موقع Livescience.